الرئيسية » تحت المجهر » ما فائدةُ القمّة العربية الإستثنائية حول غزّة إن لم تكُن قراراتها استثنائية؟

ما فائدةُ القمّة العربية الإستثنائية حول غزّة إن لم تكُن قراراتها استثنائية؟

 د. عبد الحميد فجر سلوم

منذ خمسٍ وسبعون عاما ونساء فلسطين يصرخنَ فوق جثامين أبنائهن الشهداء الذين طالتهم دوما يد الإجرام والغدر الصهيوني: أين أنتم يا عرب؟؟ أين أنتم ياعرب؟؟

أعلى هذه الصرخات، وأشدُّها، كانت في الأسابيع الأخيرة في غزّة حيث ترى الأم تصرخ فوق جثامين ثلاثة من أبنائها أو كافة أفراد عائلتها: أين أنتم ياعرب؟؟ أين أنتم يا مسلمون؟؟

نساء غزّة.. أطفال غزّة.. أهلُ غزّة.. كانوا يتوقعون أن يأتيهم الردُّ ولو من أعماق التاريخ وبصوتِ المُعتصم: أبشري يا أختاه.. أبشري يا أمّاه.. أبشري  يا ابنتاه.. فأنا ابنكم المعتصم.. ابن التاريخ العربي المجيد، ما زلتُ حيّا وسوف أعيد لكم مجدكم وأثأر لكرامتكم وأرفع هاماتكم عاليا فوق سماء كل فلسطين ليراها العالم بأسره.. ولكن وا أسفاه!!

 كانوا يتوقعون أن ينهض صلاح الدّين من قبرهِ ماشقا سيفهُ وممتطيا فرسَهُ لتُلاقي صرخاتهِ صرخات نساء غزّة: ابشُروا فصلاح الدين لم يمُتْ..

كانوا يتوقعون أن يسمع صرخاتهم أبن الوليد، فيُسرِع ناجِدا وهو يُردِّد: لبّيكم.. فلا نامت أعيُن الجبناء.. وهو يُردِّد: لبّيكم يا أهل غزة.. يا أهل فلسطين.. يا نساء غزة.. يا أطفال غزّة .. يا عجائز غزّة.. فكأنني أرى دموع نبيكم تُذرفُ عليكم.. دموع أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي، تُذرَف عليكم.. على أمّتهم.. ودموع المسيح ابن فلسطين تُذرَفَ على أبناء فلسطين.. بعد أن هدم البرابرة مساجدهم وكنائسهم.. وقتلوا مُحبِّيهم داخل دور العبادة.. فلا أقرّت عيوننا إن لم نكفكف دموعهم ونُثِبت لهم مجدّدا أننا رجالهم الذين صنعوا التاريخ وكتبوه بأنصع الصفحات.. ودماء أهل غزّة لن تذهب هدرا.. دموع نساء غزّة لن تُنسى.. وجاء وقتُ النِزال.. ونحنُ أهلُ النزال وتاريخنا يشهد بذلك..

للأسف لم يُسمَع شيءٌ من هذا..

للأسف ماتت النخوة العربية.. مات الشرفُ العربي.. ماتت الكرامة العربية.. ولم يبقى من العرب (عموما وليس تعميما) سوى أشباهُ رجال.. بل ولا من مليارَي مسلم.. ولم يبقى لأهل غزّة سوى الاستعانة بالله وحده..

لم يبق إلا الجعجعات الفارغة والمراجِل الجوفاء والعنتريات التي ما قتلتْ ذبابة..

**

 في 28 تشرين أول / أكتوبر 2023، طالبَ الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بِعقدِ مؤتمر قمة عربية استثنائية حول غزة.. وأنا لا أعرفُ حقيقةً ماذا يبغي الرئيس عباس من عقد هكذا مؤتمر..

تجاوبتْ السعودية حالا مع هذا الطلب.. وتمّ تحديد موعد المؤتمر في 11 تشرين ثاني / نوفمير 2023 في الرياض..

المُهم ليس انعقاد المؤتمر، وإنما ماذا سيصدرُ عن هكذا مؤتمر أكثر مما صدر حتى اليوم عمّا سبقهُ من مؤتمرات واجتماعات:

ففي يوم 11 تشرين أول / أكتوبر 2023 ، اجتمعَ مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية بشكل استثنائي، وصدر بيانا ختاميا دعا إلى: (الوقف الفوري للحرب الإسرائيلية على غزة والتصعيد في القطاع ومحيطه، وأدان قتل المدنيين من الجانبين، وأكد على ضرورة إطلاق سراح المدنيين وجميع الأسرى والمعتقلين) ..

تحفّظت على البيان سورية وتونس والجزائر، لأنه ساوى بين حق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف في تقرير مصيره لإقامة دولة مستقلة ذات سيادة على حدود 1967، مع ممارسات الكيان الصهيوني التي تنتهك مواثيق وقرارات الشرعية الدولية..

**

وفي 18 تشرين أول / أكتوبر انعقد اجتماع اللجنة التنفيذية لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي بشكل استثنائي، وصدر بيانا ختاميا دعا إلى : (الوقف الفوري للعدوان الهمجي لقوات الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والرفع الفوري للحصار المفروض على القطاع، وأدان ما يتعرض له المدنيون من عدوان غير مسبوق من القتل والقصف وتدمير البنى التحتية المتعمّد وتهديدٍ بارتكاب الفظائع والإبادة الجماعية بحقه)…

**

وفي 21 من الشهر ذاته انعقد في مصر، وبشكل سريع وغير مدروس، مؤتمرا تحت عنوان : قمة القاهرة للسلام.. وكان كلهُ خطابات جوفاء، وتباينا شاسعا بالمواقف بين الدول الغربية والعربية.. ولم يصدر عنه أي بيان ختامي..

**

وفي 27 من ذات الشهر تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا عربيا كانت قد قدّمتهُ المجموعة العربية، بأغلبية 140 صوتا، وذلك بعد الفشل الذريع لمجلس الأمن الدولي بالقيام بالدور المنوط بهِ بموجب الميثاق، بسبب الفيتو الأمريكي.. ودعا القرار إلى هدنة إنسانية فورية ومُستدامة في غزة..

**

كل هذه القرارات دعست عليها إسرائيل واستمرت في ارتكاب أبشع الجرائم في غزة.. بل بعد ساعات من قرار الجمعية العامة شنّت الطائرات الإسرائيلية أعنف هجوم، كتحدٍّ لهذا القرار وللدول التي صوّتت لصالحهِ..

بينما مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، جرّد الأمم المتحدة من أي شرعية، لأنها تبنّت هذا القرار..

ثم وقف نتنياهو ليقول بكل صلفٍ وغطرسةٍ أنه لن يوافق على وقف إطلاق النار..

إذاً السؤال: ماذا سيضيف مؤتمر القمة العربية الإستثنائية الموعود؟.

أعتقد سيرمي نتنياهو بقرارات هذا المؤتمر في الحاوية، كما رمى من قبلهِ شارون بقرارات القمة العربية في بيروت في آذار 2002 والتي تبنّت حينها ما يُعرف بِمبادرة السلام العربية..

**

إن كان العربُ جادُّون لمرّة في تاريخهم الحالي، ويرغبون في ردِّ الاعتبار لأنفسهم، فأعتقد هذه المرّة يجب أن يتّخذوا القرارات التالية:

1ــ قطعُ كل العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، بالنسبة للدول التي تقيم معها هذه العلاقات (وليس فقط سحبُ سفرائهم أو إبعاد سفرار إسرائيل من عواصمهم).. أي لا يكفي تخفيض مستوى التمثيل إلى مستوى قائمين بالأعمال بدل السفراء.. فهذا يعني أن العلاقات قائمة..

إرتقوا إلى مستوى “بوليفيا” على الأقل.. هذه الدولة اللّاتينية التي تبعد آلاف الكيلومترات عن فلسطين..

2ــ إلغاء إتفاقات التطبيع فورا الموصوفة بالاتفاقات الابراهيمية.. وهذه ستشكِّلُ ضربة كبيرة لنتنياهو الذي يفاخر أمام شعبه أنّ سياسة التشدُّد والتطرف التي انتهجها قد أثمرت ثمارها مع العرب وتهافتوا للتطبيع معه.(يعني بعقيدتهِ أن العصا وحدها تنفع مع العرب، وهذه إهانة للعرب).. وشعورهِ بنجاحهِ هذا، قاد المجتمع الإسرائيلي كله للتطرف الديني الشديد فأنتج الأشدّ تطرفا دينيا وعنصرية كما: ابن غفير وسموتريتش ..

كان العرب يطرحون الأرض مقابل السلام.. فأجابهم نتنياهو، كلّا السلام مقابل السلام فقط.. فلا تتحدثوا بالأرض.. اليوم وفي ظل هذا التطرُّف الصهيوني الفظيع أصبح شعارهم: الإستسلام أو الإبادة.. تستسلموا لنا أو نُبيدَكم..

ما مصلحة دول عربية تبعد ألف، أو آلاف الكيلومترات عن إسرائيل بالتطبيع معها قبل أن تستَجِب إسرائيل لقرارات الشرعية الدولية وتنسحب من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية والجولان السوري، وتسمح للشعب الفلسطيني بتأسيس دولته المستقلة كاملة السيادة؟.. ما هي المصلحة؟.

قالوا أن هذا التطبيع سوف يُسرِّعُ بحل الدولتين، وأن التطبيع مع إسرائيل سوف يُطمئنها وتتوقف عن توسيع المستوطنات ومصادرة الأراضي وهدم البيوت.. الخ.. ولكن ما حصل هو العكس تماما.. إذاً أهداف التطبيع من طرف بعض العرب سقطت، فلماذا الاستمرار به؟.

3ــ إغلاق الأجواء العربية الخليجية وكل الأجواء العربية الأخرى أمام حركة الطيران المدني الاسرائيلي..

4ــ إلغاء كل ما حصل من تفاهمات ومبادرات واتفاقات بعد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 والعودة للمطالبة بتنفيذ القرار 242 لعام 1967 بلا أي مواربة أو نقصان، والتمسك كاملا بتنفيذ هذا القرار..

5ــ وقفُ كل أشكال المشاريع التي تهدفُ إلى إدماج إسرائيل في المنطقة، كما مشروع الممر الإقتصادي من الهند وعبر دول الخليج والأردن إلى إسرائيل..

6ــ تخفيض نسبة تصدير الغاز والنفط إلى دول الغرب بمقدار النصف، وخلقُ أزمة طاقة في بُلدانهم.. بعد أن ظهر منهم كل هذا الحقد على الإنسان الفلسطيني والعربي..

7ــ إلغاء كل العقود الموقعة مع أي دولة غربية، أو مع إسرائيل، لاستيراد أسلحة..

8ــ مقاطعة كافة المنتجات الغربية، أوروبية وأمريكية.. من الجِبنَة وحتى السيارات ..

9ــ تقليل الإعتماد على الشركات الغربية لأقصى درجة، واستبدالها بشركات صينية وروسية ويابانية وكورية جنوبية وماليزية .. وغيرها..

10ــ تقليص الاعتماد على الدعم العسكري الأمريكي، وتقليص دور قواعدها العسكرية في بعض البُلدان العربية.. لا سيما في قطَر، والبحرين، والكويت، والأردن.. الخ..

11 ــ رفضُ دعوة إسرائيل لحضور أي اجتماع دولي أو فعالية دولية تنعقد في أي دولة عربية.. كما كنا نرى في السعودية والبحرين.. وعدم دعوة إسرائيل لحضور المؤتمر المتعلق بالمناخ (كوب28) في أبو ظبي في 12 من شهر كانون أول / ديسمبر 2023 ..

لن تنتزعوا من إسرائيل شبرا واحدا باتّباع ذات السياسات.. عليكم أن   تلجأوا لتطبيق السياسات المُبيّنة أعلاه.. وخاصّة بعد أن تأكد لكم وللعالم أن الولايات المتحدة هي المسؤول الأول عن شلّال الدم في غزة.. فوزير خارجيتها بكل وقاحة يردد حيثما حلّ أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، ولا نقبل بوقف إطلاق النار لأن هذا سيسمح لحماس بإعادة تجميع نفسها.. لا يعنيه شيئا كل هذا الدّم الفلسطيني والعربي.. لماذا؟. لأنه وجدكم عبر تاريخ هذه القضية غير مبالين وغير مكترثين باتّخاذ قرارات ومواقف حاسمة تقوم على قاعدة: عليكم إما أن تفعلوا كذا.. أو سنفعل كذا..

لا يوجدُ قانون في العالم يشرعِن للمعتدي والمحتل الدفاع عن النفس.. تحتلْ بيتي وتطردني منه وإن طالبتُك بإخلائهِ تقتلني وتقول أنك تدافع عن نفسك!!.

**

ياعرب:

كفانا بكاءً كما أولاد الأرامل الصِغار، والسؤال دوما: أين هو المجتمع الدولي؟. أين هو المجتمع الدولي؟.

المجتمع الدولي بخصوص القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، هو بكل وضوح البيت الأبيض والكابيتول هيل.. أي واشنطن.. فهي من تحتكر كل ما يتعلق بهذه القضية وهذا الصراع.. ولذلك إن ارتقى العرب بقراراتهم هذه المرة إلى مستوى المسؤولية التاريخية وطبّقوا البنود المطروحة أعلاه، أو نصفها، فحينها سوف يلوون ذراع أمريكا، ويصبحون هُم المجتمع الدولي..

فهل أنتم فاعلون؟. أم ستبقون تبكون وتنوحون وتسألون: أين هو المجتمع الدولي؟. أين هو المجتمع الدولي؟.

أين هو أنتُم أوّلا؟.

إن كان مؤتمر القمة الاستثنائية القادمة كما كل المؤاتمرات السابقة، فلا حاجة له ولا يساوي ثمن القهوة المُرّة التي ستُقدّم به..

الشعوب العربية غاضبة ومحتقنة حتى النهاية.. فكونوا ولو مرّة واحدة عند مستوى طموحات هذه الشعوب..

**

ثم ماذا يمنع من أن تكون هناك أربع فضائيات ضخمة تتبع مباشرة الجامعة العربية، وترسم سياساتها الجامعة العربية، وتبثُّ على مدار الساعة باللغات: الإنكليزية، والأسبانية، والفرنسية، والألمانية.. وتكون مهمتها الأساسية التعريف بقضية فلسطين.. وبتاريخ العرب، وقيم العرب، وعادات وتقاليد العرب.. وثقافة العرب، وحضارة العرب.. ومقررات القمم العربية..وفضح أفعال إسرائيل وجرائم إسرائيل والتطرُّف بإسرائيل؟.  ماذا يمنع؟. أليس لدى العرب إمكانات؟.

الحرب الإعلامية في هذا الزمن توازي الحرب العسكرية.. وها نحن نرى كيف أن إسرائيل والإعلام الصهيوني المُدافع عنها يُشوِّه كل الحقائق حول ما يجري في غزّة.. وكيف يتلاعبون بالمفردات والكلمات والوقائع، للتأثير على الرأي العام العالمي..

معقول على امتداد الساحة العربية لا توجد سوى فضائية عربية واحدة تبثُّ باللغة الإنكليزية؟؟.

ثم لماذا إعطاء هذا الفضاء الإعلامي لمسؤولين ومُحلّلين صهاينة في بعض الفضائيات العربية (كما الجزيرة والعربية والحدَث)والسماح لهم بتشويه الحقائق والكذب على الرأي العام العربي والدولي، واستنفزاز العرب؟. هل مُهمّتكم توفير منابر إعلامية لهم؟.

أتمنى على القمة العربية الاستثنائية اتخاذ قرار بإنشاء الفضائيات التي اقترحتها آنفا..وأن ينشط العرب لِكسبِ اليهود غير الصهاينة، كأولئك الذين خرجوا في نيويورك وواشنطن يطالبون بوقف الحرب ويرفعون شعار “الحرية لفلسطين” .. فهؤلاء اليهود يؤثِّرون جدا بالرأي العام الأمريكي والغربي، كونهم يهودا وأبناء تلك المجتمعات، والغرب يصغي إليهم..

وإن كانت إمكانات العرب المالية لا تسمح، فإن أهل غزّة سيتبرّعون لكم، وسيساعدونكم في ذلك..

.. يا سخرية الزمن!!!

 

 

سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

حلفاء كييف يستعدون للأسوأ: «التنازل» عن الأراضي حتمي؟

ريم هاني       لم يعلن أي من الرئيسين، الأميركي المنتخب دونالد ترامب، أو الروسي فلاديمير بوتين، عن شروطهما التفصيلية لإنهاء الحرب في أوكرانيا ...