| عبد اللطيف شعبان
هناك العديد من المشكلات المتعلقة بالاقتصاد البيئي، لا يجب تجاهلها أو تأجيل إيجاد الحلول لها لسبب أو لآخر، كنكبة الزلزال الطاغية على المشهد بحكم جسامة خسائرها وتداعياتها ومتطلبات مواجهتها، لافتين إلى أهمية ألا يطغى أمر على آخر، لأن أي خلل في جزء من الاقتصاد ينعكس على الاقتصاد الكليّ، وهذا يستدعي قيام كلّ جهة بعملها الواجب القيام به.
من تلك المشكلات أنه ونتيجة التزايد المتتابع في زراعة شجرة الزيتون المباركة وتزايد إحداث المعاصر، وتزايد توفير شبكات المياه للسكان، فقد استفحلت ظاهرة تلوث شبكات مياه الشرب بالمياه الناتجة عن معاصر الزيتون خلال السنوات الماضية، نظراً لعدم وجود ضوابط محدّدة وملزمة تشترط ترخيص إقامة معصرة زيتون -أكان ترخيصاً قديماً أو حديثاً- بخصوص تصريف المياه الناتجة عن عصر الزيتون، وضعف جدوى التشريعات والإجراءات اللاحقة خلال السنوات الأخيرة بهذا الشأن، ما أدى لخروج أكثر من شبكة مياه شرب أو نبع أو بئر ماء عن صلاحية الشرب ليوم أو أكثر في المناطق التي توجد فيها معاصر الزيتون، نتيجة تسرّب ماء المعاصر إلى المياه الجوفية خلال موسم عصر الزيتون المتميّز في العام المنصرم، والحالة نفسها كانت بنسب مختلفة أثناء مواسم السنوات الماضية.
لقد تبيّن أن التعليمات التي صدرت خلال الموسم الحالي ومواسم الأعوام الماضية غير ممكنة التنفيذ لدى نسبة كبيرة من المعاصر، فإمكانية تجميع مياه المعصرة في حرم عقارها غير ممكنة نظراً لضيق المكان الموجودة فيه، وخاصة المعاصر القديمة، كما أن نقل المياه إلى مكان آخر غير ممكن في كثير من الحالات نظراً لارتفاع أجور النقل، ولعدم وجود مكان مخصّص لتجميع هذه المياه، وطبيعة أكثر الأراضي في مناطق معاصر الزيتون، خاصة وأن المناطق الجبلية لا تسمح بمرور آليات نقل مياه المعاصر لرشها في الحقول، نظراً لقلة الطرق الزراعية، كما أن الكثير من الحائزين الزراعيين لا يسمحون بوضع هذه المياه في عقاراتهم، نظراً لثبوت خطر بعضها على الأرض الزراعية، لأن بعض مياه العصر مختلطة بمخلفات غير نظيفة من المعصرة كمخلفات مواد الوقود أو غير ذلك.
هذه المشكلة قائمة منذ سنوات، والمؤسف أن الجهات المعنية غير آبهة بها كما يجب، إلا عند حدوثها في الموسم، وغالباً لا يكون الحلّ حينئذ ذا جدوى، إذ أن ما يتحقق من تحسُّن تدريجي في نقاوة مياه شبكة المياه المتلوثة، إثر توقيف المعصرة عن العمل في منطقة التلوث، يقابله سوء كبير في جانب آخر، يتمثّل بالتضرر الكبير الذي يلحق بأصحاب المعصرة وعمالها نتيجة إغلاقها الذي يستمر لأيام، عدا عن الضرر الذي يلحق بالمزارعين نتيجة التأخر في عصر إنتاجهم من الزيتون، والمشكلة أن الحالة تتكرّر مجدداً عقب تشغيل المعصرة بأيام
واقع الحال هذا يتطلّب أن تقوم الجهات المعنية منذ الآن، أي عقب انتهاء موسم الزيتون للعام المنصرم، بدراسة مجمل الإجراءات الممكنة بما يتناسب مع الواقع الجغرافي لكلّ قطاع مجموعة من معاصر الزيتون، التي تتسبّب في تلوث شبكة مياه الشرب، مقترنة بتعليمات قابلة للتنفيذ، ومستطاعة الالتزام بالتنفيذ من أصحاب المعاصر، كي يمكنهم التحضير لاعتماد التعليمات الملزمة خيارياً ورضائياً في موسم العام القادم.
وهنا أقترح أن تحضِّر الجهات الرسمية في كلّ محافظة، لعقد ورشة عمل على مدار عدة أيام في كلّ منطقة منتجة للزيتون، وخاصة تلك المعتاد أن تتلوث شبكة مياهها خلال فترة عمل معاصرها، وأن تكون مديرية زراعة المحافظة في هذه الورشة بحضور مجالس وحدات الإدارة المحلية المعنية، وأصحاب معاصر الزيتون وممثلين عن المؤسّسة العامة لمياه الشرب والشركة العامة للصرف الصحي، على أن يتدارس المجتمعون مجمل الحلول الممكنة واختيار الحلّ الأفضل المتناسب في كيفية تصريف مياه معاصر الزيتون حسب واقع كلّ قطاع جغرافي، مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية تطبيق الحلّ المقترح، ودراسة كيفية معالجة النفقات المالية التي ستترتب على كلّ اقتراح، والتي ستتحملها هذه الجهة أو تلك، وهنا أرى أن أحد الحلول الممكنة والمفيدة، تتحقّق من خلال إحداث سدَّات مائية صغيرة ضمن كلّ قطاع جغرافي، وتوجيه أصحاب المعاصر لنقل مياه معاصرهم إلى هذه السدَّات، وعلى الأغلب ستسمح هذه السدَّات بقطف بعض الزيت عن سطح مائها، لأن مياه عصر الزيتون تحوي بعض الزيت، ومن ثم يمكن استثمار هذه المياه -مع المتجمع معها من مياه الأمطار- في سقاية الحقول المجاورة بالراحة أو بالضخ
قد يكون لدى آخرين اقتراحات أكثر جدوى وأقل كلفة، حسب واقع كلّ قطاع جغرافي، وأياً كان الخيار فمن الضروري جداً أن تتدارس الجهات الرسمية المشكلة من كافة النواحي، بغية الوصول إلى حلول قابلة للاعتماد مع بداية الموسم القادم، إذ من الإجحاف الكبير بقاء الحال على ما هو عليه، فمن حق المواطن ألا يشرب ماءً ملوثاً، ومن حق أصحاب المعاصر ألا يتمّ تكليفهم بما لا يستطيعون تنفيذه، وعلاج التلوث الناجم عن مياه معاصر الزيتون يكون قبل الموسم لا أثناءه.
(سيرياهوم نيوز ١-البعث)