وَهمُ الانتظار ..!!
ناظم عيد
لا تلوحُ في الآفاقِ نهاياتٌ قريبةٌ أوحسمٌ للبؤرِ المشتعلةِ الكثيرةِ في هذا العالم، لاسيما في غزّةَ وامتداداتِها، وأوكرانيا وتشظياتِها في العمقِ الغربيّ والشرقيّ أيضاً، ما يعني أن التوترَ سيبقى مُستحكماً بشطرٍ واسعٍ من هذا العالمِ إلى أجلٍ غير قصيرٍ، والمشهدُ الاقتصاديّ العامُّ يتيحُ قدراً وافياً من الرؤيا الأوضحِ والأكثرِ دقّةً لخلفياتِ مايجري كما مقدماته.
والواضحُ أنّ ترتيباتٍ سريعةً وإعادةَ هيكلةٍ عميقةٍ، تجري على عَجل – لكنْ بصمتٍ – للمصالحِ والتكتلاتِ تحت غطاءاتٍ كثيفةٍ من ألسنةِ اللهبِ والدّخان، وصخبٍ وضجيجٍ إعلاميّ وميديا شيطانيةٍ تؤدي مَهمة تحويلِ الانتباه بمنهجٍ ومهاراتٍ لافتةٍ بخبثها الاحترافيِّ..
ففي مسألةِ غزةَ وتطوراتِها نحوَ رفح ومن ثَمّ إلى “المجهول المعلوم” القادمِ، مايؤكد الإصرار على تطبيقاتِ السيناريو المتعلقِ بالممرِ المائيّ الجديدِ بين البحرين الأحمرِ والمتوسّطِ، والذي هو بدوره خطوةٌ لازمةٌ لإتمامِ مشروعٍ عملاقٍ في مواجهة آخر مثله أنجزهُ القطبُ الشرقي الناهض.
فالقراءةُ الاقتصاديةُ المتأنيةُ قليلاً تُفضي إلى استنتاجاتٍ واضحةٍ لاتقبل اللَّبسَ، على الطريقة “الإكتوارية” ومعادلاتها الحسابيةِ، تفضحُ الغلافاتِ السياسيةَ لما يجري، بالتالي لن يكون صعباً التنبؤ بالقادم القريب في رفح، ومايليها في سياقِ المعلوماتِ المقلقةِ التي انتشرت على شكل تسريبات – متعمدةٍ على الأرجح – بخصوص نيات الكيان الصهيوني..الذي يقومُ بدور “الجرّافة” الممهدةِ لمعبر الحلم الأميركي والغربي، ومساعي قطعِ الطريقِ على مشروع وتطبيقات “الحزام والطريق” الشرقيِّ.. وقد تُوافينا القادماتُ غيرُ البعيدةِ من الأيام بما سيؤكد وجهةَ النظر هذه، وهو خطيرٌ بكل تأكيد بالنسبة لفلسطين ومصر، ومن ثَمَّ مجمل التوازنات الدولية الجديدة و الصراع المحموم الذي يجري في الكواليس أكثر بكثير من الميدان.
وهناك في أوكرانيا لايمكن فصل المجريات عن اللعبة الأممية الكبرى، كما في غزة ورفح وما سيليهما، فصبُّ الزيتِ على النار يتم باتجاه تعزيز المكاسب الأميركية والغربية ذاتها، في المواجهة المسعورة للقطب الشرقي.
في مثل هذه المناخات المتوترة، ستؤجّل قسراً أية مشاريع تنموية كبرى في الأقاليم الساخنة، بما أن ثمة تحذيرات غير مباشرة لانتقال رؤوس الأموال نحوها مهما بلغ سخاء الإغراءات، والواضح أن العدوانات الصهيونية المتكررة على سورية لاتنفصل عن هذا السياق، ومثلها الوجود الأميركي في الشمال ..واستهداف العراق، وتحالف البحر الأحمر، وسلسلة مترابطة من العمليات العسكرية والمخاتلات السياسية والإعلامية لن تترك مجالاً للتنمية في الشرق الأوسط، مرتكز المشروع الاقتصادي والتكتل العملاق الذي تقوده الصين.
الوقائعُ ..كلُّ الوقائعِ تضع المنطقة أمام خيارات محدودة نسبياً، لكنها لن تكون سيئةً بالمطلق بالنسبة للدول صاحبة الموارد لاسيما تلك الضامنة للأمن الغذائي، ولعلنا – كسورية- في مقدمة هذه الدول.
بالتالي لانظن أنَّ من الحكمة انتظار انفراجات دولية لمعاودة إنعاش واستثمار مالدينا من موارد، بدءاً من أبسطها والمهمّش منها وليس العكس، فالانتظار يغدو في مثل هذه الظروف الصعبة وضبابية الرؤية وَهماً وهدراً للزمن، لأنّ حسبنا أن ننجو من الزكام في عالم “يعطس” بشرقه وغربه.
سيرياهوم نيوز٣_تشرين