| د. بسام الخالد
لم يعد ينقص المجتمعات العربية إلا “المخدرات الرقمية” بعد كل ما يجري فيها من حروب ودمار وقتل وموت مجاني وتشريد وتهجير وفقر ومجاعات واستهداف أجنبي .. و.. مؤامرات!
منذ فترة تناقلت وسائل الإعلام أخباراً مقلقة عن نوع جديد من المخدرات ينتشر في أوساط الشباب أطلق عليه اسم المخدرات الرقمية أو ما يعرف عالمياً بـ “Digital Drugs” ..
هذه المخدرات يمكن الحصول عليها بسهولة من مواقع خاصة عبر “الإنترنت” وتحميلها على أي جهاز “موبايل” أو حاسب شخصي والاستماع إليها ليحدث التفاعل المطلوب، فهي عبارة عن مقاطع “نغمات” يتم سماعها عبر سماعات بكل من الأذنين، بحيث يتم بث ترددات معينة في الأذن اليمنى، على سبيل المثال، وترددات أقل إلى الأذن اليسرى، وبحسب المصادر فإن هذه التقنية قديمة تسمى “النقر بالأذنين”، اكتشفها العالم الألماني الفيزيائي “هينريش دوف” منذ عام 1839، واستخدمت لأول مرة عام 1970 لعلاج بعض الحالات النفسية، لشريحة من المصابين بالاكتئاب الخفيف في حالة المرضى الذين يرفضون العلاج السلوكي من خلال الأدوية، ولهذا تم العلاج عن طريق تذبذبات كهرومغناطيسية، لفرز مواد منشطة للمزاج، وقد توقف العلاج بهذه الطريقة آنذاك نظرًا لتكلفتها العالية.
يبدو أن هذه الطريقة قد اعاد اكتشافها المروجون اليوم، ولم يعد استهلاك المخدرات مقصوراً على ما كان يجرى سابقاً عبر تدخينها أو شمّها أو مضغها أو حقنها في الوريد، وإنما تطور الفكر الإنساني الخبيث ليحول نظم التعاطي إلى تعاطٍ إلكتروني أو تعاطٍ رقمي يُحدث التأثير نفسه الذي تحدثه المخدرات الطبيعية أو الكيميائية الأخرى، حيث كل نوع من المخدرات الرقمية يمكنه أن يستهدف نمطاً معيناً من النشاط الدماغي، فمثلاً عند سماع ترددات الكوكائين لدقائق محسوبة، فإن ذلك سيدفع لتحفيز الدماغ بصورة تشابه الصورة التي يتم تحفيزه فيها بعد تعاطي هذا المخدر بصورة واقعية، وهنا يتم التحكم في الحالة النفسية للمستمع من خلال هذه الترددات، وقد أطلق مروجو هذا النوع من المخدرات عليها أسماء مثل: “عيش الجو”، “حلق في السماء”، “المتعة في الموسيقى” و “الطيور المهاجرة”، وهي لا تحتاج سوى لجهاز “كمبيوتر” أو هاتف ذكي، والانزواء في غرفة خاصة وإقفال الأبواب والنوافذ والتمدد على السرير وعصب العينين، والانطلاق بعد ذلك، في رحلة الضياع..!
إنها حرب “الجيل الرابع” من الحرب الكونية التقنية التي استغلتها منظمات متخصصة لتدمير الشعوب الأخرى، بعد ثقتها باحترافية التطور المعرفي التقني، التي يمتلكها الجيل الحالي، لهذا يجب أن نقرع جرس الإنذار ونناشد جميع الأسر والمؤسسات التربوية والإعلامية والأمنية والمنظمات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني لتوعية المجتمع بكل مراحله العمرية من هذه الآفة الخطيرة، والتي تجاوزت الحدود الجغرافية إلى العالم الافتراضي لتصل إلى البسطاء من الشباب والمراهقين، وهذا يستلزم توحيد الجهود جميعها بدءاً من الأسرة، التي يقع على عاتقها الدور الأهم في رقابة أبنائها، وهذا يشمل رقابة حواسبهم وهواتفهم الذكية، بعد تشجيعهم على الاندماج في الأنشطة الاجتماعية والرياضية لتفريغ طاقاتهم بشكل إيجابي، مع العمل لبناء روابط إنسانية معهم، خاصة في فترة المراهقة، بما يضمن مصارحة الأبناء للأهل بتجاربهم غير الآمنة بدون خوف من العقاب، الأمر الذي يمنحهم شعوراً بتقدير الذات.
لحسن الحظ فإن تداول هذا النوع من “المخدرات” حديث نسبياً في عالمنا العربي، مع أنه منتشر في أوروبا منذ سنوات، وقد حذرت منه عدة دول عربية، أولها لبنان، بعد انتشاره بين شبابها، ومؤخراً دبَّ الذعر في أوساط دول عربية أخرى بعد أنباء متضاربة ترددت حول أول وفاة بسبب هذه المخدرات.
أقول : “لحسن الحظ” أن عمر هذه الظاهرة قصير في مجتمعاتنا العربية، ولكن أخشى ما أخشاه أن تنتشر هذه الظاهرة بشكل أكبر، إذا لم تجد من يردعها، انطلاقاً من أن مجتمعاتنا العربية، في معظمها، استهلاكية وتمارس التقليد الأعمى!
(سيرياهوم نيوز ٣-خاص)