آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » جائزة نوبل للسلام: «جزرة» استعمارية

جائزة نوبل للسلام: «جزرة» استعمارية

ج آلان علم الدين

 

يثير ترشيح أربعة صحافيين فلسطينيين لجائزة نوبل للسلام أسئلة عدة، ولا سيما حول الدافع من وجود هذه الجائزة من الأساس. ماذا تكشف نشأة وتاريخ الجائزة عن الغاية منها؟ من يقررون منحها أو حرمانها، وهل هم «حياديون»؟ وهل الجائزة مكافأة «بريئة» أم أنها أداة تدجين استعمارية؟

تاريخ ونشأة «نوبل»

يعلم معظمنا أن ألفريد نوبل هو كيميائي ومخترع سويدي المولد. إلا أن هناك حقيقة أقل شهرة عنه وهي أنه كان صناعياً رأسمالياً. فقد راكم ثروة كبيرة، ليس فقط من اختراعاته، بل أيضاً من مشاريعه التجارية، ولا سيما شركات تصنيع الأسلحة التي ساهمت في تسليح الجيوش الأوروبية في القرن التاسع عشر. ويبدو أن نوبل لم يشعر بأي تعارض بين تجارة الأسلحة (المربحة) وفكرة السلام. فتبرّع بثروته لإنشاء «جائزة نوبل»، وهي عبارة عن خمس جوائز، بما في ذلك جائزة «السلام». ومن المثير للاهتمام أنه لم ينشئ المؤسسة ويموّلها خلال حياته، بل حرص على تدوينها في وصيته، ما سمح له بالاستفادة من ثروته ما دام حياً.

على حد تعبير كوامي توري، «يمكن أن يتعايش السلام مع الظلم. بل يمكن أن يتعايش السلام مع الاستعباد. إذاً، السلام ليس هو الحل، بل التحرير هو الحل. السلام هو كلمة الرجل الأبيض. أما كلمتنا فهي التحرير»

 

وقد نصّت وصيته على أن جائزة السلام على وجه الخصوص ستُمنح لمن قام بـ«أكثر أو أفضل عمل من أجل الأخوّة بين الأمم»، في تبنّ لنموذج الدولة-الأمة الأوروبية التي هي في جوهر الاستعمار. كما نصّت على أن يتم اختيار الفائز بالجائزة من قبل لجنة نوبل النرويجية التي سيتم تعيينها، لا من طرف «حيادي»، بل من قبل البرلمان النرويجي. وهذا يفسر لماذا يأتي معظم الفائزين بجائزة نوبل للسلام من القوى الاستعمارية «الغربية»، بمن في ذلك مجرمو حرب أمثال هنري كيسنجر الذي أدار إرهاب الدولة الأميركية في جميع أنحاء أميركا اللاتينية وآسيا، وباراك أوباما الذي أدار عدوان و/أو احتلال الولايات المتحدة لبلدان عربية كسوريا والعراق واليمن وليبيا، بالإضافة إلى أفغانستان وغيرها.

كما أن هذا التسييس لا يقتصر على جائزة السلام. فحتى يومنا هذا، يتم تعيين رئيس ونائب مدير مؤسسة نوبل بأكملها من قبل الملك السويدي. وهذا ما يفسر، على سبيل المثال، كون أكثر من ثلثي الفائزين بجائزة نوبل في الأدب من الأوروبيين.

 

«السلام» أم العدالة؟

ومن اللافت أن مفهوم «العدالة» غائب عن وصية نوبل. والتركيز على «السلام» بمعزل عن «العدالة» هو جزء بارز من السردية الاستعمارية بحيث يعكس جوهرها العدواني: نأتي، ونسحق، ثم نمدّ يدنا للسلام. فعلى حد تعبير الثوري الترينيدادي كوامي توري، «يمكن أن يتعايش السلام مع الظلم. بل يمكن أن يتعايش السلام مع الاستعباد. إذاً، السلام ليس هو الحل، بل التحرير هو الحل. السلام هو كلمة الرجل الأبيض. أما كلمتنا فهي التحرير».

وهذا ما يفسر منح جائزة نوبل للسلام لثلاثة قادة إسرائيليين مكافأةً لدورهم في «السلام»: إسحق رابين، الذي أمر جيش الاحتلال بكسر عظام المراهقين الفلسطينيين الذين يرشقون الحجارة على محتليهم، وشمعون بيريز ومناحيم بيغن، المعروفين بدورهما في الجماعات الإرهابية الصهيونية قبل النكبة وخلالها. والأمر ليس مفاجئاً. فهو ببساطة انعكاس لموقف السويد، وهي التي أيّدت خطة تقسيم فلسطين عام 1947 وكانت من أولى الدول التي اعترفت بـ«شرعية» إسرائيل عام 1948 ولعبت دوراً بارزاً في حثّ العرب على مهادنة الكيان آنذاك.

هذا لا يعني أن جميع قرارات جائزة نوبل للسلام غير أخلاقية. فالاستعمار يستخدم «العصا» و«الجزرة» لفرض رؤيته: الأولى للتهديد والثانية للترغيب. وهذا ليس حال جائزة نوبل فحسب، بل حال كل المؤسسات التي صنعتها بلدان استعمار «الغرب والشرق» لضبط التفاوض على تقسيم «كيكة» مجتمعات العالم بين بعضها. ومنها الأمم المتحدة والمحاكم الدولية والقانون الدولي وغيرها من أدوات «السلام» لا «التحرير».

نظراً إلى كل ما سبق، هل من الصائب أن يقبل فلسطيني (أو عربي، أو إنسان) جائزة نوبل للسلام؟ طبعاً، سيعود القرار لكل مرشح/ة. لكن لا بد من الإشارة إلى موقف هند الخضري، أحد المرشحين الفلسطينيين الأربعة، كما ذكره زميلها يوسف فارس: «أي جائزة وشعبي يُذبح!… لا أشعر تجاه هذه الجائزة بشيء». ألم يحن الأوان لرفض التدجين وتجاهل، بل احتقار المكافآت التي ينعم الاستعمار بها على «الشاطرين»؟ على كل حال، لن يهنأ «الفائزون» بجائزة مرموقة تعكس قيماً سامية، بل بـ«جزرة» استعمارية تعكس الإرادة السياسية لدول الاستعمار.

* كاتب ومترجم

 

 

 

 

 

 

سيرياهوم نيوز١ _الاخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

سوريّةُ والمحورُ.. واستراتيجيّةُ الأدوارِ المسقوفة!!..

خالد العبود   -هذهِ المرحلةُ من النّزالِ، بينَ محورِ فلسطين من جهةٍ، وكيانِ الاحتلالِ ومن يقفُ إلى جانبِهِ من جهةٍ أخرى، هي مرحلةٌ شديدةُ الدّقةِ، ...