| علي حيدر
أحدثت رسائل حزب الله شرخاً في التقدير والموقف لدى قيادة العدو وجيشه حول كيفية التعامل معها، في ضوء المخاطر الكامنة في كل من الخيارات الماثلة أمامهم. وفرضت مواقف السيد حسن نصر الله نفسها على المشهد في كيان الاحتلال، وخصوصاً إعلانه الأخير، السبت الماضي، عن رسالة بعثت بها المقاومة الى العدوّ تحذّر من بدء الاستخراج من حقل «كاريش» قبل الاتفاق مع لبنان. فيما استكمل الفريق التقني اللبناني الدراسة الأولية حول واقع الخطوط الحدودية، على ضوء مقترحات عاموس هوكشتين الأخيرة، مع تقديرات تشير الى احتمال الوصول الى حل لـ«المنطقة الأمنية» بما يرضي الجانبين
شكّلت الرسالة التي أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أن المقاومة وجّهتها إلى العدو والأميركيين، بعيداً من الإعلام، ومفادها أنه «سيكون هناك مشكل في حال بدء الاستخراج من حقل كاريش قبل الاتفاق مع لبنان»، إطاراً كاشفاً لخلفية البيان التوضيحي الذي أصدرته وزارة الطاقة الإسرائيلية وأكدت فيه أن ما ستقوم به في الأيام المقبلة ليس سوى إجراء اختباري لنظام الضخ. ومنعاً لأيّ التباس، سمحت الأجهزة الأمنية لوسائل الإعلام بالكشف عن أن الجيش هو الذي طلب من وزارة الطاقة إصدار البيان وأنه هو من أملى صياغته أيضاً. في غضون ذلك، أملت وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الهرار، أمس، « بصدق أن نتمكن من التوصل إلى اتفاق. لدينا التزامات تجاه السوق المحلي والدولي، لذلك يجب أن يتدفق الغاز في أقرب وقت ممكن».
وكشفت القناة 13 العبرية عن خلافات داخل المنظومتين القيادية والأمنية، بين مؤيد ومعارض لإصدار البيان التوضيحي. وبلغ الخلاف حدّ رفعه إلى رئيس مجلس الأمن القومي إيال حولاتا الذي حسم الموقف لمصلحة إصدار البيان. فيما لم يجر تناول طبيعة الرسالة التي بعث بها حزب الله.
ويبدو أن معارضي الرد على رسالة نصر الله، بإصدار بيان توضيحي، ينطلقون من تقدير أن هذه الخطوة ستُقدِّم إسرائيل كمن يخشى المواجهة العسكرية مع حزب الله، وتؤشر الى تسليم عملي بالمعادلة التي أرساها الحزب. كما ستؤدي الى تعزيز موقف لبنان الذي سيلمس مسؤولوه بشكل لا لبس فيه حجم حضور المقاومة وفعاليتها، ما يؤثّر سلباً على الموقف التفاوضي الإسرائيلي.
على أن مؤيدي إصدار البيان التوضيحي لا يمكنهم إنكار هذه الدلالات. لكنهم تصرّفوا بواقعية وتعاملوا وفق مبدأ الخشية من أن يدفع الامتناع عن التوضيح حزب الله الى خطوات تؤدي الى تطورات دراماتيكية، وتضع إسرائيل أمام اختبار ميداني مفصلي، وهو ما تسعى حتى الآن الى تجنّبه. ويعكس موقف هؤلاء أيضاً حقيقة أنهم يأخذون تهديدات حزب الله بكامل الجدية، ويحرصون على ضرورة إفساح المجال للمفاوضات من أجل بلورة اتفاق يحول دون المواجهة. أضف الى ذلك أن هذا الموقف يتلاءم مع التوجه الأميركي الذي عبَّر عنه الرئيس الأميركي جو بايدن في اتصاله الأخير برئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، وأكد فيه ضرورة التوصل الى اتفاق مع لبنان خلال الأسابيع المقبلة.
نصرالله أهم تهديد لإسرائيل
نقلت القناة 12 العبرية، أمس، عن قائد شعبة العمليات السابق في أركان جيش العدو اللواء إسرائيل زيف أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله «يشكل بالنسبة للجيش والمؤسسة الأمنية، أهم تهديد منذ انهيار الجيوش النظامية في محيطنا»، داعياً إلى «مراقبة شخصيته وطريقة تفكيره. وهذا دائماً ما كان على رأس جدول أعمال ضباط كبار، وبالتأكيد بالنسبة لي شخصياً».
مع ذلك، فإن الخلاف داخل المنظومة المهنية – الاستخبارية يعكس أيضاً عمق هذا الخلاف وعدم استعداد أيّ من الطرفين للتنازل عن موقفه. وهو أمر مفهوم وغير مفاجئ في ضوء المعادلة الحادّة التي فرضها حزب الله: إما استخراج لبنان وكيان العدو للغاز، أو لا استخراج للطرفين مهما كانت الأثمان والتداعيات، وخصوصاً أن قيادة العدو وجدت نفسها أمام خيارين (الاتفاق أو فشل المفاوضات)، ستكون لهما تداعياتهما التي تتعلّق بموقع المقاومة في معادلة الردع، وبصورتها كضرورة وطنية لانتزاع ثروات لبنان وحمايتها، وهو ما يتعارض مع الجهود التي تبذلها واشنطن وتل أبيب بهدف إظهارها كعبء على لبنان والمنطقة.
ما ينبغي توضيحه أيضاً أن رئيس مجلس الأمن القومي لا يملك صلاحيات إصدار قرارات الى الجيش ووزارة الطاقة، بل يقوم بدور مستشار الأمن القومي لرئيس الحكومة. ولذلك يبدو واضحاً أن الأخير حسم موقفه بالاستناد الى رأي مستشاره – وإن لم يرد اسمه حتى الآن في التقارير الإسرائيلية – لمصلحة ضرورة عدم المغامرة باستفزاز حزب الله.
بالعودة الى بيان وزارة الطاقة، فقد أظهرت وسائل الإعلام الإسرائيلية بشكل صريح أن البيان موجّه الى حزب الله، فصحيفة «إسرائيل اليوم»، مثلاً، وضعت نصّ البيان تحت عنوان بارز «إشارة الى حزب الله». وقد كان لافتاً الشرح المهني التفصيلي الذي تضمّنه البيان لعملية الاختبار التي سيتم تنفيذها في اليومين المقبلين. كما عكس نصّ البيان، بشكل صريح، حرص الأجهزة الأمنية (التي أملت نصه) على أن توضح لحزب الله بالتفصيل ماذا سيجري، بهدف التأكيد على أن الأمر ليس استخراجاً للغاز من حقل «كاريش»، وإنما تجربة تدفق الغاز في الاتجاه المعاكس، من الشاطئ إلى الحفارة، لاختبار منظومة الأنابيب. والهدف من ذلك أن لا يعتبر حزب الله العملية خرقاً للمعادلة التي أرساها، وهو ما أكدته القناة 13 بالإشارة إلى أن الهدف من البيان تفادي رفع مستوى التوتر القائم.
على خط مواز، وفي وقت أعلن فيه السيد نصر الله أن الهدف من المعادلة التي أرساها هو استخراج الغاز وليس الدفع نحو مواجهة عسكرية «إلا إذا فُرضت علينا»، في إشارة الى أن رفض تلبية المطالب التي قدّمتها الدولة اللبنانية سيؤدي الى هذا السيناريو، تحرك رئيس أركان جيش العدو أفيف كوخافي على خط المساعي الإسرائيلية الرسمية أيضاً. فأعلنت القناة 13 في التلفزيون الإسرائيلي أنه سيلتقي نظيره الفرنسي ومستشار الأمن القومي بهدف محاولة «التأثير على حكومة لبنان من أجل التوصل الى اتفاق سريع على تقاسم المياه الإقليمية ومنع التصعيد مقابل حزب الله». ويعكس أداء الطرفين، الإسرائيلي والمقاومة، دقة المعادلة القائمة وأنه لا يزال إفساح المجال لاستنفاد المفاوضات هو الحاكم حتى الآن ما دام العدو لم يخرق معادلة حزب الله، على أمل عدم التدحرج نحو مزيد من الخطوات العملياتية التي لمّح إليها السيد نصر الله في سياق هادئ.
وزيرة الطاقة الإسرائيلية: نأمل بصدق بالتوصل إلى اتفاق لأن لدينا التزامات تجاه السوق المحلي والدولي
في ضوء ما تقدم، يبدو أن من أهم ما تعكسه محطة اختبار الأنابيب أنها دفعت حزب الله الى توجيه رسائل جدية جداً وحاسمة، كما يُستشفّ من كلام السيد نصر الله وردة فعل العدو. ويؤشر حدوث الشرخ في منظومات التقدير والقرار في كيان العدو عن عمق تأثيرها ومفاعيلها القاسية على منظومة صناعة القرار. والأهم أنه لو لم يكن أداء العدو عقلانياً، لكان المشهد الميداني والسياسي مختلفاً بشكل جذري عما هو الآن (كنا أمام مشكل بحسب السيد نصر الله). وإذا كان كل ذلك، والأمر يدور حول محطة اختبار الأنابيب، فكيف ستكون السيناريوات لو لم يتم الخضوع لمطالب لبنان، وحاول العدو استخراج الغاز من حقل «كاريش»؟
هكذا يصح التقدير أن حزب الله استطاع أن يمنح معادلته شحنة إضافية ويبدّد أيّ أوهام يمكن أن تراود بعض الداخل والخارج حول ما ستؤول إليه التطورات في توظيف محطة اختبار نظام ضخ الأنابيب ومنحه أبعاداً أكثر مما تحتمل. وأحبط بذلك أي محاولة لتحويل محطة الاختبار للتشكيك في جدية المقاومة. والأهم أنه قطع الطريق على أيّ فهم خاطئ لجهات التقدير والقرار في كيان العدو، يمكن أن يؤدي البناء عليه الى التورط في خيارات لا تريدها حتى الآن ابتداءً. في المقابل، أظهرت مواقف السيد نصر الله ورسائله، مرة أخرى، حجم تصميم حزب الله على انتزاع لبنان مطالبه المحقة، مهما كانت التداعيات. وإلى ذلك الحين، يشكل منح المفاوضات فرصة لاستنفاد خياراتها مشروعية إضافية أيضاً لأيّ خيارات بديلة سيلجأ إليها حزب الله لاحقاً. لكن المؤشرات حتى الآن لا تزال تؤكد وجود أرضية فعلية للتوصل الى اتفاق يلبّي مطالب الدولة اللبنانية.
لبنان يرسم الإطار التقني: منع العدو من استثمار المنطقة الأمنية
تحت عنوان «جعل الاتفاق البحري أكثر ملاءمة للبنان» أنجز «الفريق التقني» في اجتماعات اللجنة المخصصة لدرس اقتراح الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين تصوره للخط الجديد المقترح أميركياً. وعلمت «الأخبار» أن الفريق أجرى «تحسينات» على هندسة الخط بالنسبة إلى نقطة البداية والنهاية، ووضع ما لديه في عهدة الجهات السياسية للبت في التعديلات وإبلاغها للوسيط.
وقد تبين أن الإحداثيات التي قدمها العدو الإسرائيلي عبر هوكشتين لما سماه «خط الطفافات»، جاءت مطابقة للإحداثيات التي أودعها لدى الأمم المتحدة عام 2011 حيال الخط المزعوم رقم 1. وهي تتضمن نقاطاً عدة تثير خشية لبنان، منها تأثير نقطة بداية أي خط على الحدود البرية ونقطتي B1 ورأس الناقورة وموقع نفق سكة الحديد، وتأثير نقطة نهايته على البلوكات الغازية.
وعلمت «الأخبار» أن الفريق العسكري الذي تولى درس الاقتراح أوصى بأن يبدأ الخط الجديد من نقطة رأس الناقورة، وألا يتجاوز البلوك رقم 10 فتكون حدوده بداية حدود البلوك، وهذا ينسجم مع ما سبق لنائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب أن أعلنه حيال ضمان ألا يتنازل لبنان عن أي جزء من بلوكاته. كما يعني تقلص «المنطقة العازلة» التي يطالب العدو بضمانها إلى أقل من 3 كلم مربعة. عليه لا يزال النقاش عند نقطة انطلاق الخط. وفي حين بات المعنيون بصدد القبول بالمنطقة «معدلة»، انحصر النقاش في ماهيتها. إذ يفضل التقنيون أن تشتمل على المياه من دون بلوغ البلوكات، أي في المنطقة الفارغة ما بين اليابسة والبلوك 10، وضرورة انطلاق أي خط من رأس الناقورة لضمان النقاط البرية. في المقابل تجرى مشاورات حول مدى إمكان الانطلاق من النقطة التي قدمها هوكشتين (أي النقطة 31 في البحر الخاصة بالخط 1) مقابل الحصول على ضمانات تحفظ النقاط البرية اللبنانية من جهة، ولا تجعل «المنطقة العازلة» تحت «السيادة الإسرائيلية» إنما تحت إشراف اليونيفيل.