آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » لماذا تفشل قوى الممانعة في إقامة إدارات فاعلة لدولها؟

لماذا تفشل قوى الممانعة في إقامة إدارات فاعلة لدولها؟

| حسين ابراهيم

هل نجحت أميركا في فرض أجندة الفوضى والفساد على الدول التي تحتضن قوى ممانعةً لمشروعها، فصارَ الخيار أمام هذه الدول بين مقاومة مكلفة جدّاً أو استسلام كامل؟ أم أن بإمكان تلك القوى أن تقاوم وتقدّم في الوقت نفسه نموذجاً أفضل في الحكم يساهم في تعزيز فعل المقاومة نفسه؟ ثمّة ظاهرة مثيرة للحيرة، وهي أن الفساد ينتشر في الدول التي تقارع الولايات المتحدة وإسرائيل، بشكل أكبر حتى من البلدان التي يتحكّم فيها حلفاء أميركا، مع أن الطبيعي أن يكون الأمر معاكساً، ولا سيما أن الفاسدين في دول الممانعة نفسها، هم في الغالب حلفاء وأصدقاء لواشنطن، ويمكن وصفهم بـ«أعداء الداخل».

ليس خافياً، في هذا السياق، وباستخدام «أعداء الداخل»، سعي الولايات المتحدة للتدمير المنهجي للإدارات في الدول المعارضة لها، لكن المثير للاستغراب أن قوى الممانعة تسهّل، في بعض الحالات، المَهمّة على خصمها، من خلال الامتناع عن القيام بأيّ شيء لتحسين الأوضاع في دولها، ولو نسبياً. وفي المرحلة الأخيرة، من خلال التغاضي عن بعض مظاهر الفساد حتى بين صفوفها، كالإثراء غير المبرّر، حتى يحار المرء في ما إن كان هؤلاء الفاسدون داخل هذه الصفوف، هم مندسّون يعملون لمصلحة أعدائها، ويسأل عن سبب عدم قيام تلك القوى بتنظيف بيوتها.

المشكلة الأكبر أنه عند المقارنة بين دول الممانعة، وتلك التي تنخرط ضمن المشروع الأميركي، نجد في بعض الحالات أن الإدارة في دول الممانعة أسوأ وأكثر فساداً من تلك التي تتبع واشنطن. وعلى رغم أن الفساد موجود في كلّ مكان، وهو نسبي في كلّ الحالات، إلّا أن استعراضاً بسيطاً لوضع الإدارة في دولة كالأردن، المنعدم الموارد تقريباً، يُظهر أنها أفضل منها في دولة كالعراق الزاخر بالكثير من الثروات، وعلى رأسها النفط. أليست مفارقة أن الأردن، مثلاً، يمكن أن يبيع فائضاً كهربائياً، فيما العراق يشتهي استيراد العجز الكهربائي ولا يحصل عليه؟

صحيح أن الأردن دولة «مدلّلة» عند الغرب، الذي يقدّم لها مساعدات كبيرة، ويفرض على آخرين مثل دول الخليج مدّها بالدعم، ثمناً لـ«معاهدة السلام» مع إسرائيل، وللتسهيلات التي يقدّمها هذا البلد للوجود الأميركي في المنطقة، ولإسرائيل، في سوريا والعراق، وأماكن أخرى. وصحيح أيضاً أن العراق تعرّض، في المقابل، لتدمير منهجي لبنى دولته ومنها قواه الأمنية. إلّا أن العراق أجرى عدداً كبيراً من الانتخابات النيابية والبلدية منذ الاحتلال، ولا تبرير لهذا المستوى من الفساد المنتشر فيه، والذي ينخر القوى المحسوبة على الممانعة أكثر من غيرها. كما أنّ ثمّة نماذج لدول قاومت الغرب وقدّمت أنماطاً مقبولة في الإدارة، مثل كوبا، على رغم الحصار الذي أُطبق عليها منذ انطلاق ثورتها في خمسينيات القرن الماضي، والمستمرّ حتى الآن. لكن، يَجدر التذكير، هنا، بأن كوبا قاومت أميركا عندما لم تكن الأخيرة القوة العظمى الوحيدة في العالم، ونالت دعماً من المعسكر المناهض لواشنطن، والذي نشر ذات يوم صواريخ استراتيجية فيها تهدّد الولايات المتحدة، فيما الحصار الأميركي على هافانا ليس له «أعداء داخل» يدعمونه. وفي هذه النقطة، ثمّة اختلاف بينها وبين فنزويلا التي تحتضن «أعداء داخل»، إلّا أنها تقدّم نموذجاً أفضل في الحكم من نماذج الممانعة العربية.

ثمّة في العراق، ومن بين قوى المقاومة الفاعلة في الحكم، من يدعو اليوم إلى اتّفاق لمدة معينة مع الأميركيين يحرّر البلد من قبضتهم، مقابل ضمان بعض المصالح الأميركية فيه، حتى لا يظلّ إلى الأبد رهينة لدى واشنطن، تمارس عليه أشكالاً من المنع، مثل منعه من تسديد ثمن الغاز المستخدم في إنتاج الكهرباء لإيران بالدولار. المنطق المُشار إليه يقوم على القول إن الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني تمثّل فرصة للتوصّل إلى اتفاق مع الأميركيين بشروط مناسبة لإيران أيضاً، كون الحكومة قريبة جدّاً من طهران، وإن من شأن مثل هذا الاتفاق، بحسب الرأي المتقدّم، تسهيل تطبيع العلاقات بين طهران وبغداد، بحيث تصبح مماثلة للعلاقات بين طهران ودمشق. في المقابل، يعتقد الإيرانيون أن ذلك الأمر معقّد جداً، وأن القوى السياسية العراقية ليست متفقة في ما بينها على مشروع كهذا، ما يجعله صعباً.

بعض منطق الممانعة، إذاً، يستند إلى أن تصدّيها لمهام الحكم سيدفع واشنطن حتماً إلى تشديد الحصار عليها حتى الخناق. وبالفعل، سوريا تصلح نموذجاً، وهي النموذج الأقسى لحصار دولة لا تملك الكثير من الموارد، ولكن يمكن أيضاً التسجيل أنه على رغم الحرب، وربّما بفعل نجاحها في التغلّب على هذه الحرب، تملك دمشق إدارة أقلّ فساداً وأكثر فاعلية، وتجري فيها، ولو بنسبة صغيرة، محاربة للفساد. كذلك، تصلح تجربة «أنصار الله» في اليمن في الإطاحة بحليف متذبذب وفاسد كعلي عبد الله صالح، نموذجاً لباقي قوى الممانعة، لكن المشكلة أن الحرب الطاحنة هناك لم تُتِح للحركة التخلّص من تركته الإدارية التي لا تزال موالية للأميركيين وتتحكّم بالإدارة.

صحيح أن الولايات المتحدة توظّف هيمنتها الاقتصادية على العالم لتخريب هذه الدول من الداخل، لكن الفساد والفوضى لا يمكن أن يكونا قدَراً لا مناص منه. إذ ثمّة طرق كثيرة للضغط على أميركا، إن لم يكن لهزيمتها ودفعها إلى التراجع، فلِفرض شروط أفضل عليها. وهذا لا يتحقّق إلّا إذا انخرطت قوى الممانعة في الحكم والمقاومة معاً، بدل الاستنكاف عن ممارسة الحكم والاكتفاء بالمقاومة؛ ذلك أنه ثبت بالتجربة أن ترك هذا الفراغ في الحكم يتيح لأنصار أميركا التخريب من الداخل.
تحتاج قوى الممانعة إلى نضج أكبر، وإلى امتلاك خبرات إدارة؛ إذ ثمّة فجوة هائلة في هذه الخبرات تساهم مع الخوف من حصار مشدّد أكثر، في نفور تلك القوى من الاضطلاع بدورها في الحكم، في ما يمثّل خفّة ليس لها مبرر في مقاربة الحاجات الحيوية للناس الذين هم في النهاية الخزان البشري لقوى الممانعة والداعم الأول لوجودها. فحتى في ظلّ الديكتاتوريات العسكرية التي كانت قائمة في العالم العربي، كانت الإدارات أفضل، بفضل هامش الاستقلال الذي كانت تتمتّع به ضمن مشروع مناهضة الغرب، والذي يغيب كلياً الآن لمصلحة دمج فصائل المقاومة المختلفة في سياق عملاني واحد، وترك المساحة الأكبر في الحكم ليشغلها «أعداء الداخل»، بداعي حماية هذه الفصائل من التورّط مباشرة في فساد الحكم.

 

سيرياهوم نيوز3 – الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أبعاد ونتائج محتملة لانتفاضة الجامعات الأميركيّة

  رأي أسعد أبو خليل   لم أرَ اللوبي الإسرائيلي في حالة الهلع والذعر التي هو فيها هذه الأيّام. قد تكون أفدح كارثة لحقته منذ ...