لم تُعلن المُعارضة التركيّة “التحالف السّداسي”، مُرشّحها التوافقي لمُنافسة الرئيس رجب طيب أردوغان بعد، ولكن يجري الحديث عن نيّة رئيس بلديّة إسطنبول أكرم إمام أوغلو التقدّم للانتخابات بشكلٍ مُستقل للمُنافسة، وهو خيارٌ لا تُحبّذه المُعارضة، ولكن رغبة زعيم حزب الشعب الجمهوري المُعارض كمال كليتشدار أوغلو أكبر أحزاب المُعارضة الوصول للسلطة لا يُمكن إغفالها، لذلك يعمل التحالف السداسي وأبرزهم حزب “الجيد” حتى الآن للتوافق على المُرشّح التوافقي الذي ينجح بالإطاحة بالرئيس أردوغان.
الانتخابات التركيّة التي قد تنعقد قبل موعدها الرسمي بشهر، أيّار/ مايو، ليست حدثاً عابرًا، وأوروبا والغرب، والولايات المتحدة، ينتظرون إعلان الفائز بل إن الصحافة العالميّة وصفت تلك الانتخابات بالحدث المفصلي، فالرئيس أردوغان يُعطّل انضمام السويد على خلفيّة إحراق القرآن لحلف الناتو، كما أن سياسته وفق التقديرات الروسيّة ترفض الضغوط لصالح الميل لكفّة أوكرانيا، ثمّة تساؤلات وتحذيرات مطروحة إعلاميّاً، حول إمكانيّة حُصول تدخّل غربي بالانتخابات التركيّة، للتخلّص من أردوغان، وصُعود المُعارضة للسلطة، فهي ستكون أقرب لواشنطن من موسكو، لكن يقول رافضون لهذه التحذيرات، بأنّ سياسات أردوغان تُجاه الولايات المتحدة لم تكن بذلك السّوء، رغم أن أمريكا حتى الآن لم تُسلّمه فتح الله غولن المسؤول عن ترتيب الانقلاب الفاشل وفق اتّهامات الرئيس التركي، وبقي الأخير يسعى لشراء طائرة “إف35” وأنظمة الدفاع الجوّي الأمريكيّة.
استطلاعات الرأي الشعبيّة لكن، تُظهر بعضها تراجع شعبيّة الرئيس أردوغان، على خلفيّة سياساته الداخليّة، أكثر منها الخارجيّة، فالمُواطن التركي يهمه قوت يومه، وتراجع ليرته أمام الدولار، والتضخّم (60 بالمئة)، وسداد ديونه، واستمرار أعماله، وهو وحده من سيُحدّد الفائز عبر صناديق الاقتراع، وقضايا مثل موقف أردوغان الرافض لحرق القرآن، أو سياساته التطبيعيّة، وإدانته للعمليّات الفدائيّة، وآخرها عمليّة القدس، ومُنفّذها الشهيد خيري علقم، الذي نجح في إسقاط 7 مُستوطنين قتلى، قد لا تترك فرقاً في عقل الناخب التركي.
المُعارضة التركيّة، قد تكون تنبّهت لمسألة اهتمام الشارع التركي بالسياسة الداخليّة بالأكثر، وهي تُركّز بالفعل ضمن حملاتها الانتخابيّة على حماية المُحجّبات، وطرد اللاجئين، ورفع الحد الأدنى للأجور، وتحسين المُستوى المعيشي، الأمر الذي يُفسّر تجنّبها تقديم تفصيلات بشأن سياساتها الخارجيّة، التي ذهبت للعُموميّات بالأكثر، واستعرضت مُذكّرتها تسعة عناوين رئيسيّة و75 عُنواناً فرعيّاً، تعلّقت بالقانون، والقضاء، وإدارة البلاد، ومُكافحة الفساد، والشفافيّة، والاقتصاد والابتكار، والتحوّل الرقمي.
ويكتنف موقف طاولة “التحالف السّداسي” الغُموض، حال وصوله للسلطة، فهي لم تُظهر موقفاً مُؤيّدًا في مُذكّرة التفاهم التي أعلنتها بخُصوص خططها بعد الفوز بالانتخابات، لجهة في الحرب الروسيّة- الأوكرانيّة واكتفت بالإشارة إلى حوار مُتوازن وبنّاء مع الاتحاد الروسي بشكل مُؤسّسي وليس قيادي، وشكل علاقاتها مع دول الخليج لم تتطرّق له، وتأكيد موقفها الإيجابي والانسحاب من سورية لخصّته ببدء اتصال وحوار مع إدارة دمشق، وموقفها من دولة الاحتلال الإسرائيلي ذهب باتجاه العُموميّات فهي ستلتقي مع كافّة الأطراف ذات الصّلة وعلى أساس حل الدولتين، ولكن زعيم المُعارضة كمال كليتشدار أوغلو، تبنّى وحيدًا مُشاركة الشعب الإسرائيلي آلامه في برقيّة عزاء، أرسلها لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
في العناوين العريضة التي أبرزها تحالف المُعارضة السّداسي في شرحه لسياساته الخارجيّة، بأنه سيعمل على إكمال عُضويّة تركيا في الاتحاد الأوروبي (بقيت مُجمّدة مُنذ فبراير 2019)، وهو ما يُنظر له على اعتبار أن المُعارضة التركيّة حال وصولها للسلطة، لعلها ستكون أقل مُناكفة، أو أقرب لسياسات الغرب كما ينتقد مُوالون لسياسات الرئيس التركي، وحزب العدالة والتنمية الحاكم.
وبينما يذهب الرئيس التركي إلى “أسلمة” المظاهر العامّة في بلاده، والظهور بمظهر السلاطين العثمانيين، يُعيد تحالف المُعارضة شعار مؤسس الجمهوريّة التركيّة الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، بالقول، بأن المبدأ الأساسي للسياسة الخارجيّة التركيّة سيكون شعار أتاتورك “السلام في الداخل، السلام في العالم”.
وتُطرح تساؤلات، حول السياسات التي تتبعها المُعارضة عبر وزارتها الخارجيّة، فالأخيرة (المُعارضة) أشارت إلى أن الوزارة المذكورة، سيُعاد هيكلتها وفقاً لظُروف القرن الحادي والعشرين، فما هي تلك الآليّة، وكيف تنظر المُعارضة لظروف القرن الحادي والعشرين والتعامل معها.
وبينما تُظهر تركيا تراجعاً على مُستوى الحُريّات، تعهّد التحالف السداسي بالالتزام بالاتفاقيّة الأوروبيّة لحُقوق الإنسان، وتنفيذ قراراتها.
ويُوجّه للمُعارضة التركيّة من قبل البعض الرافض للسياسات الأمريكيّة في المنطقة، انتقادات بأنها قالت في مذكرتها للسياسات الخارجيّة، بأن علاقاتها ستكون على أساس مُؤسّسي، والدفع بعلاقات التحالف مع الولايات المتحدة، فالبعض كان ينتظر منها سياسات أقل انفتاحاً على الأمريكيين، وتحديدًا بعد شراء تركيا نظام الدفاع الجوّي الروسي “إس-400″، حيث أشارت المُعارضة بأنها ستبذل جهدها لإعادة تركيا إلى برنامج الطائرات المُقاتلة “إف 35″، ما يعني ابتعادًا ربّما عن روسيا، وتحالفاً مع إدارة أمريكيّة تدعم الأكراد.
بكُل الأحوال، هذه مُذكّرة تطرح فيها المُعارضة التركيّة تصوّرات أولى لسياساتها الخارجيّة، وهي تُعبّر عن 6 تحالفات مُتحالفة للإطاحة أردوغان، وقد يصعب عليها بالضرورة التوافق التام على تفصيل هذه السياسات أمام الأتراك، والعالم، وقد تتوضّح هذه السياسات حال وصول مُرشّح المُعارضة للسّلطة، ولكن تبدو هذه السياسات أكثر حكمة، ودبلوماسيّة، وقد يكون من الأفضل لهذه المُعارضة التي تقترب من المُنافسة على حُكم تركيا، تحسّس طريقها جيّدًا، ولعلّ من الحكمة عدم الإعلان عن سياسات تصادميّة مع الجميع على طريقة أردوغان وبراغماتيّته، والتأنّي تماماً كما فعلت مع عدم إعلان اسم مُرشّحها حتى الآن، وهُناك قاعدة تقول لضمان الفوز: “إظهر بمظهر الضعيف أمام خُصومك، وحين تتأكّد من ارتياحهم لضعفك.. إضربهم بالمُفاجآت”.. فمن سيضحك أخيرًا في الانتخابات؟.. الإجابة بيد الشعب التركي وحده.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم