آخر الأخبار
الرئيسية » حول العالم » محاولات لخرق «السدّ الجمهوري»: ماكرون يحارب اليسار

محاولات لخرق «السدّ الجمهوري»: ماكرون يحارب اليسار

سعيد محمد

 

لندن | أنتجت الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية برلماناً معلّقاً من ثلاث كُتل، أكبرها كتلة “الجبهة الشعبية الجديدة”، مظلّة تحالف اليسار ويسار الوسط، والتي حصلت على 188 مقعداً من أصل 577 (مجموع مقاعد الجمعية الوطنية)، في مقابل 161 مقعداً لكتلة “معاً” (وسط) المتحالفة مع الرئيس إيمانويل ماكرون، و142 مقعداً لـ”التجمع الوطني” (أقصى اليمين)، فيما توزعت بقيّة المقاعد بين “الجمهوريين” (يمين الوسط)، والنواب المستقلّين، ما يعني أنه لن يكون ممكناً لأيٍّ من الكتل الانفراد بتشكيل الحكومة.ويمنح الدستور الفرنسي، رئيس الجمهورية سلطة اختيار رئيس الوزراء، لكنه لا يشير إلى طريقة محدّدة أو جدول زمني لذلك – فيما التقليد السائد أن يُطلب من رئيس الحزب الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد النيابية تشكيل الحكومة -، الأمر الذي سمح لماكرون بالمماطلة في منح التفويض لـ”الجبهة الشعبية”، واستخدام صلاحياته لتمديد عمر الحكومة الحالية، وتثبيت رئيس الوزراء، غابرييل آتال، في منصبه، فيما تستمرّ المشاورات بين مختلف القوى السياسية “لضمان استقرار البلاد”. ودعا الرئيس الفرنسي، في رسالة مفتوحة إلى مواطني بلاده، الأحد، إلى “ميثاق حكم” عريض لتجاوز حالة الانقسام في البرلمان، بعدما “لم يفز أحد” بالتصويت، حاثّاً القوى السياسية على “الانخراط في حوار صادق ومخلص لبناء أغلبية صلبة، وتعددية، من أجل مصلحة البلاد”، متجنّباً على ما يبدو استخدام تعبير “ائتلاف”. وفي رسالته، قال ماكرون إنه يجب “استبعاد كلّ من اليمين المتطرّف واليسار المتطرّف من السلطة”، وطلب من الأحزاب الأخرى وضع بعض “المبادئ الرئيسيّة”، القائمة على “قيم جمهورية واضحة ومشتركة”، للتوصّل إلى “مشروع براغماتي” لمعالجة أولويات الناخبين.

ويقول خبراء إن رسالة ماكرون هذه تشير إلى أنه يريد بأيّ ثمن تجنب سيناريو حكومة “تعايش” يضطر فيها إلى تقاسم السلطة مع اليسار – الذي لديه برنامج انتخابي يثير قلق مصالح المال والأعمال التي يمثّلها ماكرون -. وهي لذلك أثارت غضب “الجبهة الشعبية الجديدة”، التي اتّهمت على لسان زعيم حزب “فرنسا الأبية”، جان لوك ميلانشون، الرئيس، بالمماطلة وتضييع الوقت كطريقة للاحتفاظ بالسلطة منفرداً لأطول فترة ممكنة، واصفة تمنُّع ماكرون عن دعوة “الجبهة” إلى تشكيل الحكومة بـ”العودة إلى أيام الفيتو الملكي على الاقتراع العام”.

وبالنسبة إلى الخيارات التي تمتلكها “الجبهة الشعبية”، فمن الجليّ أنها، وكتحالف لأربع قوى (الاشتراكيون، والخضر، والشيوعيون، وفرنسا الأبية) تتباعد مواقفها من قضية إلى أخرى، وليست متماسكة بما يكفي لعبور المأزق البرلماني، وفرض إيقاعها على النخبة عبر الضغط الشعبي في الشارع. ولذلك، فإن فرصتها الوحيدة للوصول إلى السلطة تمرّ قسراً بباب ماكرون الذي سيلجأ حتماً إلى محاولة كسرها عبر استدعاء “الاشتراكيين” أو “الخضر” – أو كليهما – إلى تحالف عريض يضمّهما إلى جانب تحالف الوسط و”الجمهوريين” وبعض المستقلّين في كتلة لبناء الأغلبية المطلوبة (289 مقعداً)، ومن ثمّ تمرير السنوات الثلاث المتبقّية من عمر ولاية ماكرون الثانية بشكل مسيطر عليه يرضي بروكسل، ولا يزعج رأس المال الفرنسي.

يريد ماكرون بأيّ ثمن تجنّب سيناريو حكومة «تعايش» يضطرّ فيها إلى تقاسم السلطة مع اليسار

 

وبدأت القوى الوسطية بالعمل فعلاً على هذا الأساس؛ فشنّت الصحف حملة تخويف من مستقبل الاقتصاد الفرنسي فيما لو تولّى اليسار السلطة، فيما ناشد وزير الخارجية، ورئيس حزب “النهضة” الوسطي الموالي للرئيس، ستيفان سيجورني، “اليسار المعتدل” والمستقلّين و”الجمهوريين” للجلوس مع حزبه إلى طاولة المفاوضات. وكتب في “لو موند”: “هناك طريق آخر ممكن، طريق يمكّننا، من خلال الحوار والتسوية، من إنشاء حكومة وخريطة طريق لفرنسا”. وعلم أيضاً أن جوليان دينورماندي، وزير الزراعة السابق وحليف ماكرون، تواصل مع شخصيات من تحالف اليسار لمحاولة إغوائهم للتخلّي عن تحالف “الجبهة الشعبية” بغرض تشكيل ائتلاف لتولّي السلطة تحت رئاسته. كما ثمّة محاولات جادّة لاستقطاب “الجمهوريين” إلى التكتّل الوسطي العريض، علماً أن تلك ليست مهمّة سهلة بالنظر إلى انقسام الجمهوريين أنفسهم بين معسكرَين، أحدهما يريد الوفاء لتموضعه اليميني والدخول في تفاهم ما مع “التجمع الوطني”، فيما لا يرى الآخر بديلاً من العمل مع ماكرون لضمان بقاء الحزب في الحياة السياسية. على أن تحالف “معاً” الذي يضمّ أحزاب “النهضة”، و”مودم” بزعامة فرانسوا بايرو، و”آفاق” بقيادة رئيس الوزراء السابق إدوارد فيليب، يعاني بدوره من تصدّعات، وبعض نوابه غاضبون من ماكرون، ولا يريدون تسليمه أوراق قوة، فضلاً عن أن بعض الشخصيات البارزة لديها طموحات رئاسية، بمن فيهم آتال.

على أن هذا التشرذم الذي يسود الموقف في كل المعسكرات خارج أقصى اليمين: أي اليسار والوسط ويمين الوسط، من شأنه أن يقوّي في المحصّلة موقف ماكرون الذي يطمح الآن، بعد مقامرته بحلّ البرلمان والدعوة إلى انتخابات عامة مبكرة، إلى التحوّل من رجل فرنسا المريض، إلى ملك متوّج يجمع سلطات الرئيس بسلطة مطلقة فوق حكومة الحلّ الوحيد الممكن: وسط عريض ممتدّ من يمين الوسط إلى يساره يستبعد منها كل المتطرّفين، يمينيّين كانوا أو يساريين، أي “التجمع الوطني” و”فرنسا الأبية”. ولا يبدو الرئيس في عجلة من أمره لتستوعب جميع القوى هذه الحقيقة، وهو مستعدّ وفق ما نبّه إليه ناطق باسم “الإليزيه” لإعطاء المفاوضات وقتها، أي ترك فرنسا فريسة لأسابيع أو حتى أشهر من الفراغ السياسي إلى حين نضوج الظروف الموضوعية لتكوين حكومة ماكرون، بغضّ النظر عن شخص رئيس الوزراء.

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بوتين: واشنطن تدفع نحو صراع عالمي.. ونجحنا في اختبار صاروخ “أوريشنيك”

  الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يقول إن الولايات المتحدة تدفع العالم نحو صراع عالمي، ويؤكد أن تدمير مصنع الصواريخ الأوكراني تم بصاروخ باليستي روسي فرط ...