محمد خواجوئي
إيران تثبّت روايتها… وتكثّف مشاوراتها: «العقوبة القاسية» حتميّة
رئيس الأركان الإيراني الجنرال محمد باقري مستقبلاً رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، سيرغي شويغو، في طهران، أمس (أ ف ب)
طهران | تمرّ ستة أيام على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، في طهران، فيما تذهب التكهنات المختلفة نحو كيفية الردّ الإيراني علی هذا الاغتیال، الذي تراه الجمهورية الإسلامية انتهاکاً لسیادتها، وتتواصل، في الوقت نفسه، المشاورات الديبلوماسية لمنع تصاعد التوتّر. ووسط تكهنات في شأن الردّ الإيراني، توجّه أمين مجلس الأمن القومي الروسي، سيرغي شويغو، أمس، إلى طهران، حيث التقى بشكل منفصل كلّاً من الرئيس مسعود برشکیان، وأمين مجلس الأمن القومي علي أكبر أحمديان، ورئيس الأركان العامة للقوات المسلحة محمد باقري. وتقول إيران إنها دعت المسؤول الأمني الروسي الرفيع المستوى إلى طهران، لمناقشة القضايا الإقليمية والدولية والعلاقات الثنائية.في هذه الأثناء، وفي زيارة نادرة، وصل وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، الأحد، إلى طهران، حيث التقى الرئیس الإیراني، ووزير الخارجية بالوكالة علي باقري، فيما جاءت الزيارة استمراراً للاتصالات الديبلوماسية لمنع مزيد من التصعيد في المنطقة. وأکد الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، في مؤتمره الصحافي، أن بلاده «لا تتبادل الرسائل مع الاحتلال، ولا تعترف بمشروعيته»، موضحاً أن زيارة الصفدي تأتي في إطار التشاور الطبيعي بين البلدَين.
جاء ذلك في وقت جدّد فيه قائد «الحرس الثوري» الإيراني، حسين سلامي، أمس، تأكيده أن «الاحتلال الإسرائيلي أخطأ في حساباته باغتيال هنية، وسيتلقّى رداً قاصماً». وفي الأيام الأخيرة أيضاً، أعلن المسؤولون الإيرانيون مراراً وتكراراً أن اغتيال قائد «حماس» في طهران يشكّل انتهاكاً لسلامة أراضي الجمهورية الإسلامية، وأن البلاد لها الحقّ في الدفاع عن نفسها استناداً إلى المادة الـ 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
ومع مرور ستة أيام على «الواقعة»، تذهب التكهنات حول كيفية تنفیذ الاغتيال في اتجاهات مختلفة، ما يزيد الأمور تعقيداً. فبينما قال «الحرس الثوري»، منذ الساعات الأولى للحادثة، فجر الأربعاء الماضي، إنه بدأ تحقيقاته، فهو أعلن، في بيان مساء السبت، أن الاغتيال تم «بواسطة إطلاق مقذوف قصير المدى برأس حربي يزن 7 كيلوغرامات، رافقه انفجار هائل». ووفقاً لِما أعلنه، فإن الإطلاق «تمّ من خارج المبنى الذي كان يقيم فيه الضيوف». ولدواعٍ أمنية، كان هنيّة يقيم في أحد مراكز استقبال الضيوف التابعة لـ»الحرس الثوري»، ويدعى «إيثار»، ويقع في حي زعفرانية شمال طهران. وفي ذلك المبنى بالذات، وفي الطبقات الأخرى منه، كان يقيم أعضاء الوفد المرافق لهنية، إلى جانب الأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي»، زياد النخالة. لكن «الحرس» لم يفصح عن كيفية إطلاق «المقذوف» في اتجاه مقرّ إقامة هنية، وما إن كان قد أُطلق بواسطة طائرة مسيّرة، أو شخص ما، أو جهاز إطلاق ذكي تم تركيبه في المناطق المحيطة بالمبنى؟ وقدّم الحرس، في بيانه، إسرائيل باعتبارها المخطّط والمنفّذ لعملية الاغتيال، متهماً أيضاً الولايات المتحدة بدعمها، فيما أكد، في ختام البيان، أن «الثأر» لإسماعيل هنية «حتمي»، وتوعّد بأن «عقوبة قاسية» تنتظر إسرائيل «في الزمان والمكان المناسبَين وبالطريقة الملائمة والحاسمة».
جاءت الرواية الرسمية الإيرانية حول كيفية اغتيال هنية لتناقض السردية التي اعتمدتها بعض وسائل الإعلام الغربية
وقبيل ساعات من صدور بيان «الحرس الثوري»، ذكرت وكالة «تسنيم» التابعة للأخير أن الانفجار نجم عن مقذوف جاء من خارج المبنى. وأضافت: «في هذا الاغتيال، لم يتمّ استخدام العامل الإنساني وزراعة قنبلة، بل استُخدمت التكنولوجيات الإرهابية الحديثة». وفي هذا السياق، قال العضو في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، أحمد بخشايش أردستاني، في حديث إلى موقع «ديده بان (راصد) إيران» الإخباري، إن ثمة «سيناريوَين محتملَين» حول اغتيال إسماعيل هنية: أحدهما يتمثّل في أن «الإسرائيليين استخدموا طائرة مسيّرة صغيرة، أطلقوها من المحطّة الرقم 2 (تله كابين) في جبل توجال (شمال طهران) لتصيب الموقع المنشود»؛ والسيناريو الثاني هو أن «العملاء المندسّين داخل إيران انتشروا في حدود تلك المحطة الرقم 2 في توجال، واستهدفوا مركز الإقامة بسلاح يُشبه الصاروخ».
وجاءت الرواية الرسمية الإيرانية لتناقض السردية التي اعتمدتها بعض وسائل الإعلام الغربية، بما فيها «نيويورك تايمز» و»ديلي تلغراف» و»أكسيوس» و»بلومبرغ» و»سي إن إن» حول الحادثة، والتي نقلت عن مصادر مختلفة، قولها إن «اغتيال هنية كان ناجماً عن انفجار قنبلة زُرعت قبل فترة، في الغرفة التي أقام فيها» رئيس المكتب السياسي لـ»حماس». ومع ذلك، فان وسائل الإعلام التابعة لـ»الحرس»، بما فيها وكالة أنباء «فارس»، دحضت هذه الرواية، وقالت إن هدف وسائل الإعلام الغربية من الترويج لفكرة زرع عبوة ناسفة هو مساعدة إسرائيل، و»الوقاية من التداعيات» اللاحقة. وبعبارة أخرى، فإن التركيز على زراعة القنبلة كأسلوب لاغتيال هنية، يمكن أن يسهم في التقليل من شأن «العدوان وانتهاك وحدة الأراضي» الذي يبرز عادةً في الهجوم الصاروخي، ويحتوي بالتالي الردّ الإيراني على هذا الاغتيال.
وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد ذكرت، في تقرير لها، السبت، أنه في أعقاب اغتيال إسماعيل هنية ومرافقه، تم القبض على أكثر من 24 شخصاً، بمن فيهم كبار ضباط الاستخبارات والعسكريين وموظّفي مركز الاستقبال المذكور في طهران». وأضافت الصحيفة، نقلاً عن مصادرها، أن «هذه الاعتقالات على مستويات عليا، تأتي كرد فعل على الثغرات الأمنية الواسعة، والفضيحة التي طاولت المنظومة الأمنية للجمهورية الإسلامية نتيجة مقتل إسماعيل هنية في طهران». وفي هذا السياق، نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية عن مسؤولَين حكوميَّين اثنَين في إيران، قولهما إن «الموساد كان وراء الهجوم القاتل على إسماعيل هنية. ولتنفيذ هذه العملية، جنّد اثنين من عملاء الاستخبارات الإيرانية». وأضافت: «في البداية، كان مقرّراً قتل هنية في شهر أيار الماضي أثناء مشاركته في مراسم تشييع جثمان الرئيس الإيراني السابق، إبراهيم رئيسي، الذي قُتل إثر تحطّم المروحية التي كانت تقلّه. لكن وبسبب الاكتظاظ والاحتمال الكبير لفشل العملية، جرى إلغاء الخطّة». ونقلت الصحيفة عن مصدَرين، قولهما: «عوضاً عن تلك الخطة، كُلّف عميلان للموساد بوضع القنابل في ثلاث غرف في دار الضيافة التابعة للحرس الثوري. وتُظهر صور كاميرات المراقبة أن العميلين يدخلان عدة غرف ومن ثم يخرجان منها خلال بضع دقائق». وبيّن تقرير «تلغراف» أن هذه القنابل تم تفجيرها من خارج البلاد، وأن «العميلَين غادرا البلاد بعد الانفجار، لكنهما كانا على اتصال مع مصدر محلّي. وقاما في الساعة الثانية من فجر يوم الأربعاء بتفجير العبوات الناسفة من خارج البلاد في الغرفة التي كان يوجد فيها هنية وذلك عن طريق التحكم عن بعد».
كذلك، ذكرت «نيويورك تايمز»، الخميس، أن إسماعيل هنية قُتل بواسطة تفجير عبوة ناسفة معقّدة، كانت قد زُرعت قبل شهرين في مركز الاستقبال التابع لـ»الحرس الثوري» في طهران، «وليس بواسطة الصاروخ الذي تتداوله وسائل الإعلام على نطاق واسع». ونُشرت رواية غير رسمية أخرى في وسائل الإعلام المختلفة تزعم بأنه تمّ تعقّب هنيّة عن طريق تثبيت تطبيق للرصد والتتبّع على تطبيق «واتسآب» في هاتفه الجوّال، ومن ثم قُتل من خلال اختراق طائرة مُسيّرة تفجيرية لغرفته. وقالت «نيويورك تايمز»، نقلاً عن سبعة مصادر شرق أوسطية بما فيها مصدران إيرانيان وواحد أميركي، إن «هذه العبوة الناسفة كانت قد نُقلت خفية، قبل نحو شهرين، إلى مبنى الحرس الثوري في طهران».
سيرياهوم نيوز١_الاخبار