آخر الأخبار
الرئيسية » حول العالم » لولا دا سيلفا لا يتراجع: ماضون في مقارعة إسرائيل

لولا دا سيلفا لا يتراجع: ماضون في مقارعة إسرائيل

 

علي فرحات

 

حَسم الزعيم «العمّالي»، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، دائرة الجدل؛ لا اعتذار للقاتل ولو بعد حين، ولا تسامح مع شلّال دماء أبرياء غزة وتجويع أطفالها وتدمير بيوتها، ولا احترام لدول باعت ضميرها وتحوّلت إلى شهود زور أمام أكبر مذبحة في التاريخ. لم تُخِف الرجل الثمانيني وقاحة بنيامين نتنياهو وأكاذيب لوبيات الصهاينة، الذين عاثوا في حديثه تحويراً وتزويراً؛ فالثمانون عاماً شكّلت مراحل نضال من أزقة العشوائيات، إلى مقاومة الديكتاتورية وهزيمة نظام رأسمالي أفقر البرازيل وحوّل معظم شعبها إلى جياع. ما قاله دا سيلفا عن فلسطين ليس سوى جزء يسير من مسيرة حياة لم يفرّق فيها بين ضحايا بني جلدته، وآخرين لا يعتنق ديانتهم ولا يتحدّث لغتهم، وهو لن يعتذر، بل سيخوض في مقارعة الظلم بما استطاع من موقف وفعل وكرامة حوّلته من رئيس للبرازيل، إلى الرئيس الأكثر شعبية على وجه الأرض.على وقع الأزمة الديبلوماسية البرازيلية – الإسرائيلية، استضافت ريو دي جانيرو اجتماعاً لـ»مجموعة العشرين» على مستوى وزراء خارجية الدول الأعضاء، والذي أَظهر تبايناً واضحاً في المواقف تجاه الحرب الروسية – الأوكرانية، والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ما يشير إلى صعوبة الخروج بموقف موحّد، والتزام الاجتماع بالعناوين الثلاثة التي وضعتها البرازيل، وهي: مكافحة الفقر والجوع والتغيير المناخي، التنمية المستدامة والإصلاحات داخل المؤسّسات الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي. وتحدّث وزير الخارجية البرازيلي، ماورو فييرا، بإسهاب عن عجز هذه المنظومة عن حلّ الصراعات، وفرْض السلام، إذ «يعيش مجلس الأمن شللاً غير مقبول، وإن حالة التقاعس أدّت إلى خسارة أرواح بريئة، البرازيل لن تقبل أن تجاري حلّ الخلافات من خلال استخدام القوّة العسكرية. لقد اختار جزء كبير جداً من العالم السلام، نحن نرفض تورّط بعض الدول في تأجيج الصراع وفرض الهيمنة على الدول الأخرى، لن نقبل فكرة الإخضاع، لا بصيغتها القديمة ولا الجديدة»، كما قال فييرا مفتتحاً الاجتماع.

موقف فييرا هذا، جاء ليحسم الجدل حول قرار البرازيل رفع الصوت عالياً حيال ما تتعرّض له غزة، وأن توافد الدول إليها لن يغيّر في سلوكها المناهض لسياسة الاحتلال شيئاً، بل هي ستذهب في قادم الأيام إلى ما هو أبعد من الإدانة والاعتراف بفلسطين دولةً كاملة العضوية في الأمم المتحدة، إذ كانت برازيليا قد تقدَّمت، الثلاثاء الماضي، بطلب إلى «محكمة العدل الدولية»، باعتبار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية غير قانوني، ويشكّل انتهاكاً صارخاً للاتفاقات الدولية، واعتبار الاستيطان قضماً قسرياً للأراضي الفلسطينية، وانتهاكاً لحقوق الإنسان من خلال تدمير البيوت وبناء جدار عنصري عازل.

لا تزال ارتدادات تصريحات دا سيلفا بين اليمين المتطرّف و«حزب العمّال» وحلفائه، مستمرة

 

وكشف مصدر مطلع في «حزب العمّال، لـ»الأخبار»، أن البرازيل كانت قد طلبت من الوفود القادمة، عدم التوسّط في النزاع مع إسرائيل، أو محاولة نقل رسائل بين الجانبَين، لأن حكومة دا سيلفا «حسمت وجهتها السياسية في هذا الشأن، وهي لن تتراجع عن أداء مسؤولياتها الدولية تحت سقف الدستور البرازيلي».

وعلى عكس ما روّجت له وسائل إعلام برازيلية مؤيّدة لإسرائيل، كان اللقاء الذي جمع الرئيس دا سيلفا، إلى وزير خارجية الولايات المتحدة، أنتوني بلينكن، هادئاً، على الرغم من تسجيل موقف أميركي معارض لمقارنة الزعيم «العمّالي»، السلوك الإسرائيلي في غزة، بالمحرقة النازية ضدّ اليهود. وكشف المصدر «العمّالي»، لـ»الأخبار»، أن الوزير الأميركي حاول استعطاف الرئيس البرازيلي من خلال الحديث عن نجاة جدّه من المحرقة، وعن الفظائع التي تعرّض لها أقرباؤه إبّان الحرب العالمية الثانية، إلا أن دا سيلفا الذي استمع بهدوء وثبات إلى ضيفه، سأله: «هل أنتم جادون في الضغط من أجل وقف إطلاق النار في غزة؟ لماذا لم تنصع واشنطن لقرار الإجماع العالمي في مجلس الأمن، واستخدمت الفيتو؟ إن البرازيل ستستمرّ في مواجهة سياسة الاحتلال، ولن تتوانى عن أداء دورها مهما كان الثمن». وأضاف المصدر أنه «على الرغم من التباين في هذا الملفّ، انتقل الحديث إلى الملفات الاقتصادية، وكان هناك انسجام واضح بين الطرفين». انسجامٌ أكّده بلينكن فور انتهاء الاجتماع، حين لفت إلى أن العلاقات بين واشنطن وبرازيليا «أقوى من أيّ مرحلة مضت، وهناك توافق راسخ على ضرورة مكافحة الفقر والتغيير المناخي وغيرهما من الملفات الاقتصادية». كذلك، التقى دا سيلفا وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي أشاد بشجاعة الرئيس البرازيلي وبمناقبيته.

في الداخل البرازيلي، لا تزال ارتدادات تصريحات دا سيلفا بين اليمين المتطرّف و»حزب العمّال» وحلفائه، مستمرة، لكن الموقف الأبرز جاء على لسان رئيس مجلس النواب، أرتور ليرا (يمين الوسط)، الذي اجتمع إلى عدد من نواب اليمين المتطرّف الذين يقودون عملية جمع التوقيعات لطلب عزل «لولا»، وأبلغهم بأن هذا الطلب مرفوض حتى لو تجاوز العدد الـ 200 توقيع، وأن مصير هذا الطلب إمّا سلة المهملات أو حفظه في الدُّرج. يذكر أن الدستور البرازيلي يعطي رئيس مجلس النواب صلاحية اختيار التوقيت للتصويت البرلماني على عملية العزل الرئاسي، وبالتالي استطاع التحالف الحكومي بين اليسار ويمين الوسط تجاوز أصعب امتحان منذ تشكيل الحكومة مطلع العام الماضي، إلا أن موقف ليرا لم يحد عن الخطابات الحادة والشتائم المتبادلة بين التيارين. فالنائب «العمّالي»، بادري جواو، وصف الكتلة المتطرّفة في البرلمان بـ»ثلة من الجبناء الذين يؤيّدون قتل الأطفال في غزة وتدمير المدينة على رؤوس أهلها»، قائلاً في مداخلته البرلمانية التي شهدت مقاطعة مستمرة وشتائم: «إنكم تتاجرون بالسيد المسيح، لقد حوّلتم عقيدتكم إلى تجارة دماء، بدلاً من أن تتمثّلوا برسالة الحب والسلام للسيد المسيح، إنكم أنذال حقيرون». في المقابل، وصف النائب البولسناري، غوستافو غاير، دا سيلفا بـ»الإرهابي والنازي»، ونشر صورة للرئيس على موقع «إكس» وهو يرتدي زيّ مقاتلي «حماس».

وعلى الرغم من الاحتكاك الداخلي في البرازيل، وسعي التيار المتطرّف إلى تخليص زعيمه، جايير بولسنارو، من حكم السجن المحتوم عبر فتح حرب «مقدّسة» دفاعاً عن إسرائيل، إلا أن الجولة الأولى قد حسمها دا سيلفا لمصلحته من خلال فرض نفسه زعيماً دولياً تحدّى سياسة الهيمنة، وتجاوز عقدة النقص عند معظم قادة العالم الذين لا يجرؤون على مقارعة أميركا وإسرائيل. هكذا، سجّل لبلاده موقفاً مشرّفاً، وفتح أبوابها لعدد كبير من رسائل التأييد والتعاطف من قيادات ونخب عالمية، وحوّل طموح نتنياهو إلى معاقبة البرازيل، إلى موقف معاكس يزيد من عزلة الكيان المحتلّ، ويجعل الرئيس البرازيلي أيقونة للشجاعة والكرامة الإنسانية.

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الجامعات البريطانية تلحق بنظيرتها الأمريكية في الاحتجاجات على العدوان الإسرائيلي على غزة

انضمت الجامعات البريطانية إلى الاحتجاجات المنددة بالعدوان الإسرائيلي على غزة، وذلك على غرار الجامعات الأمريكية التي شهدت احتجاجات مناهضة للعدوان ومؤيدة للشعب الفلسطيني. وذكرت صحيفة الديلي ...