منذ مطلع الخمسينيات وحتى اليوم عرفت كأس العالم لكرة السلة سيطرةً لمنتخباتٍ مختلفة، لكنّ أيّاً منها لم يكن من القارتين الآسيوية والأفريقية، وهو أمر انسحب على كأس العالم المقامة حالياً في الفيليبين، اليابان وإندونيسيا.
بالفعل لم تشفع للآسيويين استضافتهم للبطولة في القارة الأكبر في العالم، إذ بعيداً من أستراليا التي تقع أصلاً في أوقيانيا، لم يتأهل أي منتخب آسيوي إلى الدور الثاني في المونديال، وبعيداً أيضاً من نيوزيلندا (حقّقت فوزاً وحيداً على الأردن) الواقعة في القارة الأوقيانية والمحسوبة على آسيا بشكلٍ أو بآخر، فإن أكثرية المنتخبات الآسيوية الستة لم تتمكن من تحقيق أي انتصار، ما عدا اليابان الفائزة على فنلندا، لكنها مثل الصين، الأردن، إيران، لبنان والفيليبين، لقيت المصير المرير بالخروج من الدور الأول للبطولة.

هي مسألة مفاجئة بلا شك بعدما تطوّرت كرة السلة الآسيوية سنةً بعد أخرى، واكتملت مع عدم تأهل أي منتخب أفريقي إلى الدور الثاني، بحيث اكتفت منتخبات مصر، أنغولا، الرأس الأخضر، ساحل العاج وجنوب السودان بتحقيق كل واحدٍ منها انتصاراً واحداً في دور المجموعات.

تغيير الاستراتيجية

كل هذا حصل رغم النمو الرهيب على صعيد المواهب الأفريقية التي قدّمت أخيراً لاعبين بارزين إلى الأندية الكبرى في القارة الأوروبية، وأيضاً في الدوري الأميركي للمحترفين. والأمر عينه يمكن اعتباره بالنسبة إلى منتخباتٍ آسيوية جذبت بطولاتها الوطنية نجوماً معروفين سبقوا أن لعبوا على أعلى مستوى، فكان مثلاً خروج الصين والفيليبين من دون أي انتصار وساحل العاج بانتصارٍ يتيم من أكبر الخيبات بالنسبة إلى القيّمين على كرة السلة في القارّتين الصفراء والسمراء على اعتبار أن هذه المنتخبات كانت مرشّحة لفعل أكثر مما قدّمته.

الخيبة الكبرى يفترض أن تدفع إلى تغيير استراتيجية العمل على مستوى القارّتين الصفراء والسمراء

هذه الخيبة الكبرى يفترض أن تدفع إلى تغيير استراتيجية العمل في كرة السلة على مستوى القارتين بعدما ظهرت فوارق كبيرة بين المنتخبات الأوروبية والأميركية ونظيرتها الآسيوية والأفريقية. وهذه المسألة عرفها الاتحاد الدولي منذ زمنٍ بعيد لدرجةٍ نرى أنه لا يمانع تجنيس أي منتخبٍ آسيوي للاعبٍ لا يمتّ بأي ارتباط للبلاد التي يلعب لها، والهدف من هذه الخطوة هو تضييق الهوة والفوارق في المستوى بين المنتخبات.
لكنّ الواقع أن وجود لاعبٍ واحد مجنّس لا يمكن أن يخلق فارقاً حاسماً، إضافةً إلى أن ما يتمّ تجنيسه من لاعبين أميركيين بالنسبة إلى منتخباتٍ آسيوية مثل لبنان والأردن يأتي ضمن القدرة المحدودة على الإنفاق، إذ إن اللعبة في المنطقة لا تدرّ أموالاً كبيرة بحجم تلك التي تعرفها السوق الشرق آسيوية مثل الصين حيث تُدفع الرواتب العالية للاعبين الأجانب.

المستوى التنافسي
بكل الأحوال، يتحمّل الآسيويون في مكانٍ ما عدم الجديّة في التعاطي مع بطولاتهم القارية، وهو ما دلّت عليه الأمور في كأس آسيا الأخيرة حيث غابت منتخبات عدة عن المشاركة بنجوم الصف الأول، ما يضعف الاحتكاك ويقلّص من المستوى التنافسي، وبالتالي ينعكس سلباً على المستوى الدولي لهذه المنتخبات التي ينتظر الكثيرون منها مناسباتٍ من هذا النوع لرفع القدرات التنافسية للاعبيها على الصعيد الدولي.
ربما تفوّقت أفريقيا في هذا الإطار، وبدت النتيجة واضحة من خلال انتصارات منتخباتها في هذا المونديال، إذ خلقت بطولة الأندية الخاصة بها (BAL) بُعداً أكبر للمنافسة، ومع دخول رؤوس الأموال إليها بدت أقوى بكثير من قبل، واستطاعت من خلالها تقديم لاعبين إلى بلدانٍ متقدّمة على صعيد اللعبة، وهو ما انعكس تالياً على أداء منتخباتهم في الساحة المونديالية.
إذاً كل شيء يبدأ من خلال ما يصنعه القيّمون في كل قارة، وهو ما أقدم عليه الأوروبيون منذ زمنٍ عندما أطلقوا بطولة الـ«يوروليغ» التي تضاعفت قوتها موسماً بعد آخر بفعل تسويقها الممتاز، فهبّت إليها الشركات الراعية من كل أنحاء القارة، وباتت مبارياتها هي الأكثر متابعةً بعد الدوري الأميركي للمحترفين، الذي استفاد منها بشكلٍ مباشر من خلال نقل نجومها إلى أنديته. وهذا الأمر أكمل دورة النجاح التي سعى إليها الأوروبيون لأن نجومهم المنتقلين إلى دوري العمالقة عادوا أفضل وأقوى، فباتت منتخبات أوروبية كثيرة قادرة على إحراج الأميركيين لا بل التفوّق عليهم في أحيانٍ كثيرة، حيث بات من المؤكد أنهم ليسوا وحدَهم في الساحة.