الرئيسية » كتاب وآراء » مُقاربة مجنونة لمجانين القرن

مُقاربة مجنونة لمجانين القرن

|  نبيه البرجي

 

ماذا يمكن أن يكون تعليق آدم، لو أتيح له أن يطل بانورامياً على الفوضى الدولية الراهنة؟ «الآن أدركت لماذا عاقبني الله !»

 

ثم ماذا لو جال بورقة التوت على أرصفة البيفرلي هيلز أو الكوت دازور، ثم وجد نفسه في أحد أزقة مقاديشو، أو في أحد أزقة قندهار؟ ربما سيعلم لماذا لم يعد الله يتجرأ على أن يبعث بأي من أنبيائه الى الأرض.

 

اذ أطلق رينيه ديكارت الكوجيتو «أنا أفكر أذاً أنا موجود»، هنري ميشو قال «أنا أفكر اذاً أنا مجنون». أما فرانز فانون فكتب «ليتنا لم نفكر»…

كم هللنا (ويفترض أن نهلل) للاتفاق بين السعودية وايران. هنا شي جين بينغ، ووراءه كونفوشيوس وماوتسي تونغ، لا أحمد أبو الغيط بديبلوماسة هز البطن. وبعدما تحولت صاحبة الجلالة جامعة الدول العربية الى ما يشبه مقهى للشيشة في خان الخليلي.

سنوات من الصراع السريالي، وحيث التقاطع بين لوثة التاريخ ولوثة الايديولوجيا، وبين ليل الأمبراطوريات وليل القبائل. لعبة الهباء في لبنان وسوريا والعراق واليمن. هنا ازدهار منقطع النظير للمقابر، وهناك ازدهار منقطع النظير للأسواق. يا لعبقرية اليأس…!!

انطلاقاً من كلام المؤرخ والعالم الأنثروبولوجي الفرنسي ايمانويل تود، قيّض لنا الوسيط الصيني (العملاق). المشكلة، من يستطيع أن يكون الوسيط بين أميركا، التي فوق الجميع (هذه هي نظرية كرادلة الاستبلشمانت) وروسيا، بل والصين؟ صاحب «الكوكب الثالث» يشير باصبعه الى السماء. ربما كان الوسيط هناك (نبي من فوق). قد يقتلونه وهو في منتصف الطريق بين السماء والأرض…

أوكرانيا، وقد تحولت الى أرض يباب. كان فولوديمير زيلينسكي الدجاجة الضاحكة. الآن الدجاجة الباكية. لا، لا… تابعوا تصريحاته (وقبضاته). حين تكون الدجاجة بشاربي عنترة بن شداد أو بشاربي أبو عبد البيروتي.

 

بحسب تود، كان الأفراد من جنكيز خان الى الاسكندر ذي القرنين ونابليون بونابرت، وغيرهم وغيرهم، من يصنع الأمبراطوريات التي غالباً ما كانت تتفكك وتندثر، اما لأن التاريخ ينوء بها، او بسبب جدلية الأزمنة.

الآن، المؤسسات تصنع الأمبراطوريات التي أخذت، اثر ليلة هيروشيما، بنظرية «حرائق الغابات». الحروب المبرمجة التي يتم تفجيرها لغايات تكتيكية أو استراتيجية.

 

لأن أميركا أمبراطورية فوق المعايير، الموجودة في كل كائن بشري، الحرب في أوكرانيا أفلتت من كل المعايير. لا مقارنة بين روسيا بالجيش، الذي صدمنا بأدائه البائس (معركة باخموت مثالاً)، وبالاقتصاد الذي يعتمد على الموارد الطبيعية، واميركا (وريثة الآلهة كما كتب روبرت كاغان) بالصناعات ما بعد التكنولوجيا. ربما قريباً… ما بعد الانسان!

التنين هو القطب الآخر. لم يعد الأميركيون ينظرون اليه من ثقب الباب. ما يجري في الباسيفيك وفي السهوب الآسيوية، السور الأميركي العظيم حول الصين التي اصبحت، ايها الأصدقاء الأميركيون على ضفتي الخليج، اي في عمق الشرق الأوسط الذي أراده فرنكلين روزفلت بعبقريته، وجورج دبليو بوش بغبائه، مستودعاً خلفياً للأمبراطورية. لا مشكلة في الصك العقاري. الكوبي ليوناردو بادورا تحدث عن «الشراكة المقدسة بين أميركا والشيطان».

كلام بشار الأسد، عقب لقائه فلاديمير بوتين، انطوى على أكثر من دلالة. للوهلة الأولى يوحي باستبعاد أي تفاهم قريب بين دمشق وأنقرة. للوهلة الثانية، الوساطة الروسية قطعت شوطاً، لكنها تحتاج الى الاعداد اللوجيستي والأهم… الاعداد السيكولوجي!

الواضح أن الاتفاق (التفاهم) السعودي ـ الايراني يميل لمصلحة الأسد لا لمصلحة اردوغان، الذي طالما لعب على كل النزاعات وعلى كل الترسبات، وهذا ما يساعد على امكان التوصل الى اتفاق سوري ـ تركي ينهي الاحتلال الذي بات عبئاً ثقيلاً على تركيا.

 

 

على خطى ايمانويل تود «يفترض أن تكون مجنوناً، بلمسة فلسفية، لتستطيع أن تتعاطى مع مجانين القرن». هذا ما حاولنا فعله بالمقالة التي بين أيديكم…

(سيرياهوم نيوز 3-الديار)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

اميركا تملأ الفراغ بـ… الفراغ

  نبيه البرجي   الى أي مدى يمكن الأخذ بالقول الروسي “ما حدث بين جو بايدن وبنيامين نتنياهو، دليل على أن أميركا تُحتضر في الشرق ...