لليوم التاسع على التوالي، تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي، فرض حصار خانق ومشدد على مخيم “عقبة جبر” جنوبي مدينة أريحا في الضفة الغربية المحتلة، بعد عملية إطلاق النار البطولية التي استهدفت مطعمًا للمستوطنين قرب البحر الميت قبل نحو أسبوع تقريبًا.
جيش الاحتلال اعتقد أنه سيقتحم المخيم بكل سهولة، وسيحاول البحث عن منفذي العملية واغتيالهم أو اعتقالهم كعادته المتعبة في مثل هذه الحالات، لكن ما وجده جنود الاحتلال من مفاجآت داخل المخيم هزت الجيش وأجبرته على التراجع والتفكير ألف مرة قبل اقتحام المخيم.
مقاومة عنيفة، إطلاق نار من كل مكان، قنابل مزروعة بجانب الطرقات، وتضمان شعبي غير معهود، وحالة صمود غير معهودة، كانت هذه الملامح الأولى التي اعترف جنود الاحتلال بوجودها داخل مخيم “عقبة جبر” في أريحا، الأمر الذي يُعيدنا لتحذيرات المخابرات الإسرائيلية المتكررة من انتقال المقاومة من مخيم جنين ومدينة نابلس لبقع ومدن أخرى، وهذا يبدو ما تحقق.
وعلى خطى مدن شمال الضفة التي قدمت ولا زالت تقدم نموذجًا قويًا لمقاومة أقوى جيوش المنطقة، يتصدى سكان “عقبة جبر” لكل اقتحام أو محاولة اعتقال وتنفيذ أي عملية أمنية، وتمنع المقاومة التي تستخدم السلاح الذي وصلها بطرق سرية والتفافية من مدن وقرى بالضفة حيرت إسرائيل، في إجبار الاحتلال على التراجع ومنع اقتحام المخيم واعتقال المقاومين، مما أجبر إسرائيل على فرض حصارها المشدد على المخيم.
وتفرض سلطات الاحتلال لليوم التاسع على التوالي حصاراً مشدداً على مدينة أريحا، من خلال حواجز عسكرية وكتل اسمنتية أقامتها، على مداخل المدينة الرئيسية والفرعية، حيث تقوم بإيقاف مركبات المواطنين وتفتيشها، والتدقيق في بطاقاتهم الشخصية، بزعم البحث عن منفذ عملية إطلاق نار استهدفت مطعمًا للمستوطنين.
-
حصار ومعاناة
وفي الوقت الذي يتواصل فيه الحصار على مدينة أريحا من الخارج، تقتحم قوات الاحتلال المدينة والبلدات والمخيمات القريبة منها بشكل شبه يومي، بحثاً عن منفذي العملية، وسط حالة استنفار كبير خاصة في مخيم “عقبة جبر” ومخيم عين السلطان القريبين من المدينة، لادعاء الاحتلال أن المنفذين ربما خرجوا منهما.
ويتزامن ذلك مع وقوع اشتباكات ومواجهات مع الشبان عند مدخل المخيمين، تطلق خلالها قوات الاحتلال قنابل الغاز السام المسيل للدموع والصوت، إضافة لإطلاقها قنابل ضوئية وطائرة مسيرة “زنانة” في أجواء المنطقة.
ويقف مقاومو المخيم بالمرصاد لاقتحامات الاحتلال اليومية التي كان آخرها أمس، حينما داهمت أعداد كبيرة من جيش الاحتلال المخيم وهدمت عدة منازل ومنشآت للمواطنين، ما أدى لاندلاع مواجهات أسفرت عن إصابة 13 مواطناً بينهم حالات خطيرة، واعتقال عددٍ من الشبان.
وعلى مدار أكثر من 70 عاماً، يقارع أهالي المخيم قوات الاحتلال ويخوضون معه معارك ضارية منذ نشأته الأولى عام 1948، وتبلغ مساحته حوالي 1689 دونماً، بتعداد سكاني يصل لنحو 10 آلاف نسمة، حسب ما يقول الناشط السياسي في المخيم صلاح السمهوري.
وأكد عضو اللجنة الشعبية في مخيم “عقبة جبر”، كمال سعيد، أن سكان المخيم يعانون تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية كبقية المخيمات الفلسطينية، مشددًا على أن “الاحتلال يسعى لهدم معنويات وعزيمة الشباب الفلسطيني عبر تكثيف الاقتحامات والمداهمات للمخيم، ولكن ذلك لم يحصل”.
وبيّن أن المخيم حظي بتاريخ نضالي طويل على مدار السنوات الطويلة الماضية مثل المخيمات الأخرى، وقدم العديد من الشهداء والجرحى والأسرى الذين لا يزال عدد منهم في سجون الاحتلال.
-
أين السلطة الفلسطينية؟
في السياق ذاته، انتقد ناشط سياسي من المخيم -رفض الكشف عن اسمه- دور قيادة السلطة في رام الله تجاه تعزيز صمود المواطنين وتقديم اللوازم اللازمة للعيش حياة كريمة.
وقال الناشط، إن السلطة تقف “متفرجة” أمام ما يدور في المخيم من أحداث واقتحامات كبيرة، بل تسير باتجاه اعتقال كل من يخالف سياساتها، ولا سيما المقاومين والداعمين لهم، لكسر إرادتهم. وبيّن أن قيادة السلطة لا تنفذ أي مشاريع إستراتيجية في المخيم تتعلق بتطوير البنية التحتية وغيرها، إنما تترك المواطنين وحدهم في مواجهة الاحتلال، وفق صحيفة “فلسطين”.
وذكر أن أريحا تحولت إلى “مدينة الأشباح” نتيجة استمرار الحصار المفروض عليها، لكن السلطة لا تزال تقف “متفرجة” وتتابع ما يجري عن بُعد فقط.
من جانبه أكد المحلل والكاتب السياسي أمين أبو وردة أن الاحتلال الإسرائيلي خاصة مؤسسته العسكرية والأمنية باتوا يعيشون في حالة خوف وقلق بعد وقوع عملية إطلاق النار السبت الماضي في مدينة أريحا، وسبقتها عملية أخرى قبل أشهر، مشددًا أن سلطات الاحتلال تتخوف بشكل كبير من أن ينتقل نموذج عمليات المقاومة وحالة الاشتباك والمواجهات اليومية مع جنوده في مدن الشمال كنابلس وجنين، لمدينة طولكرم وقلقيلية وأريحا.
ورأى أن ما جرى في مدينة أريحا من عملية إطلاق نار قبل أيام على مطعم، يشير إلى بداية تشكيل مجموعة مسلحة على غرار المجموعات المسلحة في مدن شمال الضفة المحتلة، مشيرًا إلى أنه للمرة الأولى تشهد مدينة أريحا عمليات إطلاق نار ودهس، ومواجهات مع الاحتلال، فالمدينة خلال الانتفاضة الأولى والثانية لم تشهد هذا الزخم من الاشتباك وعمليات المقاومة.
وأضاف “بالرغم من انتشار نقاط المراقبة العسكرية، إلا أن منفذ العملية وسائق السيارة امتلكا الجرأة وقاما بإطلاق نار على مطعم في شارع رئيسي وتحت عين كاميرات المراقبة”.
ويحظ مخيم “عقبة جبر” الذي يعد من أكبر مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية بتاريخ نضالي طويل، حيث قدّم عشرات الشهداء والجرحى طيلة تلك السنوات، كما تعرض لسلسلة من الاقتحامات والمداهمات المستمرة، إضافة لمضايقة الأهالي، ما يُسفر عن اندلاع مواجهات في كثير من الأوقات.
وعلى مدار أكثر من 70 عاماً، يقارع أهالي المخيم قوات الاحتلال ويخوضون معه معارك ضارية منذ نشأته الأولى عام 1948، وتبلغ مساحته حوالي 1689 دونماً، بتعداد سكاني يصل لنحو 10 آلاف نسمة.
وأمام هذا المشهد تقف إسرائيل حائرة أمام تطور المقاومة وانتقالها ككره لهب مناطق ومدن أخرى لم تكن مدرجة على القائمة.. فماذا ينتظر إسرائيل الآن؟ وهل ستقوم السلطة الفلسطينية بدورها “المثير للجدل”؟
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم