علي عواد
وصل الملياردير الجنوب أفريقي صباح أمس، إلى كيان الاحتلال في زيارة يهدف فيها إلى لملمة ما حدث على منصة X أثناء حرب التطهير العرقي التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة. زيارة سيحاول قادة الاحتلال استخدامها في شتى الطرق في الأيام القادمة، أولها غسل أيديهم من دماء أطفال غزة عبر إظهار أنفسهم إلى جانب عملاق التكنولوجيا وريادة الأعمال المحبوب حول العالم
لم تكد قدما إيلون ماسك تطآن أرض فلسطين المحتلة، حتى هنّأه وزير الاتصالات الإسرائيلي، شلومو كاري، على التوصل إلى «تفاهم كبير مع وزارة الاتصالات» يضمّن «عدم إمكانية تشغيل منظومة «ستارلينك» لإنترنت الفضاء في «إسرائيل» وقطاع غزة إلا بموافقة وزارة الاتصالات الإسرائيلية». وأضاف كاري: «بينما تحارب إسرائيل ضد حماس/ داعش، فإن هذا الفهم أمر حيوي، كما هي الحال بالنسبة إلى كلّ من يرغب في عالم أفضل، خالٍ من الشر ومعاداة السامية، من أجل أطفالنا (…) أثناء مدة وجودك في إسرائيل، آمل أن تتمكن من اكتساب رؤية قيّمة، وأن تكون بمنزلة نقطة انطلاق للمساعي المستقبلية، فضلاً عن تعزيز علاقتك مع الشعب اليهودي والقيم التي نتقاسمها مع العالم أجمع». عملياً، لا شيء جديداً من ناحية «ستارلينك» في تصريح كاري. بُعيد إعلان ماسك في 28 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي عن نيته تزويد منظّمات الإغاثة في غزة بالإنترنت عبر «ستارلينك»، سارع شلومو كاري يومها إلى القول إنّ «إسرائيل ستستخدم كل الوسائل لمنع إيلون ماسك من تفعيل المنظومة»، مضيفاً أن حركة «حماس» ستستخدم «ستارلينك» في الأنشطة «الإرهابية». ردّ ماسك حينذاك بتعليق قائلاً «نحن لسنا ساذجين(…) سنقوم بإجراء فحص أمني مع كل من الحكومتين الأميركية والإسرائيلية قبل تشغيل حتى محطة واحدة». بالتالي، لا جديد في إعلان وزير اتصالات العدو عن التفاهم.
بالعودة إلى ما يهمنا فعلياً من زيارة ماسك، أي انعكاسها على حرية التعبير في منصة X، لا تزال الأمور ضبابية في هذا الجانب. هي تحتاج إلى مراقبة المنصة في الأيام القادمة. لكن، لا بدّ من الإشارة إلى الصورة الأكبر حول ماسك ومنصة X، وطرح السؤال الأساسي، لِمَ دخل إيلون ماسك عالم منصات التواصل الاجتماعي أساساً؟ ما الذي يدفع بملياردير يملك مجموعة من أبرز شركات التكنولوجيا في العالم، أن يتسبّب لنفسه في صداع يوميّ بسبب امتلاك منصة تواصل اجتماعي؟ للإجابة عن تلك التساؤلات، لا بدّ من الإشارة إلى الفيل الكبير في الغرفة: الرئيس الـ45 للولايات المتحدة، دونالد ترامب. لم يتوانَ الرئيس السابق عن انتقاد إيلون ماسك أثناء حملاته الانتخابية في أيلول (سبتمبر) 2022. اتّهم ترامب يومها، ماسك، بطلب المساعدة لمشاريع مثل «السيارات الكهربائية التي لا يمكن قيادتها لمدة طويلة بما فيه الكفاية» و«السيارات الذاتية القيادة التي تتحطم»، فضلاً عن انتقاد صواريخ شركة «سبايس إكس». وأكد ترامب أنّه رغم كون ماسك أغنى رجل في العالم، سيكون «عديم القيمة» من دون الإعانات التي قُدمت له أثناء رئاسة ترامب، مدّعياً أنّ ماسك أعرب ذات مرة عن إعجابه به. وروى الرئيس السابق استعداد ماسك للامتثال لطلبات ترامب، قائلاً: «كان في إمكاني أن أقول لك اركع على ركبتيك وتوسّل، وكان سيفعل ذلك». كذلك، نحن في حاجة إلى العودة إلى ما حصل تلك المدة قبل استحواذ ماسك على تويتر. في ذلك الوقت، رفعت تويتر دعوى قضائية ضد ماسك بعد محاولته التراجع عن عرضه بقيمة 44 مليار دولار لشراء المنصة. كما تعرّض ماسك لانتقادات هائلة من مستخدمي تويتر اليمينيين الذين اعترضوا على تغريدة لماسك، قال فيها إنّ «ترامب الذي يواصل الادّعاء كذباً بأنه فاز في الانتخابات الرئاسية لعام 2020»، يجب أن «يعلّق قبعته ويبحر نحو غروب الشمس». ثم عاد ماسك وغرّد بأنه سيصوت لمصلحة الحزب الجمهوري للمرة الأولى، قائلاً في تغريدة على تويتر: «في الماضي، كنت أصوّت للحزب الديموقراطي، لأنهم (في الغالب) كانوا حزب اللطيفين. لكنهم أصبحوا حزب الانقسام والكراهية، لذلك لم يعد في إمكاني دعمهم وسأصوت لمصلحة الحزب الجمهوري». وهنا حدث أمر بالغ الأهمية، رد ترامب على ماسك أثناء تجمّع حاشد في ألاسكا بعد يوم من إعلان ماسك بأنه سيلغي عرضه للاستحواذ على تويتر. قال ترامب إن ماسك أخبره سابقاً أنه صوّت لمصلحة الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية في عام 2016، أي إنّ ماسك كذب في أنه لم يصوّت أبداً لمصلحة الحزب الجمهوري سابقاً. وأضاف ترامب: «إنه مجرد فنان آخر في التفوّه بالهراء» (He’s another bullshit artist). وبعد هذا الأخذ والرد كله، اشترى ماسك مكرهاً منصة تويتر بمبلغ أكثر مما يجب بكثير. ذلك أن ترامب في حاجة إلى وجود تلك المنصة إلى جانبه قبل انتخابات عام 2024 الرئاسية المقبلة. ولم يتحمل ماسك إذلال ترامب له عبر تذكيره بمن جعله على ما هو عليه.
قد تحدث رقابة على بعض الحسابات وربما إغلاق مجموعة محددة
من هنا، نفهم أن وجود منصة X بشكل يسمح بحرية التعبير أمر ضروري وحاسم بالنسبة إلى أقطاب اليمين وجمهور ترامب. حُرّرت المنصة من قبضة الحزب الديموقراطي بكلفة باهظة جداً (44 مليار دولار) لهدف واحد فقط، مساعدة ترامب في الوصول إلى البيت الأبيض في الانتخابات المقبلة كما ساعدته في عام 2016. بالتالي، من غير المرجح أن يستطيع قادة الاحتلال استمالة ماسك لجعل المنصة قمعيةً على شاكلة منصات «ميتا» المختلفة. فالقضية أكبر من نتنياهو الذي لم يترك ترامب فرصة إلا ووبّخه فيها في حملاته الانتخابية الأخيرة، قائلاً «لن أنسى كيف تخلّى عن المشاركة مع الجيش الأميركي في اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، قبل يوم من العملية». علماً أنّ العلاقة بين ترامب ونتنياهو ليست على ما يرام منذ سنوات، وهو ما أشار إليه الصحافي الإسرائيلي، باراك رافيد، بعد إجرائه مقابلتين مع ترامب من أجل كتاب يروي عن تلك الفترة في 10 كانون الأول (ديسمبر) 2021. بحسب رافيد، كانت القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة إلى ترامب، عندما هنّأ نتنياهو الرئيس المنتخب بايدن على فوزه في الانتخابات، بينما ترامب كان لا يزال يتنازع على النتيجة. وينقل عن ترامب أنّ «أول شخص هنّأ [بايدن] كان بيبي نتنياهو، الرجل الذي فعلت من أجله أكثر من أي شخص آخر تعاملت معه… كان في إمكان بيبي أن يبقى هادئاً. لقد ارتكب خطأ فادحاً»، مضيفاً جملة عادة تتمّ ترجمتها إلى «تباً له».
ذلك كلّه يجعل من احتمال بقاء منصة X بشكلها الحالي أمراً أقرب إلى ما سيحدث. علماً أنه قد تحدث بعض الأمور مثل تشديد الرقابة على بعض الحسابات وربما إغلاق مجموعة محددة. لكن من المستبعد أن تنقلب خوارزميات منصة X فجأة على حرية التعبير.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية