تفشت موضة عمليّات التّجميل وتقنيّاته في مجتمعنا حتّى غدت هوساً يغزو عقول النّساء والرّجال ومن مختلف الفئات العمريّة، وانتشرت مراكز وعيادات وصالونات التّجميل بشكلٍ كبيرٍ، ولاقت إقبالاً يشبه السّباق من دون النّظر إلى سلبيّاته، وإلى أنّ جميع هذه المراكز هدفها ربحيٌّ وتجاريٌّ.
والسّؤال هنا: هل جميع هذه المراكز والصّالونات مرخّصة ومراقبة من قبل مديريّة الصّحة؟ وما سبب الإقبال الكثيف عليها؟
هوسُ يلاحقُ الشّباب
فتاة في الثّامنة عشرة من عمرها أكدت لـ””تشرين” أنها أجرت عمليّة تجميل أنف، ورغم ممانعة الأهل في البداية أصرّت على إجرائها بتشجيع زميلاتها الّلواتي خضعن لهذه العمليّة، وهي مقتنعة بها برّغم معاناتها من صعوبة في التّنفس.
مضيفة: لم يكن السّبب زميلاتي فقط، بل المجتمع ووسائل التّواصل الاجتماعيّ. حيث كنت أشاهد الفيديوهات والصّور الّتي تنشر للمشاهير عن العمليّات وأتمنّى أن أصبح بجمالهنّ، والآن أفكّر بعمليّة لشفاهي وحواجبي كي أكون مثل غيري من الفتيات.
بدورها تبيّن السّيدة رنا أنها رفضت عمليّات التّجميل وهي ضدها، بسبب تأثيراتها السّلبية مع التّقدم في العمر الّتي شاهدتها على عددٍ ممّن قمن بإجراء جراحات تجميليّة، حتّى إنّ عدداً منهن تشوّه مظهرهنّ بطريقةٍ بشعة وهي مقتنعة بما أعطاها الله من مظهر.
مرض نفسيّ
تشير الاختصاصيّة الاجتماعيّة أمل عبود إلى أنّه من أسباب إقبال الكثيرات على عمليّات التّجميل وتقنيّاته، هو اعتقادهنّ بأن جمالهنّ منقوص، والسّبب الأساسي وراء قناعتهنّ هذه هي وسائل الإعلام ومواقع التّواصل والإعلانات، وهنا يجب أن يمتلك الجميع ومنذ الصّغر ثقافة الثّقة وحب النّفس، ليحبوا جسدهم وتكوينه، وأن عمليّات التّجميل وجدت لهدف إصلاح ومعالجة التّشوّهات الخلقيّة وآثار الحروق والإصابات والحوادث، وليست هوساً وسباق استنساخ ملامح أخرى.
عمليات التجميل أضحت هدفاً وليست حاجة
ولفتت إلى أنه يجب أن يعلم الجميع أنّ كلّ فيديو أو إعلان هو مدفوع الثّمن، هدفه أن يصل الجميع إلى حالة عدم القناعة بالنّفس تصل لحدود مرضٍ نفسيّ، والمستفيد الوحيد هو الطّبيب ومراكز وصالونات التّجميل ومعامل الأدوية ومستحضرات التّجميل، منوهة بأن هناك ارتباطاً واضحاً بين عمليّات التّجميل والحالة النّفسيّة للشّخص، وأن الكثير ممّن يريدون إجراء عمليّات التّجميل، قد يعانون اضطراباً نفسياً.
إجراءات لضبط المخالفين
في هذا السّياق صرّح مدير الصّحة في طرطوس الدّكتور أحمد عمّار لـ”تشرين”، أنّه لا مانع لدى المديريّة من افتتاح مراكز تجميل في المحافظة، شرط الحصول على التّراخيص الّلازمة والتّقيّد بالتّعليمات النّاظمة والمعمّمة من وزارة الصّحة والالتزام بمعاييرها تحت طائلة المسؤوليّة، ويتم اتّخاذ الإجراءات القانونيّة بحقّ كلّ مخالف.
تنبيهٌ.. إنذارٌ.. إغلاق..
بدورها، أشارت مسؤولة دائرة المشافي في مديريّة صحّة طرطوس الدّكتورة ندى مصطفى، إلى أنّ هناك مركزاً طبّياً وتجميليّاً واحداً مرخّصاً في محافظة طرطوس، وأنّ عيادات أطبّاء الجلديّة وعيادات الجراحة التّجميليّة مرخّصة، لكن هناك الكثير من المراكز التّجميلية بدأت بالتّرخيص.
مبيِّنة أن مديريّة الصّحة تلاحق المراكز غير المرخّصة، وتقوم بالإجراءات الّلازمة من تنبيهٍ إلى إنذارٍ ثمّ رفع للوزارة وإغلاق. وفيما يخصّ الصّالونات، يُمنع ممارسة تقنيّات التّجميل فيها من “بوتكس وفيلر وليزر”، وفي حال ورود شكوى تقوم المديريّة بمعاينة الوضع ثمّ تنفيذ الإجراءات بدءاً بالتّنبيه وصولاً إلى الإغلاق.
النقابة لا تقمع المخالفات
من جانبه، أكد نائب وأمين سرّ نقابة الأطبّاء في طرطوس الدّكتور أحمد عبّاس أنّ هناك مخالفات في مراكز التّجميل، وهي غير مضبوطة وغير مقوننة وتقوم بأعمال مسيئة للمراجعين من ابتزاز واستغلال وأخطاء وتشويه.
من بين العشرات.. مركزٌ تجميليٌّ وحيد مرخّص في طرطوس..
وأضاف عبّاس: نطلب من الجهات المكلّفة متمثّلة بـ “مديريّة الصّحة” قمع هذه المخالفات وعدم السّماح لمراكز التّجميل بالعمل إلّا وفق الشّروط الوزاريّة، ونوّه بأنّ دور النّقابة هو مراقبة وكشف، وغير مسموح لها بقمع المخالفة، و يقترح أن تكون للنّقابة ضابطة لقمع المخالفات الطّبيّة التّجميليّة وغيرها.
وفيما يخصّ الأسعار الجنونيّة لعمليّات التّجميل وملحقاتها، أشار عباس إلى أنّ التّسعير شخصيّ، حيث إن كلّ طبيبٍ ومركزٍ يحدّد حسب تقديره، وإنّ هناك تخبّطاً فيما يخصّ التّسعيرة، حيث لا مديريّة الصّحة ولا النّقابة ولا الوزارة من يحدّد التّسعيرة، وهذا ما يفسر تباين التسعيرة بين طبيب وآخر.
عمليّات التّجميل وفق الحاجة..
من جهتها أوضحت اختصّاصيّة التّجميل الدّكتورة جلنار عمّار أنّ عمليّات التّجميل في ازدياد، وأنّها تفضّل ألّا يجريها إلّا الشّخص الّذي يحتاجها لأنّها تسبّب أحياناً تشوّهات. وبالنّسبة لتكاليف العمليّات، فإنّ المراجعين انقسموا إلى فئتين، فئة تراجع المشفى وفئة في العيادات سعياً وراء التّكلفة الأقل، أمّا فيما يخص نسبة الأمان، فهي تعتمد على نوعيّة المواد المستوردة والتّعقيم ضمن العمليّة الجراحيّة وبعدها.
ختاماً: كَثُرَت عمليّات وتقنيات التّجميل، وبات الأمر يميل إلى المنافسة ورفضاً لسُنّةٍ كونيّة اسمها آلة الزّمن وحتميّة تقادم الأعضاء وتغيّر الملامح، وأنّ الّذي يبقى هو جمال القلب وصفاء السّريرة، وأنّ الصّباغة مهما كانت درجة جودتها لن تدوم.
سيرياهوم نيوز 2_تشرين