الرئيسية » كتاب وآراء » هذه الروح لاتموت .. أيهما أعلى .. أبراج دبي أم أبراج غزة؟

هذه الروح لاتموت .. أيهما أعلى .. أبراج دبي أم أبراج غزة؟

 

*نارام سرجون

 

هذه أول مرة أعرف معنى فقدان الصبر .. ان صبري قد بدأ ينفذ .. ولو كان الصبر سلعة تشرى فانني أبيع كل ماأملك وأبيع كل ماادخرت وكل ما سأجنيه في عمري من أجل دقيقة صبر اضافية ..

 

أمنيتي ان يعطيني الرب مزيدا من الصبر لأنني لم أعد قادرا على أن اتحمل .. لاأقصد تحمل القنابل والحرائق .. والجرائم .. بل انني لم أعد أطيق الشعوب العربية التي لم تفعل شيئا سوى الدعاء وممارسة الغباء .. حتى السماء ملت من الدعاء .. حتى الله أصابه الملل من زحمة الدعاء والطلب اليه .. نحن لانجيد الا الدعاء ولانجيد سوى نقل الصور وكيل الشتائم للاسرائيليين والغرب وللحكام العرب .. ولم تقدر هذه الشعوب أن تخيف مخفر شرطة ولا ان توقظ قصرا من غفوته ولم تجعل سفيرا اوروبيا ان يكتب الى دولته انه قلق من غضب الناس .. ولم تتعلم من مدارس البطولة التي تفتح مجانا لمن يريد ان يتعلم وعلى الهواء مباشرة ..

 

مدرسة غزة هي منذ اليوم أم المدارس في البطولة والصمود .. اذهلني ان كل سكان غزة شجعان .. أطفالها كبار وكبارها فلاسفة ؟؟ حتى الباعة الجوالون يستطيعون ان يجعلوا اي مثقف عربي محرجا من بلاهته وبلادته .. أذهلني أنني لم اسمع شكوى أو خوفا او رغبة في الاستسلام .. لم أسمع رجلا ولا طفلا خرج من تحت الركام وهو يتوسل الرحمة .. في غزة ..هل يعقل ان الناس في غزة يشربون حليب السباع فيما الامة العربية كلها تشرب بول البعير وبول الحمير ؟؟

اليوم نعرف معنى الابراج العالية .. كم صارت أبراج دبي مضحكة .. وكم صارت ملاعب قطر مثيرة للسخرية .. لأننا نعرف ان أبراج دبي وملاعب قطر وأهرامات الجيزة هي دمى والعاب أمام تلك الأبراج العظيمة للناس في غزة .. كلها لاتقدر ان تضاهي أبراج غزة الشاهقة التي جعلت كل أبراج العرب بلا قيمة .. وكل طفل في غزة هو أبو هول عملاق .. يقف رجال العرب أمامه مثلما يقف السياح أقزاما أمام قدمي أبي الهول وهو لايكترث بهم وينظر في البعيد الى الشمس ..

 

يخطئ كل من يظن ان حماس او حزب الله او اي مقاومة تقاتل بعناد لأنها ايديولوجيا دينية .. بل ان مايقاتل في الشرق اليوم هو روح الشرق التي يأخذها القوميون يوما .. والمتدينون يوما .. والعلمانيون يوما .. هذه الروح هي التي تقاتل .. بدليل ان أول عملية استشهادية في الشرق قام بها ضابط سوري مسيحي اسمه جول جمال لاعلاقة له بالاسلام لكن روحه هي نفسها التي انتقلت الى سناء محيدلي السورية القومية والى قصير وحسن كلبة حسن المصري الناصري الذي قام بعملية استشهادية في لبنان والى حميدة الطاهر بنت دير الزور البعثية .. واليوم هذه هي الروح التي تقاتل في غزة .. أخذها القساميون وأبناء السرايا .. ولكنها الروح ذاتها التي كلما ظن الغرب انه فتك بها وقتلها خرجت له بلبوس جديد ..

 

تلك الروح في غزة اليوم تحير العالم كله .. ظاهرة لاتشبهها ظاهرة .. وقد ظن العالم ان عدوى الموت البطيئ الذي أصاب أمة العرب والمسلمين قد أصابتها .. ففي غزة اعصار لايتعب ولايتوقف .. اعصار الشهداء .. واعصار الدم .. ويريد الغرب ان تصبح الروح في غزة مثل الروح في دبي والرياض حيث تراجعت الروح هناك ونما الجسد .. ففي خارج غزة اعتاد الناس الاخبار .. واعتادوا ان يقرؤوا عن المجازر .. وعادوا الى أعمالهم .. في الوقت الذي كان عليهم ان ينزلوا الى الساحات واقتلاع السفارات اقتلاعا وتحويلها الى شوارع وهدمها كما تهدم أبنية غزة .. ومن سيحاسب الجماهير الغاضبة؟ محكمة الجنايات الدولية ام مخافر الشرطة المحلية؟؟

 

ارجو أن نتوقف عن لعن الزعماء وشتم الجامعة العربية .. لأننا كشعوب لم نهدم هذه الجامعة ولم نهدم ثقافتها الرديئة .. لذلك فاننا نستحق هذه الجامعة ونستحق هذه الزعامات ونستحق ان يحتقرنا العالم .. لأننا كان علينا ان نكون طوفانا بشريا في كل عاصمة امام السفارات الغربية ونحاصرها .. ونغلق كل مكاتبها التجارية .. ولو فعلنا ذلك لرأى الاسرائيليون انهم تسببوا في انفجار ثوري عربي .. ولطلب الغرب من اسرائيل ايقاف المجزرة بسرعة وحرب الابادة على الاقل ..

 

نحن من يقتل غزة وليس الاسرائيليون .. لاننا لم نفعل شيئا وانتظرنا الله ان يتدخل فيما بايدن لاينتظر الله .. بل ان بايدن يرسل اليه أطفالنا ونساءنا جثثا متفحمة او أشلاء .. وتاكدوا ان الله لن يحاسب بايدن ولا نتياهو .. بل سيحاسبنا جميعا لأننا نحن من شجع القاتل .. ونحن من أعطيناه اشارة البداية ليقتل .. وهو يقتل بمباركتنا كشعوب مشغولة بالتافهات من الامور .. وسلمنا قيادة أمورنا للدوحة والرياض ودبي بعد ان كانت دمشق وبغداد والقاهرة هي العواصم التي تعلم وتثقف وتصنع الجماهير التي لاتستسلم .. ومنها تعلم الناس اللاءات والرفض والعصيان .. وكانت تعلم فن المقاومة والاستنزاف والتضحية .. ولم يبق من مدارس اللاءات الثلاث الا غزة .. فيما سقطت عواصم العرب بين سنابك النفط وحوافر الامراء .. وثغاء النخبة العربية التي ترضع النفط .. وتموء كالقطط تحت عباءات الأمراء والملوك .. ويعبدون أبراج خليفة ويسبحون بحمد آل ثاني ..

 

غزة هي أخر ماتبقى من تلك الصناعة الثورية التي نسجتها بغداد ودمشق والقاهرة في زمن الثورة .. فيما العرب بعد أن فرغوا من قتل عواصم الثورة في القاهرة وبغداد وطعنوا دمشق ينتظرون ان تموت غزة كي يذهبوا الى صلاة الجنازة ويقوموا بواجبهم .. لدفن ماتبقى من الروح التي لاتموت ..

لكن ماأغباهم .. وهل تموت الروح؟؟

هذه الروح لاتموت ..

تموت الشمس ولاتموت ..

(سيرياهوم نيوز ١-الكاتب)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

رئيسي وصورة الوداع الأخير

  رأي حسين إبراهيم شمس الدين   منذ بضعة أيام، كنت أستقلّ سيارة أجرة في إيران، يقودها جريح فقد قدمه في الحرب – بحسب الظاهر ...