آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » عن «ثقافة الحياة» وعشق «الماكدو»: محرّكات الفردانيّة في زمن الحرب

عن «ثقافة الحياة» وعشق «الماكدو»: محرّكات الفردانيّة في زمن الحرب

غادة حداد

 

ما يميّز النقاش في لبنان عن غيره، هو تلك القدرة على سوقه نحو اتجاهات وحسابات يصعب شرحها لأي سائل عن أحوالنا. بعدما قصفت ضاحية بيروت الجنوبية، جاءت ذكرى انفجار مرفأ بيروت، فكان المشهد اللبناني المملّ والمكرّر. الآن يمعن الفرديون بفرديتهم. بهذه الخفة، تخرج إعلامية لتقول، بكل ما أوتيها من غضب، بأنّها تريد أن تتناول «الماكدو» و«ستارباكس»، ولا تريد أن تتخلى عن نمط حياتها، وتعلن أنها لن تقاطع الشركات الداعمة لإسرائيل، وإلى حدٍ معيّن، هذا موقف يقابل بنقاش. وفعلياً، الجميع يريد الحفاظ على نمط حياته، بغض النظر عما يتناوله، فالجميع يريد أن يعيش، ولا أحد يتمنى يومياً الموت. لا أحد يختار الموت، وهو الذي لا يزال عصياً على كل تطور وتقدم. وفي خضم حرب، لم يعد مهماً سؤال مَن بدأها وكيف، فيما نجد بعضهم غير معني بأن تقصف أراضيه الحدودية منذ عشرة أشهر، وأن تقصف عاصمته. في خضم موجة الفردية التي سادت بعد تزعّم الليبرالية فكر شعوب العالم، منذ تسعينيات القرن الماضي، وتمظهرت في البُعد عن الحياة السياسية، ورفض الأحزاب كمجموعات عمل وضغط، وفقدان النقابات وهجها، لم يعد العمال والموظفون ينخرطون في نقابات. بشكلٍ عام، خسر العمل الجماعي قوته، وباتت الفردية أساس تحرّك الأفراد.

 

 

 

تظهر أرقام «منظمة العمل الدولية» أنّ نسبة الانتساب إلى نقابات في دول الشمال الأوروبي تصل إلى 60 في المئة، بفعل التقاليد العمالية القوية والسياسات الحكومية التي تدعم أنشطة النقابات. أما في أوروبا الغربية، فتصل إلى 15 في المئة في فرنسا و20 في المئة في إيطاليا، ولا تتخطى الـ 12 في المئة في الولايات المتحدة الأميركية. هذه الفردية التي تقوّض فكرة المجموعة والروابط الاجتماعية، حوّلت العلاقات البشرية إلى مجرد تفاعلات بغرض المنافسة، والتركيز على النجاح الشخصي. وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى تلاشي الشعور بما يحدث في المجتمع والمحيط، خارج الحدود الشخصية لكل فرد.

وفي الحرب، تطغى الفردية، ومعها الاعتقاد بتفوّق فئات على أخرى، فهذه الفئة تريد أن تعيش، والأخرى تريد الموت. الجميع يريد أن يحافظ على روتينه، وأمانه، وهو حق انتُزع منا بفعل الجغرافيا والاحتلال. فالواقع يفرض نفسه على منطقة مليئة بالصراعات، ولا يجد هؤلاء الأفراد أنفسهم معنيين ولو بالحد الأدنى، بمصير أبناء بلدهم، ولا منطقتهم. هم غير معنيين بأي قضية، ولا بحقّ أي شعب بالحياة. ينظرون إلى الحياة من معيار الترف والاستهلاك والتباهي. وغالباً ما تكون قضاياهم بحجم فرديتهم، بمعنى أن يحموا «مناطقهم» من غريب آتٍ، ومن «آخر لا يشبههم».

هذا الواقع ببُعده اللبنانيّ، يحوي كل ما تتّسم به الثقافة الاجتماعية اللبنانية، من طائفية عنصرية. من هنا تتجزأ وتتوزع القضايا حتى بات انفجار مرفأ بيروت، قضية تعني المسيحيين، والحرب الإسرائيلية على الجنوب، قضية تعني المسلمين، وتحديداً الشيعة. وفي وقت تدور فيها حرب في المنطقة، هناك من يخرج في لبنان ليعلن معارضته لكل أشكال المقاومة في المنطقة لأنّها إسلامية، وهو نفسه من عارض المقاومات يوم كانت علمانية، وإن كان مشروع الإسلام السياسي يهدّد فعلاً أي احتمال للتنوع الفكري والطائفي، فمن يعارضه ليس أقل طائفيةً وانعزالية.

هذا النمط ولّد شرخاً جديداً بين اللبنانيين، كأنّ الموت يوم أتى على شكل انفجار مرفأ بيروت، ميّز المسلمين عن المسيحيين، حتى إنّه لم يميز اللبناني عن الأجنبي. مع ذلك، لم ينزل مع أهالي شهداء المرفأ إلا سياسيّي بقايا 14 آذار. ومنه يخرج نقاش يصعب إيجاده في بلدٍ آخر، حول إمكانية استقبال النازحين، في حال توسعت الحرب. تُضاف إليه الدعوات لرفع بدلات إيجار المنازل في وجه أهالي الجنوب النازحين لأنهم قالوا «بيتي فداه»، بالإشارة إلى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. هذه القطيعة مع شريحة أساسية في البلد، وفي خضم الحرب، تعكس أزمة هوية فعلية في لبنان. فهناك من يقبل على رمي فئة بأكملها بالنار، بسبب… اختلافها السياسيّ!

ثقافة الحياة تنبع من الحياة نفسها. وهي مهدّدة بفعل حرب متوقعة في أي لحظة، وانفجار مرفق حيويّ آخر، أو جولة اقتتال جديدة، وتوسّع الانهيار الاقتصادي، أو فيروس عالمي جديد. الحديث عن ثقافة الحياة، هو بواقعه الحديث عن غريزة البقاء، تكون أحياناً على شكل الرقص رغم الحرب، وحيناً فرحاً رغم الموت، وفي معظم الأحيان تشبثاً بالحياة عبر القتال والدفاع عن النفس. هذه سياقات غير منفصلة عن بعضها، رغم العمل الحثيث لفصلها عن بعضها. إن لن يكن التحرير بهدف الحياة والفرح والرقص، فما الهدف الحقيقي منه؟ وإن كانت الحياة (وثقافتها) ستأتي على شكل انبطاح تام للغرب، باحتلاله العسكري، ومجازره، ونمط حياته غير الصحّي، وقتل لغتنا لإتقان لغته، فهي لا تتعدى كونها استسلاماً لاحتلال مبطّن.

بلد لا تتعدى مساحته مدينة في دولة أخرى، قادر في سلمه وحربه على تقسيم مواطنيه في أحداث مصيرية، وتحويل النقاش إلى زوايا تُعيد تشكيل خطاب فئوي، كأن الصاروخ الإسرائيلي، يوم يسقط على رؤوسنا، سيستثني محبّي الحياة. وكما أنّ المرفأ انفجر بكل بيروت وقاطنيها، فإسرائيل، ترانا، كما كلّ سكّان غزة، حيوانات بشرية. لا حرب ولا انفجار ولا أزمة تمكّنت من خلق الحد الأدنى من التعاضد بين اللبنانيين

 

 

 

 

 

سيرياهوم نيوز١_الاخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هيفاء وهبي تعبر عن ألمها من تفجيرات لبنان وتدعو للسلام

عبرت النجمة اللبنانية هيفاء وهبي عن حزنها العميق إثر التفجيرات الأخيرة التي استهدفت أجهزة الاتصال مثل البيجر واللاسلكي في لبنان، مما أسفر عن سقوط عشرات ...