آخر الأخبار
الرئيسية » مجتمع » موروث ثقافي قديم.. إلامَ ترمز “الخرزة الزرقاء” في تركيا؟

موروث ثقافي قديم.. إلامَ ترمز “الخرزة الزرقاء” في تركيا؟

| لمياء أحمد

ترتبط الخرزة الزرقاء ارتباطاً وثيقاً بالإيمان بالطاقات الشريرة المنبعثة من العين الحاسدة، وتُعَدّ تركيا أشهر بلد يتبنى هذا الموروث الثقافي القديم، إذ يرى الأتراك أن العين الزرقاء تجلب الحظ وتحمي من العين الشريرة.

تزين الخرزة الزرقاء أسواقَ تركيا، لافتة الأنظار إليها في شكلها الزجاجي اللامع ولونها الأزرق المحبب. الخرزة الزرقاء التي صُممت على شكل عين هي أحد الموروثات الثقافية التي يعتز بها الأتراك ويحرصون على اقتنائها.

هذه القطعة، المصنوعة يدوياً من عجينة الزجاج، هي، في حقيقة أصلها، تميمة يعتقد كثير من الأتراك أنها تجلب الحظ وتحمي من العين الشريرة. وأقر بعضهم بأن تجاربه الخاصة أثبتت أنها نافعة حقاً.

يقول زُهال سِيزان، في حديثه إلى الميادين نت، إن “الخرزة الزرقاء تُعَدّ رمزاً خاصاً في تركيا، فنحن نعتقد أنها تحمي من العين. بالنسبة إلي أنا أصدّق قدراتها، وأقوم بشرائها. لقد رأيتها تنفجر أمامي، وهذا ما جعلني أصدّق أكثر أنها تمتص طاقة الحسد”.

تعويذة تعود إلى أقدم الحضارات

ترتبط الخرزة الزرقاء ارتباطاً وثيقاً بالإيمان بالطاقات الشريرة المنبعثة من العين الحاسدة. ففي عدد من الحضارات، كالمصرية والبابلية والسومرية، كان يُعتقد أن الشر داخل الإنسان ينعكس طاقةً تخرج من عينيه  ليؤذي بها غيره. لذا، حاول الناس التعبير عن هذا الخوف باستخدام التمائم والتعويذات، وكانت العين هي الحامي الأكثر شيوعاً ضد قوى الشر الغامضة عند أكثرية الحضارات.

تُعَدّ هذه التعويذة قديمة جداً، فقد استخدمها الفينيقيون والآشوريون والرومان، ووُجدت في جميع أنحاء الشرق الأوسط، فيمكن رؤيتها في أرمينيا وإيران واليونان، كما ورد ذكرها في الحكايات الأيرلندية القديمة. وحافظ هذا الرمز على مكانته في الخيال البشري آلافَ السنين.

ووفقاً للتاريخ المصري القديم، ترمز خرزة العين الشريرة إلى عين حورس؛ الإله الذي يتخذ شكل صقر. وأصبح حورس ملك الحياة بعد انتصاره على عدوه سيث. وعُدَّت عين حورس قادرة على هزيمة النظرة الشريرة. لذا، تم رسم عين حورس على المقابر والمومياوات من أجل جلب الحظ السعيد إلى أرواح الموتى في رحلتهم إلى الحياة الآخرة. كما رسمها الإغريق القدماء على قوس كل سفينة من سفنهم من أجل حمايتها من غضب بوسيدون؛ إله البحر والعواصف.

تقليد الأجداد الشامان

تُعَدّ تركيا أشهر بلد في تبني هذا الموروث الثقافي القديم. وأُدرجت خرزة العين الزرقاء عام 2014 ضمن قائمة اليونسكو لمجموعة القيم الثقافية والتراثية غير المادية لتركيا.

ويعتقد بعض الباحثين أن الأتراك القدماء كانوا من البدو الشامان الذين سافروا عبر آسيا إلى الأناضول. وكانت القبائل التركية الأولى تأثّرت بعين حورس، وأُعجبت بأشكالها وألوانها، بسبب ارتباطها بإله السماء تنغري. وبقيت هذه العادة متوارثة من الأجداد إلى الأبناء، حتى بعد اعتناقهم الإسلام.

وترتبط بالخرزة الزرقاء في تركيا تميمة أخرى، هي تميمة الكفّ أو الأصابع الخمسة، بحيث تُوضَع في منتصف الكف، التي تكون من الزجاج أو المعدن، عينٌ زرقاء، وتعلَّق على الأبواب والجدران من أجل الحماية وجلب الحظ.

وقد أدّت مدن بحر إيجه، التي اشتهرت قديماً بصناعة الزجاج، الدور الأكبر في توطين التميمة وانتشارها. ومنذ عام 1950، اختصت قرية نَزَار “Nazar köy”، أي قرية العين الشريرة التابعة لمدينة إزمير، بصناعة العين الزرقاء، بحيث يتم تصنيعها يدوياً من جانب الرجال في أفران تصل درجة حرارتها إلى 1200 درجة حرارية، ثم يتم تحويل الخرز إلى مجوهرات وزخارف من تصميم نساء القرية، ويقام في القرية مهرجان سنوي احتفاء بالخرزة الزرقاء.

عادة متوارثة وليست معتقداً دينياً

الخرزة الزرقاء، التي يُطلق عليها في تركيا خرزة العين الشريرة “Nazar Boncuğu”، أي التي تحمي من العين الشريرة، يعتقد الأتراك أنها لا تمثل معتقداً دينياً، بل إحدى العادات المتوارثة، والتي لا تتعارض مع الدين.

رضا أونال، الذي يبيع الخرزة الزرقاء منذ 50 عاماً في السوق المسقوفة في إسطنبول، يقول في حديث إلى الميادين نت: “أعتقد شخصياً أنه لا علاقة لهذه العين بالدين أصلاً، لكنها أفكار اختلقتها مجموعات من الناس، وأصبحت شائعة في مجتمعات متعددة. قد تحمل هذه العين بهدف حماية الله لك من خلالها، وذلك يعني أنك تؤمن في النهاية بأن الله هو الحامي”.

وفي سياق تأكيده عدم تعارضها مع الدين، قال إنه” قد يضعها البعض لأطفالهم بهدف الحماية من العين والحسد. فالحسد طاقة شريرة، وهذه الخرزة تقوم بامتصاص هذه الطاقة الشريرة”.

لكنّ بعض الأتراك يرى أن الخرزة الزرقاء معتقد وثني يتعارض مع الدين الإسلامي. تقول نازلي عادل: “أنا لا أؤمن بالعين الزرقاء. أعتقد أننا كمسلمين لدينا القرآن لحمايتنا، فقراءة آية الكرسي تحمينا، كما أننا تعلمنا أن نقول ما شاء الله عندما يعجبنا شيء يخص الآخرين، فلا نؤذيهم، لأن العين في النهاية حق”.

وأضافت في حديثها إلى الميادين نت: “أرى كثيرين من الناس يضعونها في بيوتهم، أو قد تكون جزءاً من ملابسهم أو زينتهم. قد يضعها البعض لأنها جميلة، ولا أرى مانعاً لذلك”.

سر اللون الأزرق

يُعَدّ اللون الأزرق هو الشائع والأصلي للعين، وربما جاء اللون الأزرق من تأثير البيزنطيين، بحيث كان اللون الأزرق مقدَّساً، فهو لون السماء، التي تعيش فيها الآلهة، وهو رمز الروح اللامتناهية. وفي العهد العثماني، كان اللون الأزرق سائداً في النقوش والزخارف في المساجد والقصور. وفي منطقة بحر إيجه، موطن العين الزرقاء، يُعتقد أن اللون الأزرق يجلب الحظ السعيد، فيطلون به أبواب المنازل والمساحات الداخلية فيها وأسطح الكنائس وزخارف المساجد.

وانتشرت مؤخراً ألوان أخرى تُصنع بها الخرزة، تصل إلى 12 لوناً، بهدف التنويع ومواكبة أذواق الزبائن. لكن، مع ذلك، يبقى اللون الأزرق هو الطاغي بلا منازع. يقول تورغت توكجان، وهو صاحب محل لبيع الخرزة الزرقاء، للميادين نت إن “الأصل عندنا هو العين الزجاجية الزرقاء، لكن الآن، مع استخدامها في مناسبات متعددة، تمت إضافة أشكال وألوان جديدة إليها. فمثلاً اللون الأبيض يعكس النقاء، والأحمر يرمو إلى الحب”.

وترتبط بالخرزة الزرقاء مجموعة من الاعتقادات الشائعة بين الأتراك. فهم لا يفضّلون شراءها بأنفسهم، لأن المعتقد السائد لديهم أنها تكون فعالة في الوقاية من الحسد عندما تأتي هديةً من شخص محب، ذي نيات طيبة.

كما يعتقدون أن الخرزة تتصدع عند امتصاصها الطاقة الشريرة. وهذا دليل على فعّاليتها. لذلك، فإنهم يرجحون العين الزجاجية التي تُشعرهم بالانتصار على تلك القوى الشريرة، على عكس العين البلاستيكية التي لا  تنكسر.

الخرزة الزرقاء.. للزينة أيضاً

تستهوي العين الزرقاء الأتراك، في جميع طبقاتهم وأطيافهم. ومن لا يقتنع بفائدتها في درء الحسد، يستخدمها من أجل الزينة. يقول بلال إيشيك، في حديثه إلى الميادين نت: “أعمل في بيع الخرزة الزرقاء منذ مدة طويلة. نحن نقوم بإخبار المشترين بأنها تجلب الحظ وتحمي من العين. أنا، شخصياً، لا أؤمن بذلك، وأعتقد أن الأتراك يشترونها بسبب شكلها الجميل، وأنا أيضا أضعها كسوار في يدي، لأنها جميلة”.

في تركيا، ترى الخرزة الزرقاء معلقة على الأبواب والجدران الداخلية والخارجية للمنازل، وفي المكاتب والمحالّ التجارية، وعلى مرايا السيارات. كما تُعلَّق على الأشجار والزهور، وتُستخدم في المجوهرات والإكسسوارات والملابس والمفارش والوسائد والأدوات المنزلية والمناظر والتحف. وتدخل العين الزرقاء في معظم البضائع، حتى إنه يتم تغليف الهدايا بها.

وتتّخذ خرزة العين أشكالاً متعددة وأحجاماً متباينة، ويشتريها الأتراك لأنفسهم، ويقدّمونها هدايا إلى أفراد العائلة والأصدقاء. وتشتهر الجدات والأمهات بتعليقها في ثياب الأطفال، ويُقْبِل على شرائها السياح بسبب منظرها الجميل ورمزيتها المتعلقة بالثقافة التركية، فيحملونها كذكرى إلى بلادهم، وهدايا إلى أحبائهم.

 

سيرياهوم نيوز3 – الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

“اليونيسيف”: أكثر من 200 طفل قُتلوا في لبنان من جراء العدوان الإسرائيلي منذ نحو شهرين

منظّمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” تعلن استشهاد أكثر من 200 طفل في لبنان من جرّاء العدوان الإسرائيلي منذ نحو شهرين، في وقتٍ “يجري التعامل مع ...