- أحمد الحاج علي
- السبت 10 تشرين الأول 2020
ظهرت، أمس، بوادر تهدئة بين أرمينيا وأذربيجان، مع انطلاق مباحثات تجمع وزيرَي خارجية البلدين في موسكو، مصحوبة بإبداء الطرفين استعدادهما للانخراط في مفاوضات السلام. بذلك، تكون روسيا قد نجحت في إحداث خرق في جدار الأزمة، بعدما حرصت منذ انطلاق المعركة على رسم مسافة أمان من طرفَيها، شأنها في هذا شأن إيران، التي تتحكّم بموقفها اعتبارات استراتيجية عديدة
وعلى رغم تدخّل تركيا في المنطقة لتوسيع رقعة نفوذها واكتساب أوراق ضغط تُجَيَّر لمصلحة مكتسبات إقليمية في ساحات مواجهة أخرى، ومع وجود نوايا أميركية وإسرائيلية لخلق بقع توتر وعدم استقرار في الفضاءَين الروسي والإيراني، إلا أن موسكو وطهران تُبقيان على مسافة أمان في العلاقة مع باكو ويريفان؛ فلا روسيا سترسل قواتها للقتال إلى جانب إقليم ناغورنو قره باغ، ولا إيران ستتورّط في مواجهة من شأنها تعزيز النَّزعات الانفصالية داخل حدودها. ومن هنا، تتبنّى الدولتان سياسة الاحتواء، والتي تَجلّت في إرسال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، رسالة إلى كلّ من أرمينيا وأذربيجان، تؤكّد الالتزام بالدفاع عن الأولى ولكن ضمن الحدود الأرمينية الدولية (ما يعني ضمناً، من وجهة نظر موسكو، أن قره باغ أرض أذربيجانية محتلّة)، وتُحذّر الثانية، ومِن خلفها تركيا، من توسيع رقعة الهجوم إلى خارج الإقليم الذي تقطنه غالبية أرمنية منذ أيام الاتّحاد السوفياتي. من جهتها، تعتقد إيران أن قره باغ أرض محتلّة، ولكنها ترفض استعادتها من قِبَل باكو بالطرق العسكرية. وفي هذا الإطار، اعتبر مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، قبل أيام، أن «أرمينيا احتلّت أجزاء من الأراضي الأذربيجانية، وعليها مغادرتها والعودة إلى الحدود الدولية… لكن لا يمكن أن يتمّ ذلك بالطرق العسكرية»، بل بالطرق السياسية.
يبدو أن عملية خلط الأوراق الجارية حالياً ستفتح الباب على تسويات وتفاهمات
كذلك، اعتبر ولايتي أن «إسرائيل وتركيا تتدخلان في الحرب وتُحرّضان عليها»، على أن لهجته تجاه أنقرة بدت مختلفة عما هي عليه تجاه تل أبيب؛ فـ«إسرائيل لا يحق لها التواجد في المنطقة، أو حتى إبداء وجهة نظر» في شأنها. وكذلك الأمر بالنسبة إلى فرنسا، الباحثة لها عن دور إقليمي في إطار التنافس مع تركيا. أمّا الأخيرة، فتَوجّه إليها ولايتي بصيغة التوصية بالتدخل الإيجابي، بدلاً من «صبّ الزيت على نار الأزمة»؛ عبر المساعدة في إيجاد حلّ، وهو ما يمكن أن يفتح الباب على تفاهمات تشارك فيها دول المنطقة، على غرار «مسار أستانا» بين روسيا وتركيا وإيران في شأن سوريا.
ويمكن تلخيص مكامن القلق الإيراني والروسي ممّا يجري بين أرمينيا وأذربيجان في التالي:
1- يُشكّل السكان من أصول أذرية حوالى ربع إلى ثلث سكان إيران، التي يقطنها أيضاً عدد لا بأس به من المواطنين الأرمن. ومن هنا، تخشى طهران من أن يُستغلّ النزاع الحالي لتحريك النعرات الإثنية، وهو ما قد يُشكّل تهديداً للأمن القومي الإيراني.
2- يُغذّي هذا النوع من الصراعات، من وجهة نظر طهران، الكراهية بين المسلمين والمسيحيين، عبر تصوير المعركة وكأنها بين مسيحيين مضطهدين ومسلمين متسلّطين، بينما هي في الواقع معركة سياسية، مرتبطة بصراع النفوذ والسيطرة على موارد الطاقة.
3- بالقراءة الإيرانية، تبرز في خلفية الصراع الدائر حالياً المساعي الجارية لدفع الأقلّيات المسيحية إلى المطالبة بالانفصال، وإضعاف فكرة المواطنة لديها في العديد من الدول، وهو ما أريد الوصول إليه من خلال التحريض على العنف الطائفي في منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا. كذلك، يُخشى من أن تؤدّي تغذية الشعور لدى أبناء الطائفة الأرمنية، من مختلف الجنسيات، بأنهم يتعرّضون لحرب إبادة جديدة تستوجب منهم التأهّب للدفاع عن قوميّتهم ووجودهم، إلى دفع الطوائف المسيحية الأخرى، كما في لبنان مثلاً، إلى التكتّل والانعزال خوفاً من تهديد وجودي.
5- يلوح في أفق المعركة خطر توريط إيران في معركة جديدة مع الإرهابيين الذين يتمّ نشرهم على حدودها مع أذربيجان، وربما استدراجها إلى صراع مباشر مع تركيا، وهو ما استطاعت تلافيه في سوريا والعراق.
6- أيضاً، يبرز احتمال استغلال إسرائيل لشراكتها مع أذربيجان، كونها من أبرز المستوردين للنفط و الغاز الأذربيجانيَّين، من أجل تحقيق اختراق في وجه إيران.
7- يضاف إلى ما تقدّم، خطر جرّ دول القوقاز الأخرى إلى النزاع، وهو ما لا يصبّ في مصلحة أيّ منها، وصولاً إلى توريط روسيا في مواجهة مع «حلف شمال الأطلسي» (الناتو).
7- كذلك، ثمة قلق من أن تكون الحرب القائمة مقدّمة لتحويل خطوط أنابيب غاز شرق آسيا من روسيا إلى تركيا، وبذلك تكون الدولتان قد وُضعتا في مواجهة مصالح حيوية مع بعضهما البعض، علماً أن ثمّة في المقابل فرصة لتطوير التفاهمات الروسية – الأوروبية انطلاقاً من الرفض الأوروبي، وتحديداً الفرنسي، للدور التركي في غير ساحة.
8- واتّصالاً بالنقطة الآنفة، ثمّة خشية من السعي الأميركي إلى فرض استقلالية أوروبية عن النفط و الغاز الروسيَّين، وهو ما لا يتناسب مع مصالح دول أوروبية تُعتبر من أهمّ مستهلكي موارد الطاقة الروسية.
بالنتيجة، يبدو أن عملية خلط الأوراق الجارية حالياً ستفتح الباب على تسويات وتفاهمات، وخصوصاً أن روسيا وإيران خبرتا سياسة الضغوط بالوكالة التي تلجأ إليها تركيا في غير ساحة، من سوريا إلى ليبيا فالعراق إلى منطقة قره باغ، حيث يظهر اليوم أنها ترغب في تحصيل مكسب بديل من تراجعها في سوريا، وخصوصاً في إدلب، في ظلّ استمرار خشيتها من «التهديد الكردي»، والذي تمسك موسكو وطهران بأوراقه المؤثرة.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)