| أحمد الحاج علي
شهد التاريخ نماذج متعدّدة عن استخدام الأديان لمصلحة أهداف متطرفة إرهابية، وصولاً إلى ما يسمى إرهاب الدولة، وهو استغلال فاضح يُتخذ من أجل تبرير العنف وانتشاره.
ما زال تعريف الإرهاب مبهَماً في أدبيات بعض دول العالم، فالموضوع نسبي لدى البعض، ومعاييره مزدوجة. فالغرب يركز، في دعايته، على الإرهاب في دول إسلامية، من دون الخجل من اعترافات مسؤولين عالي المستوى، في الولايات المتحدة وغيرها، بدعمهم هذا الإرهاب، وإقرارهم بواقع إنشائه على أيديهم، متجاهلين وقوفهم خلف إرهاب ” مسيحي”، لا يتباين في كينونته ومفاهيمه عن تنظبم “داعش” و غيره في أوروبا والغرب.
هذه الدول، التي تدور في فلك الهيمنة الغربية، تدعم بصورة مباشرة، ومن خلال مؤسساتها الرسمية، تشكيلات إرهابية، وتؤمن لها الحماية وحرية الحركة في أراضيها، أو تسهّل لها تنفيذ مشاريع في أراضي دول أجنبية. وغالباً ما تستخدم تلك الدول منظمات تحت ستار ديني، متطرف تكفيري في مضمونه، سواء كان الاستغلال مباشِراً أو غير مباشر، للتحريض على الكراهية العرقية والعنف وخلق نزاعات مسلحة بواسطة أفراد أو مجموعات تحت عنوان الدين، فالأمر فيه “وجهات نظر”.
شهد التاريخ نماذج متعددة عن استخدام الأديان لمصلحة أهداف متطرفة إرهابية، وصولاً إلى ما يسمى إرهاب الدولة، وهو استغلال فاضح يُتخذ لتبرير العنف وانتشاره.
من المؤسف ان تصبح أوكرانيا المعاصرة، الخاضعة بصورة كاملة للسيطرة والتحكّم الغربيين، أداةً لتحقيق أهداف دول الهيمنة، تجهد في إشراك هيكليات دينية مسيحية غربية، بروتستانتية الطابع، في نزاعها ضد روسيا، وأحياناً تتسم تلك المجموعات الدينية المتطرفة بعلامات شمولية النهج.
هذه الوقائع تؤكدها وثائق اكتشفتها القوات المسلحة الروسية خلال التطهير والتمشيط للمنطقة الصناعية وأماكن إقامة مقاتلي الكتائب العنصرية “القومية” الأوكرانية في منطقة مصنع أزوفستال للتعدين في مدينة ماريوبول، المطلة على بحر أزوف، والتي سيطرت عليها القوات الروسية والشعبية بعد مواجهات دامية.
ففي المقتنيات الشخصية للنازيين الأوكرانيين، تم العثور على بطاقة رونالد جاكسون، وهو موظف كنيسة كليفلاند المعمدانية في الولايات المتحدة الأميركية، مع إشارة إلى موقع إنترنت بعنوان “الرب يحب أوكرانيا” (GodLovesUkraine.com). ولدى دخول هذا الموقع تجدون نصوصاً تحتوي على دعوات إلى تقديم الدعم إلى القوات المسلحة الأوكرانية والكتائب النازية “القومية”، بالإضافة إلى صور مشتركة لمجندين أميركيين ومقاتلين ينتمون إلى قطاع اليمين و”آزوف”.
ومنذ عام 2019، أطلقت كنيسة الرب الخمسينية (كليفلاند، تينيسي) نشاطها في أوكرانيا. وكتب منسق الأنشطة الدولية لهذا التنظيم الديني، الدكتور مايك رينولدز، في تقاريره بشأن مشاركاته في مؤتمر انعقد في مدينة كنيبس في ألمانيا، في الثالث من أيلول/سبتمبر 2019، بإعجاب وحماسة بشأن الآفاق التي تفتحها الحرب في أوكرانيا أمام كنيسته. فاللاجئون الفارون من الحرب سيخضعون لـ”برامج تعبئة ملائمة”، و لدى عودتهم إلى وطنهم سيكونون في خدمة العمل التبشيري.
بالمناسبة، تمتلك “كنيسة الرب” قسماً متكاملاً، مهمته العمل وسط المجندين والجنود. وبحسب التوجيهات الداخلية لهذه المنظمة، يُطلب إلى الإدارات المحلية والأجهزة المعنية في الدول المضيفة في العالم، تجنيد عسكريين سابقين وجدد، ويتم التركيز على الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة في البلد المستهدف.
وفي نهاية آب/أغسطس 2022، اكتشفت الأجهزة الأمنية الروسية في المناطق المحررة من جمهورية دونيتسك، أنشطة غير قانونية للتنظيم المسيحي اليميني المتطرف، “الجيل الجديد”، والذي يلقى رعاية من دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي، “الناتو”. وخلال عمليات التفتيش في مقر التنظيم في مدينة ميليتوبول، تم العثور على أسلحة فردية وطلقات ذخيرة، وألغام وقنابل يدوية ومعدات اتصال وتجهيزات وألبسة عسكرية، من إنتاج غربي. وبالإضافة إلى ذلك، وُجدت أعلام الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا، ورموز الفرقة الأميركية المظلية المجوقلة، 101 .
أمّا خلال شهر أيلول/سبتمبر الماضي، فحدّدت القوات الروسية موقع أحد القساوسة، راعي أبرشية إحدى الكنائس البروتيستانتية في منطقة خيرسون، والذي كان يتلقى دعماً مادياً من كندا. ولم يكتفِ هذا القس بممارسة أعمال تحريضية هدامة، مرتكزة على أفكار عدائية لروسيا، خلال تواصله مع رعية الكنيسة، بل كان يجني الأموال لقاء عمله ضابطَ توجيه مدفعية في صفوف القوات المسلحة الأوكرانية، التي كانت تقوم بأعمال قصف المناطق السكنية المدنية في المنطقة.
من ناحية ثانية، لم يقتصر الدعم الغربي لـ”القوميين” العنصريين الأوكرانيين على المجال الديني التعبوي، فتم رصد تواصل موظفي السفارة الألمانية في كييف مع ممثلي فوج “آزوف” النازي الطابع. ويبدو أن الدبلوماسيين الألمان لم يطووا صفحة انتمائهم إلى الفاشية الهتلرية من تاريخهم المحزن. هذا يفسر حقيقة اكتشاف بطاقات شخصية لستيفان كريس، مستشار السفارة الألمانية للزراعة والتغذية وحماية المستهلك والبيئة في كييف، وُجدت في أقبية مصنع أزوفستال في ماريوبول.
لم تكتفِ تلك الجهات بالتبشير البروتستانتي التحريضي، بل عملت منذ أعوام على بثّ بذور الشقاق وتقسيم الكنيسة الأورثوذكسية الروسية الأوكرانية، التي كانت كنيسة واحدة، فباتت مرجعية كنيسة كييف في القسطنطينية، أي في تركيا حالياً.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين