| حسين ابراهيم
لا تنحصر مشكلة الحجازيين مع تركي آل الشيخ في أنه نصّب نفسه وصيّاً على تراثهم، عبر استبعاد «العمامة الحجازية» من هذا التراث واعتبارها غريبة عنه. المشكلة الأساس أنه ينتمي إلى نظام يمارس العنصرية ضدّهم، ويَحرم مدنهم من التنمية، بل ويشرّدهم من بيوتهم، كما حدث عند هدْم ما سُمّي الأحياء العشوائية في جدة، لمصلحة بناء مدن جديدة لم تثبت جدواها، من مِثل «نيوم»
يتعرّض المستشار في الديوان الملَكي السعودي، تركي آل الشيخ، منذ أيام، لانتقادات واسعة ومستمرّة من روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما أثار لغطاً عريضاً حين انتقد ظهور أحد مشترِكي برنامج «سعودي آيدول» الذي تَبثّه محطّة «أم بي سي» التلفزيونية، مُرتدياً عمامة منسوبة إلى التراث الحجازي، مقرّراً منْع ارتدائها في أيّ نشاط لـ«هيئة الترفيه» التي يترأّسها، ومعتبراً في تغريدة على «تويتر» أن «هذه لا لبس أهل الحجاز ولا هي عمّتنا… هذا تشويه لتاريخنا». ولأنه تركي آل الشيخ الذي أَوكل إليه وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، القيام بهندسة جديدة للمجتمع السعودي، تُبعده عن الدين بنسخته الوهابية، والمتحدّر من نسْل مؤسِّسها محمد بن عبد الوهاب، فإن السجال الذي أثارته التغريدة اتّخذ أبعاداً سياسية ودينية تُراوح بين اتّهام المؤيّدين لتلك العمامة باعتبارها جزءاً من التراث الحجازي الأصيل، بإيواء ميول انفصالية في نفوسهم، وبين وصْف المؤيّدين للنظام السعودي إيّاها بأنها «غبانة هندية» مستورَدة لا تمتّ إلى تاريخ الحجاز بأيّ صلة.
ومِثل كلّ التدابير التي اتُّخذت في عهد ابن سلمان، وهدفت إلى تغيير هوية المجتمع السعودي المرتبطة بصيغة التحالف بين آل سعود والمؤسّسة الوهابية، وفي الوقت نفسه العودة إلى ما قبل توحيد المملكة على يد عبد العزيز آل سعود للتخفيف من شرعية أبناء العمومة المنافِسين لابن سلمان على السلطة، تندرج هذه الخطوة في سياق التخفيف من قيمة الدين، ومركزه الحجاز الذي يحتضن مكة والمدينة، في شرعية الحُكم. والعملية هذه، إذ يقودها تركي، يشارك فيها كبار القياديين الدينيين من آل الشيخ الذين يتولّون المراكز الدينية المهمّة في المملكة، مِن مِثل هيئة الإفتاء ووزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد وغيرهما، على رغم أن هدفها الأساس إضعاف الجناح الديني في تحالف الحُكم لمصلحة تنظيم حفلات الرقص والغناء عبر «هيئة الترفيه» التي حلّت، حرفياً، محلّ «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وإنّما بمهمّة مُعاكسة تماماً. وفي السياق نفسه، مثلاً، جاء إحياء ذكرى «يوم التأسيس»، أي صفقة الدرعية في 22 شباط 1727، والتي تأسّست بموجبها الدولة السعودية بين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب، ليطغى على «العيد الوطني» الذي تحتفل المملكة خلاله بتوحيدها في 23 أيلول 1932.
لم يفتِ «الوطنجيةَ» اتّهامُ مَن ينسبون العمامة إلى الحجاز بإيواء ميول انفصالية
ولم تكن تغريدة تركي المؤشّر الأوّل إلى اضطهاد الحجازيين وغيرهم ممَّن جرى ضمّهم إلى المملكة عند توحيدها. فالهجوم على الحجاز مستمرّ منذ بداية عهد سلمان الذي يَعتبره بعض الحجازيين عنصرياً ضدّهم، حيث تَوسّع التحقير لهم ونعْتهم بـ«بقايا الحجاج» و«طرش البحر»، ثمّ جاء هدم ابن سلمان ما سُمّي الأحياء العشوائية في جدة، إحدى أهمّ حواضر الحجاز، ليؤكد ذلك التوجّه العنصري، خاصة أن الأخير لم يلتفت إلى صُراخ مَن خسروا منازلهم، وصاروا في الشارع، ولم يحصلوا لا على تعويضات مناسِبة ولا على وقت كافٍ لتأمين بديل. أيضاً، لم يرفّ جفن للحاكم الفعلي للمملكة، ولم يتعرّض أحد للمحاسبة بعد السيول التي ضربت المدينة هذا العام، وأغرقت البيوت وشرّدت الناس بفعل الإهمال التاريخي الذي تتعرّض له في بنيتها التحتية، على رغم تكرار حدوث السيول، والوفرة المالية التي أمّنتها ارتفاعات أسعار النفط، والتي تُصرف على المشاريع التي لم تثبت جدواها مِن مِثل مدينة «نيوم»، أو على رُشى مِن مِثل المليارَي الدولار التي دُفِعت لجارد كوشنير، صهر الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب.
والأخطر أن السجال امتدّ ليمسّ حساسيات دينية، خاصة أن مَن أطلقه هو رئيس «هيئة الترفيه» المسؤول عن التغيير الذي يشهده المجتمع السعودي نحو الابتعاد عن الدين ونشر العادات الغربية، إذ يعتزّ الحجازيون بأن «الرسول الحجازي الأصلي كان يلبس عمامة وليس شماغاً»، فيأتي الردّ سريعاً من مؤيّدي النظام بأن «الرسول تُهاميّ وليس حجازياً، فمن يسكنون أعالي جبال السروات من الشمال إلى الجنوب يُسمّون الحُجز (أهل الحجاز). أمّا من يسكنون المنخفض فيُسمّون التُّهمان (أهل تهامة). وهذه التسميات تختصّ بالأقاليم. أما كتسمية قبلية فهو قُرشي عربي».