حسين صقر:
معظم مشكلات الناس الحياتية نظرهم الدائم إلى ما يملكه غيرهم، والحديث لا يخص أصحاب الممتلكات والأطيان والعقارات والثروات، بل يخص جميع بني البشر، لأنهم لا يكتفون بما لديهم، وبالمختصر من امتلك المال ربما نقصته الصحة، ومن امتلك الصحة والقوة، ربما فقد الأولى، ومن امتلك الميزتين معاً، فقد الأولاد، ومن امتلك المنصب والثروة والجاه، ربما فقد أبناء صالحين وزوجة كذلك، وهكذا لأن الإنسان لو امتلك كل شيء لاستغنى عن الناس والأشياء معاً وبقي وحيداً في ملكه وممتلكاته، واختلفت حياته.
فخلال حديث مقتضب عن تلك القضايا، مرت عبارة أعجبتني، مفادها كي تنام قرير العين، انظر إلى ما منَّ الله عليك به، وليس إلى ما يملكه الآخرون، دون نسيان أن الطموح مشروع، والإنسان يسعى للأفضل، لكن هناك فرقاً بين أن أسعى للأحسن، وأصل له، وبين أن أطمع بالحصول على كل شيء، فمهما امتلك الإنسان، سوف يبقى بحاجة للآخربن.
الطبيب بحاجة للصيدلي، والأخير للمهندس، وذاك للمحامي، وجميعهم للمعلم والفلاح والبنّاء ومصلّح الآليات والتقنيات، و هؤلاء أيضاً بحاجة للطبيب والصيدلي وووو، والقائمة تطول ولن أستطيع ذكر كل المهن والشرائح لأن الحياة ملأى بالناس والمهن والحرف والمصالح والأعمال.
فأنت لديك كرسي، وأنا لدي طاولة، وأنت تملك القلم، وأنا الدفتر ، لأن القرطاس بحاجة لليراع، وصاحب الكرسي للطاولة، فلا تنظر إلى ما يملكه الآخرون، فقط انظر لما لديك، لأنك لن تملك كل شيء، وسوف تبقى محتاجاً.
في أحيان كثيرة تملك المال والجاه والسلطة، وتكون بحاجة لرفيق أو نديم وصديق يؤنس وحدتك ويفرج همك ويستمع لشجونك، فلا تظن أنك عن هؤلاء بغنى، فأنت بحاجة لهم، كي يدافعوا عنك في غيابك، ويوصلوا للناس أفكارك وطباعك، والحديث عن صفاتك وسجاياك.
لا تظن أنك تملك كل شيء حتى لو كنت بأي مكان في العالم، فالملك لله وحده، والسلطان له وحده، والعز له وحده.
وهو ما يسمى طموح الوهم، أو المثالية والبحث عن الكمال، فبمجرد أن تلمح كلمة “مثالية” يتبادر إلى ذهنك فوراً صورة افتراضية نموذجية متكاملة الأركان، كل شيء يسير في اتجاهه الصحيح وعلى أفضل ما يرام، وكل شيء تحت السيطرة، وأنك تمتلك كل شيء، لكن في الواقع هذه الصورة وهمية وليست حقيقية بالمرة، مهما تحدثت عن انتصاراتك الداخلية، فقد تكون مهزوماً من داخلك، بولد من أولادك، أو فكرة، أو من شخص تظن أنك قادر على تطويعه، أو أشخاص لك عندهم حظوة معينة، وسرعان ما تكتشف بأنه مهما امتلكت، ينقصك الكثير، فعندما تكون صاحب ملك وأراض وبحاجة لمن يعمل بها ولا تجد نتيجة سلوكك، فأنت مهزوم وبحاجة للآخرين، وعندما يكون لديك أخ وأخت أو صديق أو حتى زوجة، تفعل المستحيل لإرضائهم فأيضاً أنت مهزوم ومغلوب على أمرك، وهذا هو الوجه القبيح للمثالية التي لن تستطيع الوصول إليها مهما بلغت.
فلو كل شخص شعر بحاجته للآخر، لما اختلف أحد مع غيره، ولو عرف كل منا حدوده ونواقصه، وما لديه لما تعالى وتفاخر كل منا على غيره، فكثيرة هي العبر، وقلائل من يعتبرون. فضرورة أن يكون المرء هو الأفضل دائماً، هي فكرة تجتاح عصرنا الحاضر، ولعل الكثير من المشكلات التي نواجهها اليوم ما هي إلا إفرازات الركض وراء ذلك الكمال والنظر إلى الحياة من زاوية واحدة، فالزوجة المثالية تفشل في إسعاد نفسها ومن حولها لسعيها الدؤوب إلى تحقيقه في المنزل، ولا يستطيع أفراد الأسرة التعبير عن أخطائهم خوفاً من العتاب، و كذلك الطالب المتفوق قد يصل به الأمر إلى أن يكره الدراسة، إن شعر أنه محروم من أن يمارس حياته بشقاوة وبراءة لأنه مطالب بالمذاكرة المستمرة حتى في أوقات اللعب، والتاجر الذي يربح باستمرار، أو المزارع الذي يشقى طوال العام كي يحصل على موسم وفير، والقائمة أيضاً تطول.
وينطبق ذلك على الموظف أو المدير الذي يظن نفسه مثالياً، فسرعان ما يفقد عنصر التواصل مع أقرانه وزملائه لأنه يبحث عن إتمام العمل بمثالية عالية فيخشى الخطأ، وقد يقوده ذلك إلى أن تهرب الفرص من أمامه أو قد لا يراها لأنها ليست كما يتصورها هو.
حتى في علاقات الحب والصداقة أحياناً نبحث عن شريك أو صديق كما نتصوره، أي لا يخطئ أو يغضب أو يمارس حياته بعفوية، متناسين أن أكثر من يجذبنا إلى الطرف الآخر ليس لأنه يشبهنا بل لأنه يكمل ما فينا من نقص، فثقافة جودة الأداء جعلت منا باحثين عن الكمال بمختلف أوجهه، ساعين إلى الوصول إليه مهما كلّف الأمرَ، وجعلتنا نضع معايير صارمة لما يمكن أن يجعلنا سعداء، وحينما لا تتحقق هذه المعايير فإننا نخلق ونتبنى توجهات تجعل الأمور تتفاقم حدتها سوءًا.
فسعي الإنسان إلى أن يكون أفضل أب أو أفضل موظف أو أفضل حبيب، أو أفضل تاجر يؤدي به إلى مُراكمة سلسلة من الإحباطات التي هو في غنى عنها، كما قد يؤدي إلى أفكار أو سلوكات تُقزِّم الذات، وتجعل تحقيق الأهداف أمراً صعباً إذ تسبب التوتر، والقلق، والاكتئاب، وغيرها من المشاكل الصحية النفسية.
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة