تقف دول الخليج أمام معادلة دقيقة: كيف تتحوّل من منتِجٍ للنفط إلى رائدٍ في الاقتصاد الأخضر، من دون أن تقع في فخّ “الاستعمار المناخي” الذي حذّر منه تقرير أوكسفام الأخير: “انتقال غير عادل: استعادة مستقبل الطاقة من الاستعمار المناخي”؟
بين استثماراتٍ تتجاوز 100 مليار دولار في مشاريع الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين الأخضر، وطموحٍ لبناء مستقبل خالٍ من الكربون، يبرز سؤال جوهري: هل يكون هذا التحوّل خطوة واقعية نحو التنمية المستدامة، أم إعادة إنتاجٍ لنظامٍ اقتصادي غير متكافئ في ثوبٍ جديد؟
يحذّر تقرير أوكسفام من أن التحوّل الأخضر العالمي، على أهميته البيئية والاقتصادية، قد يُعيد إنتاج أنماط الاستغلال القديمة، حيث تُستنزف موارد الجنوب العالمي لتغذية انتقالٍ “نظيف” في الشمال الصناعي. ويُعيد هذا التحليل النظر في مفهوم العدالة المناخية، بوصفها ليست تقليص الانبعاثات فحسب، بل إعادة توزيع المنافع والفرص والمعرفة.
في هذا السياق، يبدو المشهد الخليجي ساحة اختبارٍ حقيقية لهذه العدالة، إذ تتقاطع فيه الطموحات الاقتصادية مع ضرورات المناخ، وتتواجه المصالح الاستراتيجية مع القيم البيئية في توازنٍ بالغ الحساسية.
حتى منتصف 2025، بلغت القدرة المركّبة لمشاريع الطاقة المتجددة في دول مجلس التعاون الخليجي نحو16.5 غيغاواط، مع13.5 غيغاواط إضافية قيد التنفيذ، وفق كلية لندن للاقتصاد. وتهدف الخطط الخليجية مجتمعةً إلى تجاوز165 غيغاواط من الطاقة النظيفة بحلول 2030، أي 10 أضعاف المستوى الحالي، بحسب مركز سياسات الطاقة في جامعة كولومبيا. كما تشير بيانات وكالة الطاقة الدولية إلى أن الاستثمارات الخليجية في الطاقة المتجددة تجاوزت 100 مليار دولار، ضمن مسعىً لخفض الانبعاثات بنسبة20 % خلال السنوات الخمس المقبلة.
لكن وراء هذه الأرقام تكمن معركة أخرى: من يملك التكنولوجيا؟ ومن يحصد القيمة المضافة؟ فمعظم الألواح الشمسية والبطاريات والتوربينات تُستورد من الخارج، ما يعني أن الحصة الكبرى من التصنيع والملكية الفكرية لا تزال بيد الشمال الصناعي. بهذا، يخشى بعض الخبراء من أن تتحوّل المنطقة إلى مجرد منصة إنتاج ضمن سلسلة توريد عالمية تكرّس اختلالات السوق، وإن بملامح أحدث، وهذا ما يعبّر عنه تقرير أوكسفام بمصطلح “الاستعمار الأخضر”.
مع ذلك، لا يمكن تجاهل ما تحققه دول الخليج من تقدّم نوعي في سياسات التحوّل المستدام. فالإمارات والسعودية وعُمان على وجه الخصوص بدأت بتوطين جزء من سلسلة القيمة، من خلال إنشاء مصانع للمكوّنات الشمسية ومشروعات للهيدروجين الأخضر، وتأسيس مراكز للبحث والتطوير. كما تتجه هذه الدول نحو دمج الطاقة المتجددة في قطاعات الصناعة والنقل، في محاولة لتحويل التحوّل من مجرد خيار بيئي إلى رافعة اقتصادية تساهم في تنويع الدخل وتعزيز الأمن الطاقوي على المدى البعيد.
لا يكمن التحدي الحقيقي اليوم في عدد الميغاواطات المنتجة، بل في نوعية النمو الذي يحققه هذا التحوّل. على العدالة المناخية في السياق الخليجي أن تعني تنميةً شاملة تُشرك المواطنين في الفائدة، وتخلق وظائف نوعية للشباب، وتضمن أن تكون التنمية قائمة على المعرفة والإنتاج المحلي. فالقوة في زمن المناخ لا تُقاس بحجم الاحتياطيات النفطية، بل بقدرة الدول على تطوير التكنولوجيا وإدارة مواردها المستدامة بكفاءة واستقلالية، وعلى تحويل الاستدامة إلى ثقافة مجتمعية راسخة تمسّ حياة الناس.
من النفط إلى الشمس، تمضي دول الخليج في مسارٍ استثنائي يُحدّد ملامح القرن المقبل. وإن كان العالم يُعيد تعريف القوة من خلال الطاقة، فإن العدالة ستكون معيار الريادة الحقيقي. فإمّا أن يصنع الخليج انتقالاً عادلاً يوازن بين البيئة والتنمية، أو يترك التاريخ يكرر نفسه بلونٍ أخضر هذه المرة.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار
syriahomenews أخبار سورية الوطن
