علي الرّاعي 2021/01/8
ماري، ووداد، وسلمى؛ هنّ: ماري عجمي (1888- 1969)، وداد سكاكيني (1913- 1991)، وسلمى الحفّار الكزبري (1923 – 2006)، وما يجمع بين النساء الثلاثة؛ أكثر من أنّ الهيئة العامة السورية للكتاب – وزارة الثقافة؛ أصدرت لكلّ منهنّ كتاباً بمساهمة مجموعة من الباحثين؛ يتحدثون من خلالها عن حياتهنّ الإنسانية بما فيها سيرة حياة شخصية وإبداعية.. فإضافة للكتب الثلاثة التي تتحدث عنهنّ؛ إنهنّ كُنّا السباقات في العمل الاجتماعي، والإنجاز الإبداعي فيما يُشبه المُغامرة في ذلك الزمان الذي كانت ترزحُ فيه سورية تحت نير أكثر من عدوانٍ غاصب بداية من الاحتلال العثماني، إلى الاحتلال الفرنسي، ثم إلى احتلال أصعب، وهو احتلال التخلف والجهل والعادات البالية الكثير من العقول.. ومن هنا استحقت كل واحدة منهنّ حيز الريادة في الإبداع النسوي والاجتماعي.. حيث لم يقتصر إنجاز كل من النساء الثلاث على الأدب وحسب، بل كان لكلٍّ منهن إبداعها الاجتماعي الموازي لإبداعها الأدبي، وإن خلدهنّ الأدب أكثر من إنجازتهنّ الأخرى على أهميتها في ذلك الزمان القصي من الربع الأول من القرن العشرين.. أضف إلى كل ما تقدم إن هؤلاء الأديبات لم يكتفين بنوعٍ إبداعيٍّ واحد، وإنما كُنّ من نموذج الأديب الشمولي ذي القلم المُتعدد النتاجات الإبداعية من كتابة المقال الثقافي والاجتماعي، وحتى إنجاز القصيدة والقصة والرواية..
ماري عجمي
فماري عجمي التي تحملُ في اسمها حضارة سورية الأولى، كما تحملُ في اسمها كلّ معاني الابتكار السوري العتيق والمُعاصر.. ماري التي قالت الشعر، وافتتحت نادياً جاء إليه كبار رجالات سورية في ذلك الحين كفارس الخوري وغيره؛ هي ماري بنت عبده بن يوسف عجمي، ولدت في دمشق سنة 1888م، لأسرة مُتغربة يونانية الأصل، وعُرف جدها بالعجمي لأنه رحل في تجاراته بالحلي إلى بلاد العجم (فارس)؛ فقيل له العجميّ.
نشأت في الحارة الجوانية من (باب توما) بدمشق، ذلك المكان الذي كان حينها قلب الشام، ومكان إقامة السفراء والقناصل والتجار.. أتقنت ماري اللغتين العربية والإنكليزية، واطلعت مبكراً على كتب التراث ودواوين كبار الشعراء.. وراسلت عدداً من الصحف كـ(المقتبس) الدمشقية، و(المهذّب) الزجلية اللبنانية، و(الإخاء) الحموية، و(الحقوق)، و(لسان الاتحاد)، و(الحسناء) اللبنانيات، وغيرها من الصحف، إلى أن أنشئت مجلة (العروس) في دمشق سنة 1910، والتي توقفت سنة 1914 بسبب قلة الورق خلال الحرب العالمية الأولى، ثم استأنفت إصدارها سنة 1918، إلى أن أوقفت بأمر من الفرنسيين سنة 1926 بسبب قيام الثورة السورية الكبرى ومقالاتها المناهضة لهم، بعدها شاركت كل من نازك العابد، وفطمة مردم، وسلوى الغزّي في تأسيس جمعية (يقظة المرأة الشامية)، وشاركت في تأسيس (النادي الأدبي النسائي) وجمعية (نور الفيحاء) وناديها، كما انتخبت عضواً في لجنة النقد في جمعية (الرابطة الأدبية) سنة 1921، وممن تعلم العربية على يديها؛ كانت سلمى الحفّار الكزبري.. وكانت قد عربت (المجدلية الحسناء)، و(أمجد الغايات) لـ(باسيل ماثيوس) عن الإنكليزية..
عُرفت ماري عجمي بجودة شعرها ونثرها، وقدرتها على نقد هذين الفنين، فقد امتاز شعرها بالرقة والعذوبة وحسن اختيار الكلمات، كما نوّعت في قوافيها مُتأثرةً بفنون الشعر العربية من تنويع في القوافي، كالموشّح والمُخمس، ونحوهما، وبما كان لدى شعراء المهجر وغيرهم من تنويع في القوافي، وأما شواغل شعرها؛ فكان يدور في فلك الشؤون الذاتية والقضايا الاجتماعية والإنسانية، والإشادة بسواعد بناة الوطن من عمال وفلاحين..
أنا الشّعرُ تبدو به لهفةٌ
فتُطربُ في الظلمة الداجيةْ
أغنّي لتُصغي وحوش الفلاة
وتأنسُ بالرقة الطاغيةْ
فإن كان ذنبي هذا الغناء
أُناشيدُ فيه المُنى الباقية
فحسبي من الفن ألا أكون
سوى النار والنسمة الحانية
وداد سكاكيني
فيما بدأت وداد سكاكيني رحلتها الأدبية سنة 1932، وهو ما اعتبره مُعدا الكتاب سناً مُبكرة للكاتبة، حيث كان كتابها (خطرات)، الذي من خلاله شقت طريقها إلى الأدب، وهذا الطريق امتدّ وتشعب إلى أنواع أدبية مُتعددة، وسكاكيني من مواليد صيدا اللبنانية سنة 1913؛ تنوعت أعمالها بين الكتابة الإبداعية، والدراسات الأدبية والنقدية والتاريخية، إلى جانب اهتمامها الكبير بأدب المرأة وتاريخها، حيث سلطت الضوء على أبرز المبدعات والشخصيات النسوية في الغرب والشرق.. وكان نتاجها مثار جدل، واهتمام، وبخاصةٍ في أدب المرأة وتاريخها، إذ استطاعت أن تُسلط الضوء على أبرز قضايا المرأة، فبدت شرسة حيث ظلت المرأة وقضاياها الهاجس المركزي لمجمل أسئلة السرد في نصوصها الروائية إضافةً إلى ما خصّت به المرأة من دراسات، ومع ذلك؛ فإنّ سكاكيني لا تكتسب أهميتها من ذلك الدور الريادي كصوت نسائي فاعل ومؤثر، بل لأنها كما وصفت كانت في “صدارة الصدارة من المشتغلات بالأدب في عصرنا الحديث”.
ففي القصة القصيرة؛ تُعد وداد سكاكيني رائدة في مجال القصة القصيرة النسوية، ولها فيها خمس مجموعات قصصية، حرصت فيها على الواقعية، والتغلغل في أعماق الشخصية، وبدت قدرتها على تقديم صوت المعاناة بصدق وعفوية، مما يُقرّب قصصها من فن السيرة الذاتية.. وكذلك هي من الرائدات في مجال الرواية النسوية، حيث كتبت روايتها الأولى (أروى بنت الخطوب) سنة 1949، وطبعتها في القاهرة، وفي هذه الرواية بدأت الكاتبة تتجاوز حرفية الواقع، وتتحرر من كثير من السردية الطويلة.. وكان لوداد سكاكيني دورها في النقد من خلال محاولاتها التنظير لقيم وتقاليد في النقد العربي الحديث، ولها في هذا المجال أكثر من كتاب.. وأما في الشعر، ورغم أنها لم تصدر مجموعة شعرية؛ غير أنها كانت تنشر القصائد في الكثير من الصحف والمجلات في عصرها..
سلمى الحفار الكزبري
فيما تتقاطع حياة وكتابات سلمى الحفّار الكزبري، بالكثير من تفاصيل الكاتبة السورية الأخرى اليوم كوليت خوري، لاسيما لجهة النوع الأدبي الذي هو الرواية، ولجهة الكتابة “المخملية” التي ميزت كتابة الأديبتين، ولجهة التأثر بـ(الراعي السياسي)، الأب عند الأولى والجد عند الثانية.. فكثيراً ما رددت الأولى – كما الثانية – إنها مدينة لوالدها في كلّ شيء، فإلى كونه سياسيّاً كبيراً، كان مُهتماً بالعلم والأدب، وهنا نذكر إنّ لطفي الحفار توفي عام 1968، وبموته تقول: “مات نصف سلمى”. وكما سابقتها – وداد سكاكيني- كذلك الكزبري بقيت تستظل في أعمالها بظلّ المدرسة الواقعية، مع ميلها في معالجة مضامين هذه الأعمال إلى إحكام العقل والمنطق، كما تبدو الواقعية التسجيلية مسيطرة فيها وخصوصاً في تلك التي تتسم بالسيرة والسير.. حيث كانت (يوميات هالة) باكورة محاولاتها السردية أو القصصية، ونجدها قد جمعت فيها بين مشاكل المرأة في المجتمع من خلال تجربتها الذاتية، وبين قضايا الوطن من خلال الحديث عن والدها رجل الوطنية والسياسة.. كما كانت أعمالها السردية؛ تغرف موضوعاتها من واقع الحياة، فلا تُحلّق في الخيال إلا بتوءدة، ولا تسمح لشعرية النثر أن تُغريها بتغييب المنطق أو تهييم العقل، وفي كل نص نثري مهما كان نوعه؛ كانت تتبنى وجهة نظر توضح رؤيتها للحياة وللواقع.. متخذةً من الأدب رسالة مسؤولة، من هنا نجدها حريصة في اختياراتها موضوعاتها على رصد الصور الإنسانية والوطنية والاجتماعية التي تحمل مسؤولية الرسالة الأدبية.
الكزبري المولودة في حي الشاغور الدمشقي سنة 1923، والتي تزوجت من محمد كرامي، شقيق عبد الحميد كرامي العائلة السياسية في لبنان، وبعد اغتياله تزوجت من السفير الدكتور نادر الكزبري..
(سيرياهوم نيوز-تشرين)