| أديب مخزوم
خسرت الأوساط الفنية والثقافية الفنان النحات فؤاد نعيم (1955 ـ 2023) الذي رحل بعد معاناة مع المرض، تاركاً مجموعة واسعة من المنحوتات الحجرية البازلتية بأحجام مختلفة، تشعرنا دائماً بأنه كان يمتلك مهارة الضربة الواثقة التي تبرز ملامح الوجه أو الجسد، مع التركيز لإظهار لون الحجر الطبيعي كمنطلق لبلورة أشكاله النحتية، التي تجمعها سمة واحدة، هي المتانة أو التقنية العالية، ولهذا كان يتعامل مع الكتلة الحجرية بمهارة وعقلانية، لا تخلو من بعض اللمسات العفوية التي نجدها في ضربات الأزميل المباشرة، الموزعة في أماكن متفرقة من العمل النحتي، لا سيما في الأقسام التي تحافظ على شكل الكتلة الحجرية الخام، حيث يجري بعض التعديلات على هذه الأقسام وبطريقة تجعلها تتلاءم مع باقي أجزاء المنحوتة.
وعلى الرغم من إلمامه الواضح بكافة تفاصيل التشريح الجمالي، فقد كان يعطي أهمية قصوى لتعابير وانفعالات حالته الداخلية التي تركت أثراً واضحاً على منحوتاته، في مناخها التعبيري الحديث. وهذا يعني أن الفنان الراحل تعامل مع الكتلة الحجرية بعفوية وبعقلانية بعيدة عن التكلف والاصطناع، وبمعنى آخر كان يتجه بمنحوتاته إلى الأناقة وأولوية الجمالية الخارجية البعيدة عن الغموض والالتباس دون أن يتجاهل معطيات الفنون النحتية المعاصرة.
ولقد أصر على تقديم هوية محلية للمنحوتة، من خلال إدخال بعض الإشارات التاريخية التي لها ارتباطاتها بجذور مدينته السويداء، كما أنه وقبل أي شيء آخر، كان يصر على تقديم هوية جغرافية للكتلة من خلال اعتماده على الحجر البازلتي، الذي ينتمي إلى طبيعة الصخور السوداء أو الرمادية المائلة للازرقاق والتي تعرفها المنطقة الجنوبية في سورية، تلك المنطقة التي كانت في أزمنة سابقة مشتعلة بالبراكين يمكن أن نميز بين عدة أنواع من الصخور المنحوتة في أعماله، بعضها يتميز بملامس ناعمة وبعضها الآخر يقترب من الهيئة الاسفنجية كما تتغير درجات الألوان بين كتلة حجرية منحوتة وأخرى، كل ذلك له علاقة بطبيعة الحجر، بقربه أو بعده عن فوهة البركان.
وبصورة عامة تبدو منحوتاته متينة والعلاقات بين الضربة والأخرى قوية ومريحة وهادئة، وهي تجنح لتقديم جسداً لينا مطواعاً، دون أن نجد فيه جماد الكتلة الحجرية القاسية، فالأجساد تأتي بوضعيات مختلفة، تتأرجح بين تلك التي تتمثل في تقديم الصدر بأنطواء نحو الخلف أو بانطواء نحو الأمام، كما تدرج في تقديم المنحوتة من تلك التي تشعرنا بالعزلة والغبطة والنشوة، إلى تلك التي تعبر عن عاطفة ومشاعر الأمومة.
هكذا نجد منحوتاته تتلوى كجسد أنثوي أو تنهض برأس مرتفع أو تنطوي بخصرها على نفسها، فالحركة الدائمة هي حركة امرأة في أي حال تتردد بوضعيات مختلفة بين منحونة وأخرى. نحن هنا أمام حركات الجسد الأنثوي العاري، وتجلياته وانكشافاته وإيقاعاته التي لا تنتهي، ولقد كان يعمد إلى تقديم الجسد بسطوح بازلتية على قدر من الخشونة والعفوية، في الوقت الذي كان فيه قادراً على تقديمه بسطوح أقل خشونة وأكثر عقلانية، وهذا يعني تحرراً من المعطيات التقنية الثابته، ويعني أيضاً اختباراً وبحثاً عن الاحتمالات الأقوى وترداداً لصدى الإيقاعات التي تولدها ضربات الأزميل فوق السطوح البازلتية المتنوعة.
ولم يكن يسعى ولا يرغب بتقديم سطوح وملامس كلاسيكية ناعمة بقدر ما كان يرغب بأن تحمل ضربة الأزميل حرارة خاصة، ولذلك فقد أبتعد كثيراً عن أي هدف تسجيلي أو تقريري مباشر، ويتعزز هذا الرأي كلما نظرنا إلى لمساته التعبيرية العفوية، لاسيما الضربات التي تترك أثرها المباشر على الأقسام غير المنحوتة من الكتلة الحجرية.
أن الدهشة التي تصيبنا أثناء التجوال بين منحوتاته تنبع من تلك اللياقة والمهارة والعفوية التي تتمتع بها أعماله، حيث كان يبرز براعة في السيطرة على حركات متزايدة الصعوبة، وتتمثل في معالجة عضلات وتقاسيم وتفاصيل حركة الجسد والوجه معاً.
يذكر أن الفنان فؤاد نعيم من مواليد السويداء عام 1955 ومن الفنانين المتخرجين من محترفات كلية الفنون الجميلة عام 1980، ولقد عمل في التدريس الفني بكلية الفنون الجميلة الثانية بالسويداء، وهو عضو اتحاد الفنانيين التشكليين السوريين، وشارك في العديد من معارض النحت، كما له عمل نصبي في مدينة “شهبا”، وتجارب في فن الكاريكاتير، وهو متزوج من التشكيلية نادية نعيم، ولديهما ثلاثة أبناء.
سيرياهوم نيوز3 – الثورة