بعد يوم واحد من الإعلان عن تشكيل “المجلس العسكري في السويداء”، والذي تزامن مع “تعهّد” رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بحماية الدروز وإنشاء منطقة منزوعة السلاح في جنوب البلاد، شهد عدد من المحافظات السورية إلى جانب السويداء ودرعا والقنيطرة، احتجاجات شعبية مندّدة بتلك التصريحات، ومتمسّكة بوحدة سوريا أرضاً وشعباً.
وبالتوازي مع ذلك، برزت شكوك حول إمكانية تنسيق “المجلس العسكري” مع إسرائيل، لكونه حدّد نظام الحكم باللامركزية، وهو ما يتطابق مع وجهة نظر وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، الذي اعتبر، في تصريح، أن “نظام الفيدرالية اللامركزي هو الأنسب لسوريا في واقعها الحالي”، مهاجماً الإدارة السورية الجديدة، التي قال إنها “جماعة إرهابية إسلامية جهادية جاءت من إدلب، واستولت بالقوة على دمشق”، مضيفاً “أننا جميعاً سعداء برحيل الأسد، لكن يجب أن نكون واقعيين بشأنهم”. ولفت إلى “أننا نسمع حديثاً عن انتقال السلطة في سوريا، وبالنسبة لي هذا سخيف”، متابعاً أن “الحكومة الجديدة في سوريا تنتقم من العلويين، وتلحق الأذى بالأكراد”، في ما بدا محاولة للعب على وتر الأقليات لتقسيم البلاد.
ونفى مصدر مقرّب من “المجلس العسكري” وجود “أي تنسيق مع الجانب الإسرائيلي، أو نوايا انفصالية للمجلس الجديد”، لافتاً إلى أن “الاتصالات موجودة مع عدد من الدول الأجنبية ومع قوات سوريا الديمقراطية، من دون الحصول على أي دعم مادي أو سياسي حتى الآن”. وكشف المصدر أن “المجلس يعتبر حكام دمشق الحاليين سلطة أمر واقع، لكونهم يتصرفون بفردية، بدليل تشكيل جيش جديد من لون واحد فقط”، مستدركاً بأن “المجلس مستعد للتنسيق مع الحكومة الجديدة في دمشق، في حال قرّرت بناء دولة المواطنة الديمقراطية”. وتابع أن “المجلس تشكّل كردة فعل على التهميش الحاصل بحق الكثير من السوريين”، رافضاً “فرز السوريين على أساس أقلية وأكثرية. فسوريا لكل السوريين”.
بدوره، دعا شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في محافظة السويداء، حكمت الهجري، إلى “تدخل دولي لضمان أن تنتج العملية السياسية دولة مدنية، مع فصل السلطات، وسيادة القانون”، مضيفاً، في تصريح، “أننا لم نرَ بعد القدرة على قيادة البلاد، أو تشكيل دولة بالطريقة الصحيحة”، مؤكداً “أننا ماضون في الأمر على أمل أن تنتظم الأمور، أو يحدث شيء جديد في نهاية الفترة الانتقالية”. وتعليقاً على ذلك، قالت مصادر مطّلعة، لـ”الأخبار”، إن “تصريحات الشيخ الهجري محاولة لتصحيح مسار حكومة دمشق، التي لم تتخذ أي إجراءات تطمينية تجاه الشعب السوري ومستقبل البلاد”، مضيفة أن الأخيرة “لا تزال تتعامل مع الوضع وكأنها تحكم منطقة إدلب والمناطق المجاورة”.
واعتبرت أن “التعدّد العرقي والقومي والطائفي يحتاج إلى إجراءات استثنائية لتطمين الجميع”، وتساءلت عن “الدور المحدود الممنوح للمسيحيين والدروز والكرد في كل مفاصل الحكومة الحالية، وهو ما يعطي مؤشرات سلبية بخصوص التعامل مع الأقليات”. كما اعتبرت أن “الإصرار على التعامي عن الانتهاكات بحق عدد من الطوائف، يدفعها نحو البحث عن جهة إقليمية ودولية لحمايتها، وهو ما يجب أن تواجهه دمشق عبر مبدأ التسامح والتعايش بين جميع الطوائف”.
“قسد” تكثّف عملها في السويداء واللاذقية وطرطوس لاعتماد تجربة “الإدارة الذاتية” نموذجاً
وفي ظل التطورات اللافتة في الجنوب السوري، كثّفت دمشق من اتصالاتها مع المجتمع المحلي في السويداء، وهو ما ظهر من خلال لقاء كل من رئيس المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، ووزير دفاعه، مرهف أبو قصرة، عدداً من الفعاليات المحلية والفصائل المسلحة. كما رُصدت محاولة للضغط على فصائل السويداء و”قسد”، للإسراع في تسليم سلاحها والانضمام إلى الجيش السوري، وذلك من خلال إقرار “مؤتمر الحوار الوطني” عدة مبادئ من بينها عدم شرعية “التشكيلات المسلحة الخارجة عن القانون”، والتشديد على “حصرية السلاح في يد الدولة”.
وفي السياق، وعلى رغم عدم صدور أي موقف رسمي سوري من تصريحات نتنياهو حول الجنوب السوري، إلا أن الشرع ألمح بشكل غير مباشر إلى ذلك، من خلال تأكيده في افتتاح مؤتمر الحوار أنه “يجب ألا تتحول سوريا إلى حقل تجارب لتحقيق أحلام سياسية غير مناسبة”، في إشارة إلى طروحات الفيدرالية واللامركزية. وأشار إلى أن “وحدة السلاح واحتكاره في يد الدولة ليسا رفاهية بل واجب وفرض”.
وفي ظل كل هذه التطورات، ونشر جهة مجهولة بياناً أعلنت فيه عن تشكيل “إقليم أوغاريت”، كإدارة ذاتية لمناطق اللاذقية وطرطوس وقلعة أرواد، في خطوة يبدو أنها تأتي في سياق الإعلان عن تشكيل “المجلس العسكري في السويداء” نفسه، تزداد المخاوف من وجود مخطّطات تقسيمية تستهدف وحدة سوريا، فيما ترى أطراف أخرى أن الهدف هو فقط محاولة إيجاد نظام إداري يساعد في إدارة كل محافظة لنفسها بصورة تحمي المجتمع السوري من معارك مرتقبة، في حال تواصل التحريض الطائفي في البلاد.
ويبدو أن هذا المشروع تقوده “قسد” و”الإدارة الذاتية” التي كثّفت عملها في كل من السويداء واللاذقية وطرطوس، بهدف استمالة عدد من التيارات السياسية إلى تجربة “الإدارة الذاتية” واعتمادها كنموذج إدارة محلية في سوريا، مع مراعاة وحدتها الجغرافية.
كما ثمة تيار يرى أن الفرصة مؤاتية لتقسيم سوريا على أسس طائفية وقومية عبر تشكيل عدد من الأقاليم المتعادية بحكم الواقع الحالي، وسكوت الإدارة السورية الجديدة عن التحريض ضد عدد من الطوائف، وعدم اتخاذ أي إجراءات لحمايتها، مع الاستئثار في السلطة، وتشكيل جيش من لون واحد تهيمن عليه “هيئة تحرير الشام”.
أخبار سوريا الوطن١ الأخبار