| فراس عزيز ديب
بالأمس قررتُ فعلياً أن أُعاتبَ نفسي على تقصيري بمواكبةِ التطورات من حولِنا، ما أدى لشرخٍ كبير في المعلومات وترهلٍ في ثقافتي العامة عندما اكتشفت أن الأمم المتحدة اتخذَت من اليوم الأخير لشهرِ أيار من كلَّ عام يوماً عالمياً للامتناعِ عن التدخين، أو كما تداولتهُ بعض المواقع العربية بـ«اليوم العالمي للتدخين»، عنوان يجعلك تسأل ماذا يدخِّن محررو هذه المواقع لتقلبَ غلطةَ محرِّرٍ الهدف من المكافحة إلى الدعوة للتدخين؟
طبعاً لا تنتظروا أجوبةً على سقطَات كهذه بل علينا أن نجدَ لهم عذراً على طريقةِ الرحابنة «يالطيف الأدب العربي شو عويص»، لكن الأجوبة الغامضة فعلياً تبدو وكأنها تغزو كل مالهُ علاقة بالتدخين، فطبقة المدخنين نفسها تحوي أطباء ورياضيين من المفترض ألا يكونوا كذلك، كما أنها تحوي مسنين مات أطباؤهم وكل من نصحوهم بالامتناع عن التدخين لأنه يؤدي إلى الموت المبكر!
من الجميلِ أن تسعى الأمم المتحدة بشتى الوسائلِ المتاحة إلى حمايةِ الأجيال القادمة من خطر التدخين، اللافت أن الأمم المتحدة التي ضغطت يوماً لإقرارِ تجريم التجارةِ بالعاج لحمايةِ الفيلة من الانقراض لم تنجح بتأديةِ أي مهمةٍ مشابهة متعلقة بالأجيال القادمة بما فيها التدخين، هل يُعزى هذا الفشل فعلياً إلى فكرةِ أن مضار التدخين مبالغ بها أم لأن هناك ضغوطات كبيرة للشركات المنتجة للتبغ بما تمتلكه من نفوذ تعوق اتخاذَ خطواتٍ عملية؟
لستُ مدخناً وإن كنت في بعض الأحيان لا أُمانع من تدخينِ سيجارةٍ ما لكن ما يعنيني هنا هي الحالة العامة في مجتمعنا تحديداً أننا للأسف من أكثر المجتمعات استهلاكاً للتبغ ولهذا الأمر أسباب كثيرة أولها رخص المادة قبل الحرب، والحاجة إلى المادة للتخلص من ضغوطات الحرب!
بالتأكيد لا يبدو التدخين عادة جيدة تحديداً أن مجتمعنا يعاني مما هو أسوأ من تدخين السجائر ألا وهو تدخين الأركيلة التي لا يزال البعض فعلياً يظن بأن ضررها أقل، نظريّاً علينا البحث عما يقلل من استهلاك التدخين وليسَ المبالغة بالدعوة لمقاطعته فورياً، فسورية فعلياً كانت سبَّاقة باتخاذِ الكثير من الخطوات الإيجابية من بينها قانون منع التدخين في الأماكن العامة الذي سبق صدوره في سورية صدور ما يماثله في العديد من الدول الأوروبية مع فرقٍ بسيط أن هناك لا يجرؤ أحد على تجاوز القانون، أما عندنا فلا عجبَ إن شاهدتَ مرافقاً لمريض يدخن داخلَ غرفته، إن رأيت أعقاب السجائر محشوة داخل مشعات التدفئة المركزية في بعض الأماكن العامة، بذات السياق نجحت المنظمات المدافعة عن البيئة باستصدارِ قرارٍ يمنع شركات التدخين من امتلاك أغلفةٍ مختلفة حيث يكون شكل الغلاف واحداً مع إلزامهم بوضعِ صورٍ حقيقية لعواقب التدخين بما فيها ما قد يصيب الجسد من تشوهات، هذهِ الصور تحديداً كان لها مفعول السحر وفق الكثير من الدراسات حيث جعلت الأطفال الذين يشاهدونها إما يطلبون من آبائهم الامتناع أو التقليل من التدخين وغيرها الكثير من الأفكار المفيدة لكن عن أي أفكار مفيدة نتحدث وسط ما نعيشه من فوضى؟!
في الخلاصة: تستحق ظاهرة التدخين يوماً عالمياً لمكافحته لكنه ليسَ الآفة الوحيدة التي تهدِّد مستقبل هذا الكون ولو عدَّدنا الآفات التي تضرب عالمنا لما كفانا عدد أيام السنة، فأين نحن من كل هذا؟
سيرياهوم نيوز1-الوطن