حسن بعيتي
للغيب فِتنتُهُ
وليْ أنْ أرهقَ المعنى بأسئلتي
وُجودي نزوةٌ مرّتْ على جسدَينِ
أحملُ عِبئَها وحدي
وأسألُ عن صفاتِ الضّوء
هل لِلضّوء ملمَسُ قِطّةٍ لأجسَّ فروَتَهُ
وهل للفجر جسمٌ
كي أعانقَه قليلاً عندما يأتي
أعدّلُ بعضَ أسئلتي لأنقذَ حِكمتي منها
لأسئلتي شجُونْ
هل كان يمكن أن أكون كما أشاءْ
أكانَ يمكنُ أن أشاءَ فلا أكونْ
أنا الأخيرُ زمانُه
سأقولُ في وصفِ الحياةِ وأهلِها
ما لم يقُلْهُ المُبصرونْ
لُغتي هي الضوءُ الذي أشعلتُه لأرى الحياة
أسيرُ في طرقاتها ملكاً على عرشِ الكلامْ
لكنّني وحدي
أواجهُ بالبلاغة ظلمةً لا تنتهي أبداً
أنا قمَرُ المَعرَّةِ
غيرَ أني أشتهي رغم البلاغةِ أن أرى قمراً حقيقيّاً يُطلُّ
وأن أرى لوناً سوى لونِ الظلامْ
ملكٌ على عرشِ الكلامْ
لكنني وأنا المتوَّجُ
أشتهي وجهًا أرى أثرَ القصيدةِ في ملامحِهِ
أبادِلُه بعَينَيّ التحيةَ
أشتهي امرأةً أحدّثها أمامَ البحر عن لونِ السماءْ
أمّا النساءْ
فلم أذقْ طَعمَ الندى يوماً على أجسادهنّ
ولم يزُرني في خيالي مرّةً عسلُ الشفاهْ
وكيفَ لي أن أشتهي ما لا أراهْ
كَونٌ من الكلمات يسحرُني
دقيقٌ
مُحكمُ الإيقاع يوشِكُ أن يُبصِّرَني
جلاءَ القصدِ بين الصوتِ والمعنى
أعدّلُ بعضَ أسئلتي لأنقذَ حِكمتي منها
وأسئلتي تُلاحقني
لماذا لم أقل في الشعر يوماً
إنّ أمّي قد جَنَتْ أيضاً
أحبّتْ أن ترشّ العطرَ في ذاك المساء
لكي تصيدَ البرقَ في عينَي أبي بحريرِ لمستِها
فجئتُ أنا
أنا ابنُ العطر أحملُ لحظةَ الجسدَين
في جسدٍ أراهُ حين ألمَسُهُ
صهيلُ الرّيح كان هو الدليل
إذا مشيتُ جعلتُ صوتَ الريح عكّازي
أفكّرُ في شؤون الكون في قلَق الوجود
وفي عذاباتي
ولو خُيِّرتُ لاخترتُ المكانةَ لا المكانْ
حتى تفاصيلُ المعرّةِ لستُ أعرفُها
ولكنّي هنا ملكُ البلاغةِ والأميرُ على أساطينِ البيانْ
ولم أقل يوما لنفسي :
لو خسرتُ بلاغتي وربحتُ بعضَ الضوء
لكنّي سأمضي – عندما أمضي –
وبي ظمأٌ لتقبيلِ الحياة بناظِرَيّْ
وعِبارتي فوق الضّريحِ .. جَليّةٌ
” هذا جناهُ أبي علَيّْ ”
(سيرياهوم نيوز ١-اختيار خالد حيدر)