آخر الأخبار
الرئيسية » مجتمع » يونس فنيش: المغرب: تجريم الزنا والخيانة الزوجية.. احياء للضمير

يونس فنيش: المغرب: تجريم الزنا والخيانة الزوجية.. احياء للضمير

لما يتكلم وزير العدل الأستاذ عبد اللطيف وهبي، صاحب مشروع “إلغاء تجريم العلاقات الرضائية”، عن الزنا، فهو يقول ما معناه بأن الإنسان خطاء بطبعه، و هذا يعني أنه يعلم و يعترف بأن الزنا شيء سيء و في ذلك يتفق مع علماء و فقهاء الإسلام، ولكنه يريد إلغاء تجريم الزنا، دون استثناء الخيانة الزوجية، نظرا لكون هذه الجريمة، حسب ما يستشف من مختلف مداخلاته، أضحت متفشية في المجتمع. طيب.

لما نهم بتحليل “مشروع قانون وهبي” الذي يهدف إلى إلغاء تجريم الزنا و الخيانة الزوجية، أو ما يسمى ب”العلاقات الرضائية”، لابد من دراسة مقارنة صريحة و موضوعية مع الدول الغربية التي سبقت الدول المسلمة في هذا الشأن ( أنظر مقالي: “الأصالة في مواجهة المعاصرة”- جريدة هسبريس 15 أبريل 2023-)، فنخرج بخلاصة تفيد بأن طبيعة الإنسان في عمقها لا تختلف كثيرا حسب التموقع الجغرافي و رغم تمايز الظروف التاريخية، و بأن إذا كانت الزنا منتشرة في الغرب فليس لأنها مباحة و لا قانون يمنعها فقط، بل أيضا لأن الإنسان خطاء بطبعه، و بأن الخيانة الزوجية تعتبر خطأ بشعا في الغرب أيضا، و لا يمكن إلا أن يكون الأمر كذلك لأن الخيانة الزوجية خيانة، و الخيانة سلوك مقرف تقشعر منه طبيعة الإنسان بغض النظر عن الدين، و لذلك فالقول بأن “الخيانة لا تتجزأ و بأن من يداوم على الخيانة في إطار العلاقة الزوجية تسهل عليه الخيانة الوطنية”، مثلا، قول يستحق إلتفاتة علماء النفس و الإجتماع للتوضيح و الشرح و التحليل. و بطبيعة الحال التعميم مرفوض رفضا باتا، لأن في الدول الغربية هناك الكثير من الصادقين الذين لا يقترفون الخيانة الزوجية أبدا مهما طالت مدة الزواج و مهما كان الأمر مباحا قانونيا عندهم. طيب.

المدخل الذي يستغله إذا دعاة “العلاقات الرضائية” هو ادعاؤهم بأن الزنا انتشرت في كثير من الأوساط عندنا و بالتالي وجب على القانون مسايرة هذا الوضع و الكف عن تجريم الزنا و الخيانة الزوجية، بدعوى أنه تجريم فيه شيء من النفاق الإجتماعي. ولكن ما لا ينتبه إليه دعاة الإباحية هو أن هناك فرق شاسع مسافة الأرض و السماء بين النفاق و الستر ( أنظر مقالي: “الدين و السياسيون” – جريدة بالواضح 21 أبريل 2023). فنحن في المغرب نعي تمام الوعي بأن الإنسان خطاء بطبعه ولكننا لا نتبجح بالخطأ، لأننا مسلمون نتستر و لا نفضح ثم نرجو العفو و العافية و الثوبة و المغفرة، و أما الدولة فهي مرآة المجتمع تضع القوانين الملائمة له، قوانين تحكم على الظاهر فقط حفاظا على الستر و العفة، قوانين تحترم الحرية ولكن تمنع الإباحية في كل ما يتعلق بالآيات المحكمة، و أما الزنا فلا تأويل و لا اجتهاد منطقي فيه إلا من تكييف العقوبات حسب العصر، و هذا شيء مفهوم معروف لا جدال فيه.

الإسلام يحرم الزنا، و الله يعاقب عليها في الآخرة و يشترط أربعة شهود لإنزال العقاب في الدنيا، و هو شرط يصعب تحقيقه، و ثمة حكمة من الله عز و جل؛ و لكن ما يبقي ضمير الإنسان حيا هو تجريم الزنا في القانون الوضعي و لو اعتمدت السلطات شيئا من التساهل في التطبيق حسب الحالات، لأن ليس في ذلك نفاقا حسب مبدأ “درء المفاسد و جلب المصالح، يعني منع الفعل الضار في جميع صوره قبل وقوعه احترازا، ومعالجة أثره بعد وقوعه إزالة ورفعا”، و هذا هو الصواب بحيث لا يباح السلوك غير السوي و لا يشدد العقاب عليه، و قد يتم تجنب العقاب إذا ظهر مسلك للإصلاح، ولكن لابد من الإبقاء على القانون المانع الرادع. و الله أعلم.

و إذا كان من سؤال وجيه يمكن طرحه لتوضيح الصورة فهو كالتالي: إذا كان انتشار الزنا هو الذي يدفع دعاة “العلاقات الرضائية” إلى اقتراح إلغاء تجريم الزنا، فالرشوة، مثلا، هي أيضا منتشرة و تزداد انتشارا، فهل سنشهد يوما يقترحون فيه إلغاء تجريم الرشوة ؟ لا طبعا، لأن تجريم الرشوة هو الذي يبقي ضمير الإنسان حيا يعاتبه باستمرار و يشعر المرتشين على الدوام بأن ما يقومون به خطأ و ظلم، و قد يكف بعضهم بفعل ذلك عن الإرتشاء. و كذلك الحال بالنسبة لتجريم الزنا حيث القانون الوضعي يترك، مثلا، خائني زوجاتهم و خائنات أزواجهن، مثلا، في وضعية تأنيب الضمير و قد يكف بعضهم و بعضهن عن الخيانة، و في ذلك خير للمجتمع كله.

و هكذا تكون خلاصة الرأي النهائي بأن إلغاء تجريم العلاقات غير الشرعية فكرة غير موفقة بتاتا، و بالتالي ف”مشروع قانون وهبي” لا يخدم لا مصلحة عامة و لا خاصة، ناهيك عن كونه، حسب المتخصصين، يتنافى مع نصوص شرعية محكمة و ثابتة، و كذلك و حتى من منظور محايد، الأمر لا يتعلق بمجرد فعل يخص و لا يضر سوى مقترفه فقط، كشرب الدخان أو الجعة في أماكن مخصصة مثلا، بل هي قضية عظمى تلحق الضرر بالغير، بالمرأة أولا، و بالأطفال ثانيا، و بالمجتمع كله في آخر المطاف، كما أنه مشروع قانون من شأنه أن ينزع عن المغرب خاصيتة في مواكبة العصر بكل تطوراته دون التفريط في أصالته التي تحفظها الآيات المحكمات، و ثمة سر نجاحه و تألقه (أنظر مقالي: “إلى الوزير عبد اللطيف وهبي في شأن المرأة” -جريدة هوية بريس 14 مارس 2023-). و الله أعلم.

 

 

 

سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

تقرير لـ”اليونيسف” يكشف تأثير 6 أشهر من العدوان الإسرائيلي على أطفال لبنان

منظمة الأمم المتحدة للطفولة، “اليونسيف”، تكشف في تقرير لها تأثير ستة أشهر من الحرب الإسرائيلية على الأطفال في لبنان.   قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة، ...