آخر الأخبار
الرئيسية » تربية وتعليم وإعلام » كيف عملت الصين على استقطاب طلبتها الدارسين في الخارج؟

كيف عملت الصين على استقطاب طلبتها الدارسين في الخارج؟

لُجين سليمان

مقدمة

غالبا ما يُنظر في الصين إلى الطلاب الذين يدرسون في الخارج أنهم بمثابة أساس للمشاركة في بناء الحداثة في وطنهم الأصلي، أو أنّ الهدف الأساسي من فكرة الدراسة خارجا هو جلب المعارف إلى أرض الوطن، للمساهمة في تحقيق نهضة بناء على العلم الذي حصل عليه الفرد. وعندما يُسأل أي فرد عن سبب النهضة الحاصلة في الصين، لا بد من أن يتضمّن الجواب أنّ الطلبة الذين درسوا في الخارج، ومن ثم عادوا إلى الصين هم إحدى الركائز الأساسية في تلك النهضة والتقدم.

فوفقا لوجهة النظر الصينية: “من يمتلك الموارد البشرية والموهوبين، فقد امتلك الحاضر وفاز بالمستقبل لذا ينبغي تطبيق استراتيجيات لتعزيز البلاد من خلال تنمية الموارد البشرية ونهضة البلاد من خلال العلم والتكنولوجيا، ولذلك لا بد من العمل على تأهيل الموارد البشرية”

تاريخيا

في صيف 1949 اقترح “تشو إنلاي” والذي هو أول رئيس وزراء لجمهورية الصين الشعبية سياسة لجذب الطلاب والعلماء الصينيين من الخارج للعودة إلى الصين ، أي “تعبئة المثقفين الصينيين” ، وخاصة كبار الخبراء العلميين والتكنولوجيين في الولايات المتحدة والدول الغربية للعودة وبناء صين جديدة. في الخمسينيات من القرن الماضي ، عاد أكثر من 3000 صيني مغترب يدرسون في أوروبا والولايات المتحدة إلى الصين ؛ في الوقت نفسه رتبت الرابطة الصينية للطلاب الذين يدرسون في اليابان أيضًا العودة لأكثر من 1000 صيني مغترب يدرسون في اليابان إلى وطنهم الأم.

كما حرصت الحكومة الصينية الجديدة آنذاك بقيادة الزعيم الصيني  “ماو تسي تونغ” على إرسال عدد كبير من الطلاب الأجانب إلى الدول الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية . وخططت في أوائل الستينيات من القرن الماضي ، لإرسال طلاب إلى الدول الغربية أيضا، إذ وضعت أساسًا عمليا لقضية الدراسة في الخارج بما يُفضي إلى تحقيق نهضة الصين ، ويُراكم خبرة عملية قيّمة من أجل التنمية المستدامة. بعد أن عُقدت الجلسة الثالثة للجنة المركزية الحادية عشرة للحزب الشيوعي الصيني تم التخطيط لتنفيذ خطط الإصلاح والانفتاح ، وتمت صياغة خطة مبدأية لإرسال الطلاب إلى الخارج، وبعد تطبيق هذه الخطة مدة زمنية، تم الكشف عن محاسنها ومساوئها ولذلك تم تعديلها، وتطبيقها من جديد بشكل مُحسّن على نطاق واسع، بما يضمن ازدهار التنمية في الصين في قادم الزمن.

تشير البيانات إلى أن أكثر من 200 شخص درسوا في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية ودول أخرى قبل عام 1978 أصبحوا أكاديميين في أكاديمية العلوم أو أكاديميين في أكاديمية الهندسة أو فنانين مشهورين . بالإضافة إلى ذلك ، شغل العديد من العائدين الذين درسوا في الخارج في هذه الفترة مناصب متوسطة وعالية المستوى في البحث العلمي أو الإدارة الإدارية على جميع المستويات.

في عام 1978 ، عندما تحدث “دنغ شياو بينغ” مع المسؤول عن جامعة” تسينغهوا” ، صرح بوضوح أنه “يجب علينا توسيع نطاق إرسال الطلاب الأجانب ، يجب أن نرسلهم بجرأة ، ويجب أن نرسل عشرات الآلاف منهم”. في العام ذاته ، أصدرت وزارة التربية والتعليم “إشعارًا بشأن اختيار مزيد من الطلاب للدراسة في الخارج بحيث يتم توسيع شريحة أولئك الطلبة” ، بما يؤدي إلى فتح الباب للدراسة في الخارج على نطاق واسع. في الثمانينيات ، تسارعت وتيرة الدراسة في الخارج تدريجياً، ففي عام 1981 ، وافق مجلس الدولة على “إقامة مؤتمر عمل لإدارة الطلاب الذين يدرسون في الخارج” . في عام 1985 تم إصدار تعليمات حول “السعي إلى العودة المبكرة للعمل بالنسبة لخريجي الدكتوراه خارج الأراضي الصينية” وذلك بغية جذب الطلاب الأجانب للعودة إلى العمل في الصين.

 في عام 1990 ، نفذت لجنة التعليم الحكومية “اللوائح التكميلية بشأن إنهاء الدراسة في الخارج للأشخاص الحاصلين على تعليم جامعي وما فوق” ، مع التأكيد على أن الموظفين الحاصلين على درجة جامعية أو أعلى يجب أن يكملوا فترة الخدمة قبل أن يتمكنوا من التقدم للسفر إلى الخارج على نفقتهم الخاصة . في عام 1992 ، أصدر المكتب العام لمجلس الدولة “إشعارًا بشأن القضايا المتعلقة بالعاملين في الدراسة بالخارج” ، مشيرًا إلى أن جميع الموظفين الذين يدرسون في الخارج مدعوون للعودة بغض النظر عن مواقفهم السياسية السابقة. في عام 1993 ، تمت كتابة سياسة “دعم الدراسة في الخارج ، والتشجيع على العودة إلى الوطن ، والحرية في المجيء والذهاب” وذلك في وثيقة الدورة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الرابعة عشرة للحزب الشيوعي الصيني.

مهمة العائدين

للعائدين من الدراسة في الخارج مهمة رئيسية تتمثّل في دمج الصين بالعالم، والمشاركة في إحداث التقدم الاجتماعي والتنمية، إذ يُعدّ الدراسون في الخارج القوة الرئيسية للابتكار في مجال التعليم والعلوم والثقافة والصحة. لقد أنشأوا العديد من منصات البحث العلمي وعززوا التبادل والتعاون التعليمي الدولي. وكذلك بفضل الطلبة العائدين من الخارج تم تحديث عددًا كبيرًا من مؤسسات التكنولوجيا الفائقة ، وجلبت نماذج إدارة جديدة ، وأساليب تمويل ومفاهيم تنموية ، وعززوا الابتكار التكنولوجي من خلال ريادة الأعمال. “العائدون” ليسوا فقط قوة دافعة مهمة للشركات الصينية للانطلاق إلى العالمية ، ولكن أيضًا قوة في الخطوط الأمامية لتعزيز توطين الشركات متعددة الجنسيات.

يعدّ أستاذ الاقتصاد “جاستن ييفو لين” أول دكتور في الاقتصاد عاد إلى الصين بعد عصر الإصلاح والانفتاح عام 1987 ، إذ استقال من وظيفته في جامعة “ييل” وعاد ليشارك أولاً في البحث في مؤسسة تابعة لمركز أبحاث التنمية الريفية التابع لمجلس الدولة. في عام 1994 ، التحق بجامعة بكين لتأسيس مركز الصين للبحوث الاقتصادية وعمل كمدير، كما شغل منصب عميد معهد الاقتصاد الهيكلي الجديد، وعميد معهد التعاون والتنمية فيما بين بلدان الجنوب وأستاذ وعميد فخري في الكلية الوطنية للتنمية في جامعة بكين. كما شغل منصب النائب الأول للرئيس وكبير الاقتصاديين بالبنك الدولي، 2008-2012.

أما اليوم!

على الرغم من وجود عدد لا بأس به من الطلاب الصينيين الذين يرغبون بالدراسة في الخارج، إلا أنه وفي الوقت ذاته يوجد عدد لا بأس به بات يُفضّل البقاء وإكمال دراسته في الصين لعدد من الأسباب منها، أنّ التعليم في الصين أصبح موازيا لمثيله في الدول المتقدمة، وكذلك إمكانية الحصول على المعلومات عبر الإنترنت بما توفّره بيئات البحث العلمي الموجودة في  الصين من تسهيلات أيضا، هذا بالإضافة إلى عامل الارتباط بالأسرة.

بالأرقام سجل عدد الطلاب الصينيين الدارسين بالخارج في الفترة ما بين عام 1978 وعام 2016، أكثر من 4.58 مليون شخص، كما أعلنت وزارة التعليم أن 2.01 مليون أو 80 في المائة من الطلاب الصينيين الذين يدرسون في الخارج بين 2016-2019 عادوا إلى الصين بعد تخرجهم.

الخاتمة

على الرغم من أنّ الصين قد تعرّضت لحروب واستعمار، إلا أنها استطاعت النهوض والاستفادة من خبرات أبنائها في الخارج، لا بل باتت تستقبل الطلبة الأجانب من جميع أنحاء العالم، ولا سيما من دول العالم الثالث، علّها تستطيع المشاركة بشكل فعّال في تحقيق نهضة تلك الدول من خلال الارتقاء بالمستوى العلمي لأبنائها أيضا.

 

 

سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وزير التربية يبحث مع نظيره العراقي في جدة التعاون التربوي المشترك

    بحث وزير التربية الدكتور محمد عامر المارديني مع نظيره العراقي الدكتور إبراهيم نامس الجبوري اليوم تعزيز التعاون التربوي بين البلدين وذلك على هامش ...