باسل علي الخطيب
مع اكتشاف السرداب الجديد عادت عمليات البحث داخل المغارة….
حسب الصور التي وردت والشهادات ممن دخلوا ذاك السرداب، لم يكن أحد يتصور أبداً أن المرحوم قد دخله، بسبب تعرجه و ضيقه الشديد، إذاً بعض الكلام الذي يدور أنه كان يمكن إنقاذ قيس بعيد جداً عن الواقعية، و احتمال ذلك يقارب الصفر و الله أعلم، فهو قد يكون قطع مسافة كبيرة فيه بعد أن تاه و فقد وعيه قبل أن تبدأ حتى عمليات البحث….
و لكن الضجة الكبيرة التي أثارها موضوع اختفائه، مع حالات الخوف و الترقب مع تأخر العثور عليه، ولد الكثير من فوضى الشائعات والانتقادات والإقتراحات…
هذا التأخر لم يكن سببه التقصير، إنما إن ذلك كان فوق كل الإمكانات و القدرات، والتي قد تم بذلها إلى الحدود الأقصى، عدا إن الحالة التي حصلت قد تكون حالة من أصل مليون حالة أضف إلى ذلك كل الظروف التي ذكرناها أعلاه و التي عاكست عملية البحث….
نأتي إلى العبرة الأولى…..
هل تتوفر أجهزة يمكن أن تساعد في عمليات البحث المعقدة مثل هذه؟….
البعض في معرض انتقاده استغرب أنه استغرقنا كل هذا الوقت لإيجاد المرحوم في هذا الحيز الجغرافي الضيق، القضية ليست قضية مساحة، القضية أن المكان معقد و مجهول و الدليل أن ذاك السرداب لم بلحظه أحد…..
إذاً، هل توجد تلك الأجهزة؟….
أعتقد أنه توجد روبوتات صغيرة للبحث في الأماكن الضيقة و الوعرة.
هنا الدرس الأول، علينا أن نستورد هكذا روبوتات أو نقوم بتصنيعها، و أعتقد أن الجامعات أو المراكز البحثية التي لدينا قادرة على تصميمها….
خلاصة الكلام فيما خص الدولة، لم يكن هناك تقصير، و يجب الثناء على جهود شبان المجتمع الأهلي و عناصر الدفاع المدني الذين خاطروا بحياتهم بالمعنى الحرفي للكلمة رغم قلة و ضعف المعدات…..
و هنا الدرس الثاني، يجب دعم ( الدفاع المدني) بكل ما يلزم من معدات و أجهزة و خبرات و تدريبات، يجب أن تكون رواتبهم و مكافأتهم كبيرة غير خاضعة للقانون الموحد للعاملين في الدولة، هؤلاء يخاطرون بحياتهم، و الخطأ الأول قد يكون الأخير….
قد لانحتاجهم إلا فيما ندر، و لكن عند الحاجة إليهم لا ينوب عنهم أحد .
نأتي إلى الجهة الثانية المتهمة بالتقصير ألا و هو المجمع العلمي و تحديداً الجيولوجيين….
كان السؤال في معرض الاهتمام بالتقصير، لماذا لا توجد دراسات لهكذا مغارات؟….
من حيث المبدا لا يستطيع الجيولوجي أن يقوم بهكذا دراسة لوحده أو ضمن مجموعة، هكذا دراسات تحتاج المؤسسات الرسمية الجامعات لاتمامها بالشكل الأمثل، لأن حجم التحديات والصعوبات و المخاطرة كبير، حيث أن هكذا دراسات تحتاج إلى إمكانات ومعدات لاتتوافر لدى الاشخاص، عدا عن ذلك لن يخاطر الجيولوجي بإجراء هكذا دراسة و هو يعلم أنه لا يوجد تأمين صحي أو ضمان اجتماعي في حال حدوث أي طارئ، و احتمال حدوثه كبير جداً، و لن تجد إلا قلة من الجيولوجيين يقومون بهكذا دراسات فيها هذه المخاطر و ذلك انطلاقاً من الشغف و الفصول العلمي….
خلال عملنا في مشاريع المسح الجيوبيئي لصالح المؤسسة العامة للجيولوجيا و الثروة المعدنية أحصينا في رقعتي صافيتا و القدموس عشرات المغاور…، أنا أتحدث عن رقعتين فقط من أصل خمس رقع في محافظة طرطوس، فما بالكم بعدد المغارات الكلي في عموم الساحل أو في كل سورية؟ و العدد الذي ذكرته أعلاه هو تلك المغارات التي وجدناها، و قد يوجد غيرها لم نلحظها…
دراسة المغارات تدخل ضمن الشق العلمي البحت، و قلما تدخل ضمن الشق السياحي و الاقتصادي، لأن عدد المغارات التي يمكن استثمارها سياحياً أو اقتصادياً قليل مقارنة بالعدد الكلي للمغارات….
اكتشاف المغارة لأجل دراستها يحتاج فريق محترف عالي التدريب، لا يقتصر على الجيولوجيين فحسب، فعندما دخلنا مغارة بيت الوادي أو مغارة جوعيت أو نزلنا في هوة الصومعة كان يتقدمنا فريق مدرب على الاستكشاف هم الفوج السابع للكشافة.
هذا أولاً….
دراسة هذا العدد الكبير من المغارات يحتاج فريقاً ضخماً من فرق الاستكشاف و الجيولوجيين و يحتاج وقتاً طويلاً، و الدراسة تكون بتتبع مسار كل مغارة، و هنا أريد التنويه إلى نقطة مهمة، أن المغارات هي أكثر المظاهر المورفولوجية تعقيداً و أكثرها خطورة، من حيث أن الكثير منها غير نمطي و لا يمكن توقعه …
هكذا دراسات تحتاج أن تمولها و ترعاها و تقوم بها مؤسسات رسمية، و كما أشرت سابقاً أن أغلبها يدخل ضمن دائرة البحث العلمي البحت، و هكذا دراسات لا تكون إلا في حالة ترف الدول…
العمل الجيولوجي عموماً هو عمل خطر و صعب، و يصنف ضمن الأعمال المجهدة ذات الخطورة، و أصعبه و أخطره هو مجال دراسات المغارات، و الصعوبة و الخطورة هنا لا تنبع فقط من تعقيد المغارات و عدم نمطيتها فقط، و إنما من حالة الخوف و القلق و التوتر و الأعراض الجسدية الأخرى من ضيق في التنفس أو الهلع التي يمكن أن تحصل….
هل هناك وسائل تقنية تستطيع رسم أبعاد المغارة و تحديد كل مسار بها؟…..
لا، لاتوجد هكذا وسائل، أقصد لاتوجد وسائل تقنية تغني بالمطلق عن العنصر البشري، نعم، توجد تقنيات تساعد ولكنها لاتنجز كل العمل، وانجازه بالشكل الأمثل يحتاج استكشاف المغارة عياناً….
يتبع….
(خاص لموقع اخبار سورية الوطن-سيرياهوم نيوز)