أثبت رئيس الوزراء الباكستاني السّابق عمران خان مُجدّدًا، بأن له شعبيّة عارمة في عُموم باكستان، فأنصار الرجل حالوا دون اعتقاله على خلفيّة استدعائه للمحكمة، واشتبكوا مع الشرطة التي قدمت لاعتقاله من منزله، وحاصرت الطرق المُؤدّية لمنزله، لتتحوّل ساحة منزله في لاهور، إلى أشبه بساحة معركة، يبدو فيها أن أنصار خان، أجبروا الشرطة على الانسحاب، ثم هتفوا مُكبّرين، ومُتعانقين، لتُصبح ليلة فشل القبض على عمران خان.
ونشر عمران خان صورة، وأمامه كومة كبيرة من قنابل الغاز المسيل للدموع، والتي تم إطلاقها على مقرّه في زمان بارك أثناء مُحاولة الشرطة اعتقاله تنفيذًا لأوامر المحكمة.
السلطات الباكستانيّة، أو حكومة شهباز شريف، قالت عبر مستشار رئيس الوزراء الباكستاني في تصريحات إعلاميّة، بأن عدم مُثول خان أمام المحكمة، واحتمائه كما قالت بالأطفال، والعمال كدروع بشريّة، يُمثّل حالة من “ازدراء القانون”.
عمران خان دائماً ما كان يمتثل لاستدعاءات المحكمة، ولكن ومع اقتراب موعد الانتخابات التي يُفترض إجراؤها في 30 إبريل/ نيسان المُقبل، يبدو أن ثمّة ما يُقلق الحكومة الحاليّة من خوض خان هذه الانتخابات، ما يُفسّر مخاوف حركة “الإنصاف” وهو حزب خان الذي يتزعّمه، من اعتقال الأخير، بل وإخفائه قسْرًا، وتعذيبه، أو حتى اغتياله، وقد تعرّض فعليّاً لمُحاولة اغتيال فاشلة، حيث أصابت الرّصاصات ساقه.
ويبدو أن السلطات الباكستانيّة، تتخبّط بشأن عمليّة القبض على عمران خان، في ظل حالة الغضب التي أصابت أنصاره في باكستان، وقد علّقت المحكمة قرار عمليّة القبض الأربعاء حتى الخميس، ثم أعلن عن تأجيلها مرّةً أخرى إلى غدٍ الجمعة، فيما رفضت الشرطة تسلّم تعهّد رسمي من خان بمُثوله أمام القضاء السبت، ما يُثير التساؤلات حول حقيقة قرار نوايا اعتقال خان، وأن اعتقاله ليس لعدم امتثاله أمام المحكمة، بل لتغييبه عن السّاحة السياسيّة.
خُصوم خان، يُقدّمون رواية تقول بأن رئيس وزراء باكستان السّابق، يعمد إلى خلق البلبلة، وإثارة الفتنة، والوصول إلى حالة من عدم الاستقرار، برفضه قرار اعتقاله، ولكن حزب “الإنصاف” أكّد بأنه أرسل رسالة إلى المحكمة العُليا أكّد فيها استعداد عمران خان للتعاون مع القضاء، فيما مخاوف اغتياله لا تزال قائمة، والحكومة في المُقابل تقول بأنها مُلزمة بحماية خان “حال مُثوله أمام القضاء”.
التأجيل كان هو السّمة الغالبة على قرار اعتقال خان في كُل مرّة، المحكمة العُليا ثبّتت هذه المرّة مذكرة اعتقاله، وقالت بأنه لا بُد من القبض عليه، وإحضاره للمحكمة (غدًا الجمعة)، ما يضع الشرطة أمام تحدّي اعتقاله مجدّدًا، والاشتباك مع أنصاره، والعودة لمُربّع إشعال فتيل العُنف.
اللّافت في كُل هذا أن أكثر من 80 قضيّة مرفوعة ضد خان، قال الأخير لو ثبت أني مذنب في أي قضيّة منها، فإنه مستعد لترك السياسة، ويشترط خان بأن تكون المُحاكمة “عادلة”، ما يُوحي بأن خان لا يثق بقضاء بلاده.
ويكتسب عمران خان أهميّةً لافتة، وجدليّة سياسيّة، كونه رئيس الوزراء الباكستاني الوحيد الذي أُطيح به بتصويت على حجب الثقة في تاريخ باكستان السياسي المُتقلّب مُنذ 75 عامًا، ما يُصدّر حقيقة وجود مُؤامرة ضدّه، بسبب مواقفه ضد السياسات الأمريكيّة، والتطبيع، فيما يُواجه عددًا كبيرًا من القضايا المرفوعة ضدّه بعد الإطاحة به تحديدًا، تتراوح بين الإرهاب ومُحاولة القتل وغسل الأموال، وهذه قضايا يقول خان بأنها ذات خلفيّة سياسيّة.
ولا يُتوقّع من قيادة الجيش الباكستاني اتخاذ موقف مُناصر لعمران خان، أو على الأقل قائد الجيش الحالي عاصم منير، والذي اتّهمه خان بالتآمر مع الحكومة لوضعه بالسجن، ومنع مُشاركته في الانتخابات، وأكّد خان بأن المؤسسة العسكريّة والأمنيّة، يخشون عودته للسّلطة، فالجنرال عاصم منير جرى تعيينه من قبل رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، ليحل محل الجنرال قمر جاويد باجوا واستمرّت فترة ولايته 6 سنوات، حيث كان الأخير (باجوا) أكثر قُرباً لخان، ولن يُقدّم الجنرال عاصم منير دعمه لخان، بحُكم تعيينه من قبل شهباز شريف أوّلاً، والأهم ثانياً بأن الجنرال عاصم منير جرت إقالته من منصبه كرئيس لجهاز المُخابرات الباكستانيّة على يد خان، وبعد 8 أشهر من تعيينه وحين كان عمران خان رئيساً للوزراء، فعودته في إطار المُناكفة لخان، وانتقام الجنرال منير من عمران خان بالتآمر وفق اتهام خان لمنير وارد.
وفي ظِل توجيه اتهامات لعمران خان بالفساد المزعوم، واستدعائه للمحكمة على خلفيّتها، تُطرح تساؤلات حول تورّط رئيس الحكومة الحالي شهباز شريف، ومدى نزاهته، وهو المُتّهم بقضايا احتيال بالملايين، وقامت المحكمة بإعفائه من حُضور الجلسات بحُجّة أن ذلك سيُؤثّر على عمله بصفته رئيساً للوزراء!
بكُل حال تدخل باكستان حالة ترقّب، لمعرفة كيف سيكون شكل المشهد الأخير في أيّام وليالي مُحاولات القبض على عمران خان، الكلمة الأخيرة لأنصاره لعلّها، أو أن للشرطة “عُنفٌ آخر” سيتجدّد في ساحة منزل خان.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم