| جمال غصن
نعم أميركا هي الشيطان الأكبر، وهوليوود هي من أهمّ أذرع هذا الشيطان، ولكن…
الولايات المتّحدة الأميركية، رغم ممارساتها الإمبريالية وما يبدو صفاءً أيديولوجيّاً، تحوي شعباً من مئات الملايين متنوّع الأفكار والأعراق والطبقات، ومعظمه ضحيّة لما يسمّى «الحلم الأميركي». الحلم هذا جزءٌ كبير منه صنعته هوليوود التي لها باع طويل في صناعة البروباغندا لسياسات واشنطن وذلك موثّق في العديد من الكتب والمقالات التي تروي قصصاً عن دور وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) في تمويل أفلامٍ ومسلسلات ومواضيع تهمّ الدولة العميقة. ليس صدفة أن تكون الأفلام المرشّحة للأوسكار في كلّ عام تدور حول الترويج لموضوع محدّد، وليست قوى السوق التي تسوّق ذلك، فقوى السوق حدّدت أن السينما المربحة هي «فرنشايزات الأكشن»، والمسلسلات الناجحة هي «كليشيهات نتفليكس» التي طغت عليها أخيراً «ثقافة اليقظة» (Woke Culture) التي تحاكي الفردانية الهويّاتية باسم اللَّبْرَلَة. لكن رغم ذلك هناك في هوليوود قلائل يخرقون هيمنة السوق والمخابرات من خلال إنتاجات إبداعية مخالفة لما هو سائد. طبعاً، حاليّاً لا يخرق أحد شيئاً إذ تشهد هوليوود إضراباً لكتّابها وممثّليها، لكننا نتحدّث بشكلٍ عام.
قبل يومين، استمعت إلى حوارٍ يسعى إلى جمع التبرّعات لصندوق التعاضد للكتّاب المضربين، ضمّ الكاتبَين والمخرجَين المغرّدين خارج السّرب الهوليوودي بوتس رايلي وتشارلي كوفمان. رايلي مغنّي راب أخرج فيلم «عذراً على الإزعاج» (Sorry to Bother You) ومسلسل «أنا برج العذراء» (I am a Virgo)، بينما مسيرة كوفمان السينمائيّة تشمل درراً إبداعية منوّعة، أبرزها «التكيّف» (Adaptation) و«أن تكون جون مالكوفيتش» (Being John Malkovich) و«سينكدوكي، نيويورك» (Synecdoche, New York) و«الإشراق الأبدي للذهن الناصع» (Eternal Sunshine of the Spotless Mind). الحوار الذي كان يقوده المخرج إد سولومون على منصّة زووم، كان يتمحور حول عمليّة الكتابة الإبداعيّة، والعادات التي يمارسها الكاتبَين التي قد تفيد هواة أو محترفي الكتابة. الحديث كان ممتعاً لكنّ الأهمّ هو البعد السياسي لمن تمكّنوا أن يتكيّفوا مع هوليوود رغم الخلاف الأيديولوجي مع ماكينة البروباغندا الأميركيّة. بوتس رايلي يعرّف عن نفسه بأنّه شيوعيّ، بينما تسخر أعمال كوفمان السوداويّة من الثقافة السائدة في العالم الذي نعيش فيه، بما فيها «اليقظة» منها. زد على حديثهما عن اتحاد الكتّاب والإضراب والاحتجاجات وتخال أن هوليوود تشهد ثورة. لكنّ الواقع طبعاً مخالف لذلك، ما يطلبه المضربون هو رقمٌ زهيد مقارنة بما تجنيه استوديوات هوليوود الكبرى. كوفمان قارن المبلغ المطروح إذا ما تمّ الخضوع لمطالب الإضراب كافة بأجر مدير تنفيذي واحد في شركات الإنتاج، لكن رغم ذلك، لم ترضخ رؤوس أموال هوليوود، إذ إن المنطق السائد في بلاد العم سام هو أنه لا يمكن أن تسمح لتحرّك عمّالي أن ينجح فذلك عكس «الحلم الأميركي» تماماً.
تعيش الولايات المتّحدة اليوم كابوس الترهّل. يظهر ذلك من رأس هرَمِها الهرِم إلى إنتاجاتها السينمائية المعلوكة. التجدّد الوحيد الممكن ضمن العقلية المهيمنة هو على شاكلة دونالد ترامب، الذي كان إنتاجاً هوليووديّاً هو الآخر قبل أن ينقلب تيّاراً سياسيّاً جارفاً لا تعرف المنظومة كيف تضبطه. في ظلّ إضراب كتّاب وممثلي هوليوود لن ينتج ترامباً جديداً، ولن يكون الإضراب ثورة. لكن لا ضير في قليل من التّكيّف مع مطالب العمّال، وإلّا لن يكون هناك لـ«باربي» جزءاً ثانياً، لا سمح الله.