آخر الأخبار
الرئيسية » يومياً ... 100% » ماخلفيات الإستدارة السعودية؟

ماخلفيات الإستدارة السعودية؟

| علي عبود

 

لو استبعدنا “تطبيل وتزمير الإعلام” لقمة جدة العربية، ولو تجاهلنا المنافسة حول “من سجل أهدافا في مرمى من”، ولو وضعنا جانبا ماتضمنه إعلان جدة وبيانها الختامي، ولو لم نهتم بما تحقق في ممراتها من لقاءات ومصافحات، ولو لم نكترث بأسباب عزوف رؤساء وأمراء عن حضور فعاليتها.. ترى ما أهمية قمة جدة التي كرست عمليا استدارة المملكة السعودية جزئيا أو ظاهريا باتجاه الشرق؟

من المبالغة القول أن المملكة ستفكّ تحالفها الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكن ليس من المبالغة القول أن المملكة بدأت بنسج تحالفات جديدة مع الأقوياء الجدد في العالم دون أن تتخلى عن حليفها الأمريكي الذي سيبقى الأهم والأكبر وخاصة في ظل الإدارات الجمهورية إلى أمد قد لايكون بعيدا جدا!

السؤال: مادور الحرب الأوكرانية في الإستدارة السعودية، وبما وصفه بعض المحللين بـ “التمرد السعودي” على الإدارة الأمريكية؟

قطعا لانشير إلى حضور رئيس أوكرانيا القمة العربية، ولا إلى دعم السعودية لبلاده في الحرب الدائرة منذ اكثر من عام ، وإنما من الضروري معرفة الدور المباشر للحرب في أوكرانيا في نضج الخيارات السعودية الجديدة وقرارها بنسج تحالفات جديدة مع الأقطاب الجدد وخاصة روسيا والصين.

والسؤال المهم الآخر: هل كان الاتفاق السعودي الإيراني الأخير هو ترجمة لاستراتيجية المملكة السعودية وعنوانها “تصفير المشكلات” مع دول المنطقة (إيران وتركيا واليمن وسورية وقطر..) وكانت قمة جدة ترجمة عملية لهذه الإستراتيجية، أم هناك حسابات أخرى غير معلنة لاستراتيجية “صفر مشاكل مع دول المنطقة”؟!

إذا أغفلنا هاجس المملكة السعودية بالتحالف مع قطب قوي يؤمن لها الحماية من القريب قبل البعيد، فلن نفهم خفايا الإنقلاب الجذري في الإستراتيجية السعودية الجديدة ومحورها التوجه شرقا دون التخلي عن تحالفها التاريخي مع الأمريكي حتى تنجلي نتائج الحرب العسكرية بين الغرب وروسيا من جهة ، والحرب الناعمة بين أمريكا والصين من جهة أخرى.

لقد بدأ هاجس حكام السعودية “الحماية من الآخرين” قبل انتهاء الحرب العالمية الأولى وانتزعوا من بريطانيا في 26/1/1915 توقيعها على معاهدة القطيف تحولت السعودية بموجبها إلى محمية بريطانية، ومع أفول نجم الإمبراطورية التي لاتغيب عنها الشمس بعد الحرب العالمية الثانية، لجأ ابن سعود إلى الولايات المتحدة باعتبارها القوة الصاعدة الجديدة فوقّع مع رئيسها فرانكلين روزفلت على متن باخرة كوينسي في قناة السويس في 14 شباط 1945، اللقاء التأسيسي لشراكة استراتيجية بين السعودية والولايات المتحدة تقوم على مبدأ “النفط مقابل الحماية”.

ويسرد الكاتب السعودي فؤاد إبراهيم حجم الخدمات الهائلة التي قدمتها السعودية للأمريكان بموجب هذه الشراكة التي  أدخلت السعودية في نطاق مجال الأمن الحيوي الأميركي، وقد عبّر عنها ضابط الاستخبارات الأميركي السابق، بروس ريدل، لصحيفة  نيويورك تايمز في 21 آب 2013 بما نصّه: “المملكة السعودية حاربت مع أميركا ضدّ السوفيات وصدام، والخميني وابن لادن، وتقدّم دعماً مهمّاً لعملية السلام بين العرب وإسرائيل”. أمّا سفير السعودية في واشنطن ورئيس الاستخبارات العامّة ومستشار الأمن القومي سابقاً، بندر بن سلطان، فذكر، في تصريح لافت جدا إلى الصحافي والمؤلّف الأميركي إدوارد ج. آبستين في عام 1981 “لو علمتَ ما كنّا نعمل حقاً من أجل أميركا، فلن تمنحنا الأواكس فقط، بل سوف تعطينا أسلحة نووية”.

ومثلما فعلتها السعودية مع بريطانيا وأمريكا فهي تستعد لفعلها مع القطبين الصاعدين الجديدين روسيا والصين، ولكن من المبكّر الحديث عن انفكاك كامل للشراكة الاستراتيجية بين واشنطن والرياض قبل معرفة المنتصر والمنهزم في الحرب الدائرة في أوكرانيا بين أمريكا المدعومة أوربيا من جهة، وروسيا المدعومة صينيا من جهة أخرى.

لقد بدأت المملكة تفقد ثقتها تدريجييا بالإدارات الأمريكية المتعاقبة مع بداية القرن الواحد والعشرين، لكن لم يكن أمامها قوة صاعدة جديدة تتحالف معها كي ترد على الصفعات الأمريكية التي تلقتها من حليفها الأمريكي خلال العقدين الأخيرين.

أولى الصفعات الأمريكية  للمملكة كانت عام 2001  فبعد ضلوع 16 سعوديا من أصل 19 انتحاريا في هجمات 11 أيلول وصفها عدد من المسؤولين إلى جانب الإعلام الأمريكي بأنها “بؤرة شر” ، ولكي تنزع المملكة عنها تهمة الإرهاب أطلقت مبادرة الملك عبد الله للسلام مع إسرائيل في قمة بيروت عام 2002 كنوع من “التقدمة” للأمريكان مقابل تخفيف الحملة السياسية والإعلامية ضد المملكة “الإرهابية”!!

ونستنتج من ذلك أن المملكة لم ولن تقدم أي مبادرة لصالح القضية الفلسطينية، ومبادرة السلام لم تكن سوى “هدية” للإدارة الأمريكية كي تنزع عنها لقب “بؤرة شر”، وتفعيل هذه المبادرة في قمة جدة مجددا هي ترجمة لخيباتها من إدارتي ترامب وبايدم بالتخلي عنها في الحروب التي دعمتها في المنطقة ضد سورية واليمن وإيران!

الصفعة الأمريكية الثانية للسعودية كانت بإسقاط إدارة بوش الإبن للنظام العراقي برئاسة صدام حسين في نيسان 2003 الذي شن حربا ضد إيران ممولة بالكامل من الخليج، دون التنسيق مع السعودية،وتسليم العراق كما جاء على لسان سعود الفيصل، وزير الخارجية الأسبق، إلى إيران على “طبق من فضة”.

الصفعة الثالثة والتي أثارت غضب الملك السابق عبدالله كانت بتخلي إدارة باراك أوباما عن الرئيس المصري حسني مبارك بعد ثورة 25 يناير 2011.

الصفعة الرابعة والتي فاجأت الملك عبد الله كان تخلي أوباما عن تنفيذ قرار الحرب في سورية في أيلول 2013، فقد كانت السعودية تستعد لمرحلة مابعد “سقوط بشار الأسد” لتقوم بترتيبات نقل السلطة للمعارضة التي تديرها وترعاها!

الصفعة الخامسة كانت الاتفاق النووي مع إيران في عام 2015،واعتبرته السعودية خديعة لعدم إطلاعها عليه مسبقا.

الصفعة السادسة كانت الضربة العسكرية المحدودة على سورية في عهد دونالد ترامب في 14 نيسان 2018، فقد كانت السعودية تراهن على حليفها الديمقراطي لشن حرب شاملة تطيح بـ “النظام السوري”.

وكانت ردة فعل الملك سلمان على خيبته من ترامب سريعة، فبعد أن كان عنوان القمة العربية المنعقدة في 15/4/2018 (قمة الظهران.. سلام مع إسرائيل ومواجهة مع إيران) تغيرت إلى “قمة القدس” نكاية بالإدارة الأمريكية التي لم تُسقط “نظام الأسد”!!

الصفعة السابعة والتي أصابت السعودية في الصميم كانت الحرب على اليمن وخاصة أن قرار إعلانها جاء من واشنطن، إلّا أن السعودية كما يكشف إبراهيم “أصيبت بخيبة أمل كبيرة من حليفتها، بالنظر إلى أنها كانت تعوّل على مشاركة أميركية ميدانية لحسم الحرب، وتالياً تزويدها بصواريخ نوعية لمواجهة الصواريخ والمسيّرات اليمنية، وهو ما لم يحصل”!

الصفعة الثامنة كانت الحملة الإعلامية والسياسية الكونية على ولي العهد، محمد بن سلمان، على خلفية ضلوعه في مقتل الصحافي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول في تشرين الثاني 2018، وعزلة السعودية دولياً، ووصف الرئيس الأميركي، جو بايدن، ابن سلمان بـ “المنبوذ”، والذي جاء ليكمّل تصريحات الإذلال المطلَقة على لسان سلفه ترامب عن مصير العرش السعودي من دون الحماية الأميركية.

الصفعة التاسعة وكانت مفاجأة صاعقة وتركت أثرا عميقا لدى ولي العهد بن سلمان، كانت بعد القصف الصاروخي لمنشآت نفطية في بقيق وخريص في 16 أيلول 2019، والذي أشعر السعودية حينها بأن الولايات المتحدة حليف لا يمكن الركون إليه أبدا، ولعل التخطيط للتحول شرقا بدأ فعليا بعد الصفعة التاسعة وكانت المملكة تنتظر الفرصة المناسبة لفعلها.

الصفعة العاشرة كانت بفشل مخطّط أمريكا بتخريب إيران من الداخل بمشاركة سعودية فعالة في هذا المخطط سرا وعلنا.

ويمكن الجزم بأن الصفعة العاشرة كانت بمثابة البدء بالإستدارة السعودية باتجاه الشرق وبتبني “استراتيجية صفر مشاكل” مع دول الجوار، ويمكن الجزم أيضا أنه لولا الحرب في أوكرانيا لما تجرأت السعودية على تنفيذ خيارات مناوئة للأمريكان.

لقد اقتنص بن سلمان الفرصة المتاحة في المسرح الدولي، والتي لن تتاح له مجددا، فأمريكا غارقة بالحرب في أوكرانيا ، وسبق وأعلنت أنها غير معنية بحماية السعودية من أي اعتداء خارجي،وإسرائيل غارقة بانقسامات عمودية وأفقية عير قادرة على حماية نفسها فكيف ستحمي الآخرين.

ولعل بن سلمان تساءل مطولا في الأشهر الأخيرة: ماالمخرج الآمن من المآزق التي أوقعنا فيها الحليف الأمريكي؟

لقد توقع بن سلمان أن تكون السعودية ضحية أي ردّ فعل إيراني إزاء أي ضربة عسكرية أو إسرائيلية تستهدفها فاستنجد بالصين كي يوقع معها اتفاقا فاجأ الكثيرين، ليضمن تحييد السعودية وينأى بها من أي صواريخ إيرانية.

ووجد في خطته (رؤية 2030) لسعودية جديدة لاتعتمد على النفط فقط، المخرج للتصالح مع الدول التي ناصبتها السعودية العداء في السنوات الأخيرة (اليمن قطر، سورية، العراق، تركيا الأردن..الخ) فأطلق بن سلمان استراتيجية “صفر نزاعات” في المنطقة، وكانت قمة جدة الإخراج الناجح لهذه “التكويعة” أوالإستدارة باتجاه الشرق.

الخلاصة: يُخطئ كثيرا من يتوهم أن عودة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية، وعودة العلاقات السياسية والدبلوماسية مع دول الخليج سيأتي باستثمارات عربية هائلة أو سيكسر الحصار عن السوريين، فمن لم ولن يغيث مصر في أزمتها الاقتصادية والمالية وعجزها عن تسديد ديونها، لن يغيث سورية ويساهم جديا في أعادة إعمارها إلا إذا كان يخدم مصالحه الخاصة أولا!

والأهم إن قمة جدة التي بدت وكأنها إعلان لتصفير المشاكل في المنطقة ليست في الحقيقة سوى تكريس لبداية نهج سعودي جديد يتجه شرقا وتحديدا باتجاه القوتين الجديدتين في عالم الأقطاب الذي بدأ بالتشكل على وقع الحرب في سورية وسيترسخ بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا.

نعم، الهدف السعودي من قمة جدة، لم يتغير منذ عام 1915 وهو تأمين الحماية للسعودية من قبل القوى الدولية الصاعدة، وترجمته تحالفات مع روسيا والصين واتفاقات فض النزاعات مع إيران وسورية، وقريبا مع اليمن!

(سيرياهوم نيوز3-خاص)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

آن الآوان لتعديل قانون الانتخابات؟

  علي عبود للمرة الأولى يفعلها مجلس الشعب ويقترح فقدان عضوية ثلاثة فائزين بالدور التشريعي الرابع لفقدانهم أحد شروط العضوية في المجلس، وهو حملهم لجنسية ...