مازن النجار
عشية عيد الفصح اليهودي، وفي احتفال «سيدِر» الخاص به في شوارع نيويورك، والذي شهده يهود وغير يهود، ألقت نعومي كلاين، الكاتبة والمناضلة اليهودية الكندية، وأستاذة العدالة المناخية ومديرة «مركز العدالة المناخية» في جامعة «بريتش كولومبيا»، خطاباً مشهوداً يمثل «بيان الخروج» ليهود العالم من الصهيونية وصنمها الزائف في فلسطين، وظّفت فيه رمزين من العهد القديم لهما دلالة بالغة الأهمية لدى اليهود في كل الأزمان: – سفر الخروج، أحد أسفار التوراة الخمسة، والذي يروي قصة خروج بني إسرائيل بقيادة النبي موسى من أسر فرعون في مصر التوراتية، والخروج هو لحظة الانعتاق من ذلك الأسر.
– وقصة العجل الذهبي الذي صنعه السامري واتخذه بنو إسرائيل إلهاً في غياب موسى عندما سبقهم إلى ميقات ربه فأضلّهم السامري، وأخلفوا موعدهم مع موسى، وهي لحظة انتكاس هائل لمسيرة بني إسرائيل مع الله والأنبياء والنبوة.
واستدعت كلاين لحظة نزول موسى من الجبل وغضبه الشديد إذ وجد بني إسرائيل يعبدون «عجلاً ذهبياً»، داعية إلى نبذ عبادة «العجل الذهبي» الجديد، وتقصد به «صنم الصهيونية الزائف». وقالت كلاين، أمام تجمع لأميركيين (غالبيتهم يهود مناهضون للحرب)، في احتجاج دعا إلى وقف تسليح إسرائيل أُقيم في بروكلين (نيويورك) قرب منزل زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ الأميركي، السيناتور تشاك شومر: «الكثير من أبناء مجتمعنا (اليهودي) يعبدون صنماً زائفاً… إنهم مبتهجون به… إنهم في حالة سُكر… لقد دنسهم الوثن… هذا الصنم الكاذب يُسمى الصهيونية»، معتبرة أن «الصهيونية صنم كاذب أخذ فكرة الأرض الموعودة وحوّلها إلى صك بيع لدولة عرقية عسكرية». وأضافت: «إنه صنم زائف يأخذ أعمق قصصنا الكتابية عن العدالة والتحرر من العبودية – قصة عيد الفصح بحد ذاتها – ويحولها إلى أسلحة وحشية لسرقة الأراضي واستعمارها، وخرائط طريق للتطهير العرقي والإبادة الجماعية. إنه صنم زائف اتخذ الفكرة المتعالية للأرض الموعودة، كناية عن تحرير الإنسان والتي سافرت عبر ديانات متعددة إلى كل ركن من أركان هذا العالم، وتجرأ على تحويلها إلى صك بيع لدولة عرقية عسكرية».
أيضاً، رفضت كلاين مزاعم الصهيونية حول تحرير اليهود من العداء للسامية وتأمينهم في دولة يهودية خاصة بهم، بالقول إن «نسخة التحرير التي تطرحها الصهيونية السياسية هي بحد ذاتها دنيوية. منذ البداية، تطلّب الأمر الطرد الجماعي للفلسطينيين من منازلهم وأراضي أجدادهم في النكبة»، مشيرة إلى أنه «منذ البداية كانت (الصهيونية) في حالة حرب مع أحلام التحرير. وجدير بالتذكر في احتفال الفصح، أن هذا يشمل أحلام التحرر وتقرير المصير للشعب المصري. هذا المعبود الصهيوني الكاذب يساوي أمان إسرائيل بالديكتاتورية المصرية والدول العميلة».
الصهيونية والإبادة
كذلك، تحدثت كلاين عن طابع الإبادة في المشروع الصهيوني ضد شعب فلسطين وجوهرها اللاأخلاقي، بقولها إن الصهيونية «أنتجت نوعاً قبيحاً من الحرية التي نظرت إلى الأطفال الفلسطينيين، ليس كبشر، بل باعتبارهم تهديداً ديموغرافياً، تماماً كما كان الفرعون في سفر الخروج يخشى تزايد عدد السكان من بني إسرائيل، وبالتالي أمر بقتل أبنائهم. لقد أوصلتنا الصهيونية إلى لحظة الكارثة الحالية، وقد حان الوقت لنقول بوضوح: إنها تقودنا دائماً إلى هنا. إنه صنم زائف قاد الكثير من شعبنا إلى طريق غير أخلاقي جداً، ما جعلهم الآن يبررون تمزيق الوصايا الأساسية: لا تقتل، لا تسرق، لا تطمع».
كما دعت إلى الاحتجاج وخروج اليهود من الصهيونية، كما خرجوا من الأسر الفرعوني، والتبرؤ من الكيان الصهيوني وجرائمه، قائلة: «نحن، في هذه الشوارع منذ أشهر وأشهر، نحن الخروج. الخروج من الصهيونية. إنه صنم زائف يساوي الحرية اليهودية بالقنابل العنقودية التي تقتل الأطفال الفلسطينيين وتشوههم. إن الصهيونية صنم زائف خان كل القيم اليهودية، بما في ذلك القيمة التي نعلقها على طرح الأسئلة. وهي ممارسة متأصلة في عيد الفصح بأسئلته الأربعة التي يطرحها أصغر طفل، بما في ذلك الحب الذي لدينا كشعب للنص والتعليم». وأضافت: «واليوم، يبرر هذا الصنم الكاذب قصف كل جامعة في غزة؛ تدمير عدد لا يحصى من المدارس، والأرشيف، والمطابع؛ وقتل مئات الأكاديميين والصحافيين والشعراء. هذا ما يسميه الفلسطينيون الإبادة التعليمية، أي قتل وسائل التعليم».
لا لدولة يهودية عرقية!
وتابعت كلاين: «في هذه الأثناء، في هذه المدينة، تستدعي الجامعات شرطة نيويورك وتحصن نفسها ضد التهديد الخطير الذي يشكله طلابها الذين يجرؤون على طرح أسئلة أساسية عليهم، مثل: كيف يمكنك أن تدعي الإيمان بأي شيء إطلاقاً، على الأقل نحن جميعاً، بينما تقومون بتمكين هذه الإبادة الجماعية والاستثمار فيها والتعاون معها؟ لقد سُمح لصنم الصهيونية الزائف بالنمو من دون رادع لمدة طويلة جداً». وأضافت: «لذلك نقول الليلة: كل هذا ينتهي هنا. لا يمكن أن تحتوي يهوديتنا دولة عرقية، لأن يهوديتنا أممية بطبيعتها. لا يمكن حماية يهوديتنا من قبل المؤسسة العسكرية الهائجة لتلك الدولة (العرقية)، لأن كل ما يفعله الجيش هو زرع الحزن وحصد الكراهية، بما في ذلك ضدنا كيهود»، مشيرة إلى أن «يهوديتنا ليست مهددة من قبل الناس الذين يرفعون أصواتهم تضامناً مع فلسطين، عابرين خطوط العرق والإثنية والقدرة الجسدية والهوية الجنسية والأجيال. يهوديتنا هي واحدة من تلك الأصوات، وتعرف أن في جوقة الأصوات هذه تكمن سلامتنا وتحررنا الجماعي».
وزادت كلاين أن «يهوديتنا هي يهودية عيد الفصح: التجمع في احتفال لمشاركة الطعام والنبيذ مع الأحباء والغرباء على حد سواء، وهي طقوس محمولة بطبيعتها، وخفيفة بما يكفي لحملها على ظهورنا، ولا نحتاج إلى شيء سوى بعضنا البعض: لا جدران، لا معبد، لا حاخام، هناك دور للجميع، حتى – خاصة – أصغر الأطفال». واعتبر أن «سيدر عيد الفصح هي تكنولوجيا الشتات إن وجدت، وهي مصممة للحزن الجماعي والتأمل وطرح الأسئلة والتذكر وإحياء الروح الثورية. لذا، انظر حولك. هذه، هنا، يهوديتنا. وبينما ترتفع المياه وتحترق الغابات ولا يوجد شيء مؤكد، نصلي على مذبح التضامن والمساعدة المتبادلة، مهما كان الثمن».
تحرير اليهودية
وأضافت كلاين: «نحن لا نحتاج ولا نريد صنم الصهيونية الزائف. نريد التحرر من المشروع الذي يرتكب الإبادة الجماعية باسمنا. التحرر من أيديولوجية ليست لديها خطة للسلام سوى التعامل مع الدول النفطية الثيوقراطية القاتلة في الجوار، بينما تبيع تقنيات الاغتيالات الآلية للعالم. نحن نسعى إلى تحرير اليهودية من الدولة العرقية التي تريد أن يشعر اليهود بالخوف الدائم، وتريد أن يخاف أطفالنا، وتريد منا أن نعتقد أن العالم ضدنا، حتى نركض إلى حصنها وتحت قبتها الحديدية، أو إلى – على الأقل – الحفاظ على تدفق الأسلحة والتبرعات. ذلك هو الصنم الكاذب». ولا يقتصر الأمر، بحسب كلاين، على «نتنياهو فحسب، بل العالم الذي صنعها وصنعه: إنها الصهيونية»، متسائلة «من نحن؟ نحن، في هذه الشوارع منذ أشهر وأشهر، نحن الخروج. الخروج من الصهيونية. ولأمثال تشاك شومر في هذا العالم، لا نقول: “دعوا شعبنا يخرج (من أسر الصهيونية)”. بل نقول: لقد خرجنا بالفعل. وأطفالك؟ إنهم معنا الآن». انتهى بيان الخروج.
استئناف المعركة ضد الصهيونية
شهدت الولايات المتحدة معركة فاصلة بين اليهودية الإصلاحية والمشروع الصهيوني، خاضها «المجلس الأميركي لليهودية» (منظمة اليهود الأميركيين الملتزمين) تحت شعار أن اليهود ليسوا قومية بل جماعة دينية، وأن من الواجب إحياء مبادئ اليهودية الإصلاحية، التي عارض حاخاماتها الصهيونية منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى، ودعموا الحقوق المتساوية لليهود في الدول التي يعيشون فيها. قاد هذه المعركة إلمر بيرغر، (1908-1996)، الحاخام والكاتب اليهودي الإصلاحي، المتحرر من الفكر الصهيوني، والذي وقف بوجه الإرهاب الفكري الصهيوني. وأسهم في تأسيس «المجلس الأميركي لليهودية» وقيادته بهدف التصدي لإنشاء الدولة الصهيونية، لأنها لا تمثل جميع اليهود بأي معنى قومي أو سياسي. وقد كرس حياته وجهوده وكتاباته لقضية فلسطين ومناهضة الصهيونية، وفضح ادعاءاتها، وحذّر اليهود من أساطيرها وأخطارها.
الجدير ذكره، هنا، أن الولايات المتحدة تحت إدارة هاري ترومان، كانت أول دول العالم التي تعترف بالدولة الصهيونية، بعد إعلان تأسيسها بخمس دقائق في 15 أيار 1948. يومها، ظن الجميع أن الحاخام إلمر بيرغر واليهودية الإصلاحية قد هُزما وخسرا معركتهما ضد الصهيونية نهائياً. لكن المتأمل في بيان «الخروج» اليهودي من الصهيونية والتبرؤ من «العجل الاستيطاني»، وذلك في قلب نيويورك، فضلاً الحراك الشعبي العابر للأديان والأجيال والأعراق في شوارع المتروبوليتان الغربي وجامعاته العريقة، والذي أطلقه «طوفان الأقصى»، يرى استئناف معركة الحاخام إلمر بيرغر ضد الصهيونية. المعركة لم تنتهِ، بل تُخاض بطاقة أعتى وأفق أرحب وزخم أعظم.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية