يتواصل تفاعل المجتمع السوري مع الأفكار والتوجيهات التي تناولها السيد الرئيس بشار الأسد خلال ترؤسه الاجتماع الأول للحكومة الجديدة، كلٌّ حسب اهتماماته وأولوياته، والقاسم المشترك لهذا العصف الذهني والنقاش والحوار العام يصب في كيفية مواجهة الظروف الصعبة التي يعاني منها الشعب السوري جراء العدوان الإرهابي والحصار الخارجي والخلل في الأداء العام للمؤسسات والقصور في مواكبتها لهذه التحديات واجتراح الحلول لها.
لقد حاز الجانب المتعلق بمكافحة الفساد وتحسين أداء المؤسسات العامة، وخاصة ذات الصلة بمعاناة المواطنين اليومية بالجانب الأكبر من التفاعل والنقاش الساخن، وهذا أمر طبيعي لما لمعالجتها من دور كبير في مواجهة العدوان والحصار وتنحية أثارهما السلبية على الدولة والمجتمع.
وكعادته الرئيس الأسد تحدث بشفافية عن انتشار الفساد، والإجراءات الحكومية لمكافحته، والثغرات التي ينفذ الفساد منها، وصولاً إلى المرحلة النهائية في القضاء وخطورة الخلل فيه وتأثيره الخطير جداً، والذي يتجاوز بخطورته أي مؤسسة أخرى لأن محصلة كل أعمال المؤسسات تصب عند القضاء ويقوم بدور الحكم وإعادة الحقوق.
إن القاعدة القانونية تقول إن تطبيق أي قانون أو نص تشريعي على علاته أفضل من الخروج عن مواده بداعي قصورها، وبدلاً من هذا الخروج يجب العمل على تلافي هذا القصور بتطوير القانون وإعادة إصداره من جديد، وليس بالحفاظ على محتواه القاصر والتذرع بذلك لاستصدار قرارات تحمل في طياتها الثغرات المسهلة للفساد.
خلال السنوات الخمس الماضية اشتغلت جميع مؤسسات الدولة على تطوير القوانين والتشريعات وحصلت قفزة في تلافي الكثير من الثغرات، وخاصة المرتبطة بالاستثناءات والتعقيدات والتشابكات والصلاحيات، ولكن ذلك لم يتم استكماله بالشكل المحكم فيما يسمى التعليمات التنفيذية، حيث يعود المتربصون لتضمين هذه التعليمات الثغرات والاستثناءات التي ينفذ منها الفاسدون إلى أصحاب القرار على جميع المستويات.
إن ما تم انجازه من القوانين والتشريعات الجديدة، وخاصة لجهة الحد من تشابك الصلاحيات والمسؤوليات لم يأخذ طريقه إلى التطبيق الصحيح، وبحجة الوضع والظروف الاستثنائية تمعن بعض السلطات التنفيذية في تجاوز القوانين عبر إصدار قرارات وتعليمات تخرج عن سياق القانون الضابط لهذه الحالات، وغالباً ما تستغل هذه الحالات من قبل متصيدي ثغراتها وهذا الجانب له الأثر الخطير على أداء المؤسسات ومصداقيتها أمام المواطن.
الجانب الآخر يتعلق بعدم مواكبة العديد من المؤسسات للقوانين الجديدة لأسباب أحياناً موضوعية، وفي الكثير من الأحيان لنوازع مرتبطة بالفساد الإداري الذي لا يقل شأناً وخطورة عن الفساد المالي وما ينعكس سلباً على ثقة المواطن بمؤسساته، وتاليا عدم التفاعل الصحيح مع أنشطتها، وهو ما نراه بشكل واضح في أداء المؤسسات المرتبطة بالتعامل المباشر مع المواطنين حيث الشكوى المستمرة.
لقد أشار الرئيس الأسد بشكل واضح إلى ضرورة أن يأخذ مجلس القضاء الأعلى دوره في التشدد بالعقوبات، عندما يكون هنالك أي خروج عن أسس العمل القضائي أو تجاوز للقوانين أو ضرر بمصالح الناس كنتيجة للأولى والثانية، وهي رسالة واضحة للجسم القضائي وتحمل بعداً حقيقياً في عملية مكافحة الفساد المنهجية، التي تسير عبر تطوير القوانين من جهة ومشروع الإصلاح الإداري من جهة ثانية.
وفي نفس السياق من الأهمية بمكان أن يتابع القضاء الإداري آلية تطبيق القوانين، ومدى التزام السلطة التنفيذية بذلك، والتشدد في اتخاذ العقوبات الرادعة بحق أي مسؤول مهما كانت صفته يتراخى في تطبيق القانون أو يفسره على هواه، وخاصة فيما يتعلق بحقوق المواطنين والمساواة التي تمنحها القوانين والتشريعات لهم في تسيير حياتهم اليومية وممارسة أنشطتهم المتنوعة.
إن اجتثاث الفساد في أي مجتمع يقوم على أساس وجهد متكامل لسد الثغرات وعلى كل المستويات الإدارية والمالية والمجتمعية، وقد تحول الظروف التي تمر فيها سورية دون استكمال بعض جوانب هذه العملية، وخاصة في موضوع ترميم سلسلة الرواتب والأجور، ولكن ذلك ليس مبرراً لأحد، أفراداً ومؤسسات لممارسة الفساد، وكذلك الأمر بالنسبة للإعلام الوطني والمجتمع في دوره الأساسي في كشف الفاسدين وتعريتهم.
(سيرياهوم نيوز-الثورة5-9-2020)