آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب الأسبوع » رواية”نسمات شرقية”

رواية”نسمات شرقية”

 

د.محمد البدويّ- تونس

 

شرف كبير ينال دار البدويّ للنشر بتقديم رواية المبدع السوريّ غسان ونوس “نسمات شرقيّة” إلى القرّاء في تونس والوطن العربيّ.

إنّ القارئ يظلّ على امتداد الرواية مشدوداً إلى تفاصيلها، باحثاً عن تطوّراتها ومآل شخصيّاتها؛ ليكتشف في الختام أنّه كان يتابع مسيرة قرية منسيّة، ويكتشف ما عرفته من تحوّلات مسّت البنية الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة بفعل التأثيرات الخارجيّة؛ سواء ما كان من السلطة والشركات التي تسعى إلى إنجاز مشروع خزّان مائيّ أو مشروع ربط القرية بالطريق الدوليّة، وكانت التحوّلات كذلك من أبنائها الذين درسوا في الخارج، وعاد بعضهم مرفوقاً بزوجة أجنبيّة، وآخرون بمشاريع مختلفة.

إنّ النسمات الشرقيّة تترجم حيرة الشخصيّات وتمزّقها بين رغبتها في التحرّر من الماضي وإيقاع الحياة الرتيب في القليعة، وبين الاستجابة لنداء الحياة المعاصرة والانفتاح على الآفاق الرحبة في بيروت أو في أماكن أخرى من العالم.

تمرّ رواية غسان ونوس بمرحلتين بارزتين؛ الأولى رتيبة الإيقاع وهي تتابع نمط عيش القرية في أفراحها وأتراحها وحياتها اليوميّة، وتصف شخصيّاتها (رجال، نساء، شبّان، هامشيّون…) وما يشدّهم إلى بعضهم من روابط دمويّة وجوار وعصبيّة وأعمال فلّاحيّة في الأساس، تقوم على حفر الآبار، وللاستفادة ممّا توفّره من أسباب العيش.. وتقوم المرحلة الثانية على دخول عناصر غريبة عن الضيعة بمشاريع ظلّت فترة طويلة وهميّة غير واضحة لدى السكّان، وقد ساعد حضورها في المساهمة في تحقيق تحوّلات كبيرة بنسق سريع، انسحبت معه شخوص كثيرة بصفة طبيعيّة أو بفعل فاعل مجهول، وحضرت أخرى، فكانت النتيجة أن تكسّرت الأبنية التي كانت تشدّ القرية إلى بعضها، وتغيّرت القيم لتسيطر المادّة على كلّ شيء، ويصبح ماضي القرية وتاريخها أشياء عتيقة مهملة، لم تعد تصلح للاستعمال إلّا في متحف جديد، يحفظ بعض هذه الذاكرة للأجانب للفرجة أكثر ممّا هو لأهل الضيعة.

إنّ رواية غسان ونوس لا تحتفل ببطل نموذجيّ مفرد على نمط الروايات التقليديّة؛ لأنّ البطولة كانت للقرية كلّها، حتّى وإن كانت في جانب من مسيرتها مفعولاً بها.

إنّ “نسمات شرقيّة” تمثّل صرخة فزع على ما يحدث في قرانا وفي قلاعنا الصغيرة (القليعة) من تحوّلات خارجة عن إرادتنا؛ من شأنها أن تعصف بالقيم الأصيلة التي عاشت عليها قروناً طويلة:

“عند المنعطف، كان قد فقد الكثير من توازنه، بدا عاجزاً عن التفكير، عاجزاً عن التبكيت، غير قادر على محاسبة نفسه أو ذاكرته أو أحلامه ورغباته التي قادته إلى هذا المآل.. ولم يكن بإمكانه الإجابة على سؤال مفترض: هل تستطيع أن تكون غير ما كنت؟!

حين وصل إلى المفترق، وتباطأت السيّارة قليلاً، تلفّت القلب.. حاول أن ينظر إلى الخلف، أن يتحسّس النسيم الشرقيّ الذي سيحمّله إحساسات لا يقدر على ترجمتها: لوماً، عتباً، شفقة، ندماً، أسى، قنوطاً.. ليرسلها صوب القليعة.. القليعة التي كانت تتململ تحت أنين ناي معتّق يجرّح ما لم يتشرّخ بعد، ويستنزف ما لم يهرق بعد. وتستعدّ للصحو والغفلة والاحتفال..”

وبالرجوع إلى الوثائق، ندرك أنّ القليعة موجودة في أكثر من بلد؛ كما في تيبازة بالجزائر أو أغادير بالمغرب، أو مرجعيون في لبنان، ولكن قليعة غسان ونوس ليست بالضرورة واحدة بعينها؛ فما أكثر القليعات والقلاع الحصينة في وطننا العربيّ، نعيش تحوّلاتها بسلبيّة كبيرة، إن لم يكن قد فات أوان المحافظة على قيمها الأصيلة. فهل كلّ هذه التحوّلات قدر أم اختيار؟)

*الدكتور محمد البدوي ناقد تونسي توفي منذ أيام.

(سيرياهوم نيوز3-صفحة كاتب الرواية28-10-2022)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

كتاب “العادات السبع للناس الأكثر فعالية”

      يتضمن الكتاب دروساً فعالة في التغيير الشخصي ويتناول مفهوم الفعالية الشخصية والتأثير الإيجابي للعادات الصحيحة على حياة الفرد. يركز الكتاب على تطوير ...