آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » عاصي الزند ونيتشه….

عاصي الزند ونيتشه….

 

باسل علي الخطيب

 

لست معتاداً على مشاهدة بعض المسلسلات والأفلام بدافع المتعة والتشويق الدرامي فحسب، إنما أحب القراءة مابين كلمات الحوارات وماخلف المشاهد….

أعتقد أن الكثيرين وبعد أن استشهد عاصي بطل مسلسل الزند بالفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، قد سألوا من يكون هذا النيتشه، أو بحثوا عنه في الويكيبيديا ……

 

حسناً، عاصي لم يستشهد بنيتشه صدفة، سبق وقلت ان مسلسل الزند ليس عملاً درامياً فحسب، وليس مجرد سردية درامية لحقبة تاريخية ما، وليس حكاية بطل من ذاك الزمان قرر أن يتمرد على واقعه، وعلى من تسبب بذاك الواقع….

 

لاحظوا أنني استعملت كلمة (يتمرد)، ولم استعمل كلمة (يثور)….

 

يرتبط التمرد بالغضب، وترتبط الثورة بالوعي، ولكن الثورة تحتاج الغضب، تحتاج التمرد، والتمرد يصير ثورة عندما يستطيع ذاك الوعي التحكم بالغضب وتوجيهه بطريقة صحية ، هذا اولاً، أما ثاتياً، فلزوم وجود ثورة يستوحي تحقيقها أو سعيها لتحقيق أمرين متلازمين في أي مجتمع، ولايجوز أن تكون ثورة إن لم تحقق كليهما معاً وبنسب متساوية، إعادة إنتاج منظومة أخلاقية افضل، وإعادة توزيع الثروة بشكل أكبر وأوسع وأكثر عدلاً….

 

طبعاً، لايمكن الحديث عن ثورة ما في مكان ما، إن لم يسبقها حراك فكري يمهد لها، أو يكون رافعتها الايديولوجية، كان ضربة (معلم) من قبل صانعي المسلسل، أن جعلوا طريقا عاصي وخليل تلتقيان، عاصي المتمرد بزنده على ظالميه، وخليل تلميذ كرم افندي الذين كانوا دعاة حركة فكرية تدعو إلى الإصلاح والعدالة…..

 

تتلخص فلسفة نيتشه في تمجيد (الفرد)، وتمجيد (ثقافة القوة)، كان نيتشه قاسياً احياناً في اختيار بعض مفرداته وتعابيره، ولكنه كان أحياناً حكيماً، لم يكن التفاضل عند نيتشه يقوم على أساس الاخلاق أو الفضيلة، إنما على أساس الإمكانات والقوة، حتى أنه كان عنده تصنيفين أو مفهومين للأخلاق هما ( أخلاق العبيد ), و( أخلاق السادة)…..

 

قد تكون مخرجات بعض افكار نيتشه هي وراء ظهور الأفكار النازية والفاشية لاحقاً، وظهور (ثقافة النخبة) ، والإنسان السوبرمان، وقد نتفق مع بعض أفكاره أن التاريخ والحضارة تصنعهما النخبة وليس العامة، وان الديمقراطية هي أسوأ أنواع إدارة الشأن السياسي، وأنها أسوأ أنواع الحكم، وهذا كان على فكرة رأيي حتى قبل أن أقرأ لنيتشه، و ونختلف معه في تمجيد ثقافة القوة وتفضيلها على الفضيلة…..

 

لاحظنا أنه في المسلسل قد حصل خلاف بين عاصي وخليل، عاصي يمثل الزند ( القوة) في هذا التمرد، وخليل يمثل الوعي ( العقل), وان قولهما لبعضهما البعض أنهما ماعادت هناك ثقة له دلالاته الكبيرة، هنا دائما يحصل التشوه الأول في ذاك ( الجنين – الثورة)…..

 

يتقدم الآن الزند على الوعي، لأن الحاجة إليه أكبر في هذه الفترة، ولكن ليس إلى درجة الطغيان، عاصي يتصرف كقاطع طريق، نعم كان من حقه هو ومن معه أن يستردوا قمحهم المنهوب بطريقة أو بأخرى، لكن عاصي تصرف كرئيس عصابة عندما قام بتوزيع ثمن الحمولة على أفراد (عصابته) فقط، ولم يشارك الفلاحين – أصحاب القمح الأساسيين- في عملية (إعادة) توزيع الثروة……

 

هذه نقطة فاصلة في أي تمرد على الظلم، بين أن يتحول إلى ثورة، أو ينتهي إلى حالة غرائزية مشوهة، عدا عن ذلك، لاحظنا تلك الفردية أو الشخصنة التي يتسم بها هذا التمرد، أن التمرد هو عاصي، وعاصي هو التمرد، وهذا هو التشوه الثاني الذي يصيب ذاك الجنين….

 

اريد أن أشير إلى نقطة أخيرة، قال البعض أن في المسلسل بعض الاقتباسات من افلام عالمية، قد يكون ذلك، ولكن لفتت انتباهي لقطة أعتقد أنها ماكانت لأزمة، وهي عندما حصلت المعركة بين عاصي ورجاله مع حراس القافلة التي تنقل القمح في الحلقة الثامنة من المسلسل، حيث في نهاية المعركة قد أطاح عاصي بأحد الحراس وبدأ يضربه ضربات وحشية متتالية بالفأس (الفاروعة)، حتى أن الدم قد تناثر في كل مكان من وحشية وتوالي الضربات، وغطى وجه وثياب عاصي، هذه اللقطة هي (نسخ لصق) من فيلم ( المواطن ) لميل غيبسون، عندما كان يقتل جندياً انكليزياً قتل ابنه….

 

الوحشية ليست من مصلحة (الثورة)، عدا عن ذلك هي ليست ثأراً شخصياً…..

(سيرياهوم نيوز ١-صفحة الكاتب)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

المؤسسة العامة للسينما تعيد تأهيل صالات الكندي

تماشياً مع رغبة المؤسسة العامة للسينما في تقديم أفضل ما يمكن من أساليب العمل السينمائي، وتأكيداً لضرورة تأمين حالة عرض متقدمة ومتميزة لجمهورها، فإنها عملت ...