الدكتور خيام الزعبي
في الأسابيع القليلة الماضية وجدت الإدارة الأمريكية نفسها في ورطة حقيقية، وهذه الورطة سببها عدة تطورات حدثت في وقت واحد بشكل غير متوقع على الإطلاق، وبينما تتراجع واشنطن من الشرق الأوسط فإن دول المنطقة بدأت تتقدم ببطء نحو حل مشكلاتها بنفسها، بما في ذلك محاولة تسوية الخلافات بين سورية والدول العربية .
في الصورة الأكبر، الشرق الأوسط يعيش الآن في حالة من التحالفات وإعادة ضبط أنظمة التحالف المعروفة والقائمة، فالتنسيق بين سورية والسعودية ومصر ضد السياسة الأمريكية قد يثير قلق واشنطن، والاصطفاف العربي -العربي قد يعطي هذه الدول أسباباً للعمل المشترك.
تطور وعودة علاقات سورية مع العديد من الدول العربية، يأتي كخطوة لترسيم عودة سورية لحضن الدول العربية، وبالتالي إن أمريكا لا تريد أن يكون هناك تقارب سوري- سعودي بل ترغب أن تستمر العداوة حتى تبقى المنطقة مشتعلة وتستمر في إستغلال الدول العربية عبر بيعها الأسلحة وإستنفاذ ثرواتها، كما أنها لا تريد للأزمة السورية أن تنتهي ولا يسرها وصول سورية إلى حالة من الأمن والاستقرار، فعملت على إشعال فتيل الصراعات وإثارة المشكلات بين الأطراف لصرف نظرها عن هدفها الرئيسي المتمثل في السيطرة على مقدرات البلاد وترسيخ وجودها على حساب الدولة السورية ومصالح الشعب السوري .
في هذا السياق تمثل عودة دمشق إلى التكتل العربي تتويجاً لسياسة الغرب الفاشلة تجاه سورية ونصراً دبلوماسياً، ليس فقط لها، ولكن أيضاً لداعميها في روسيا وإيران الذين دعموا سورية على مدار السنوات السابقة، وبذلك تكون المصالحة مع سورية ضربة للتأثير الأمريكي في المنطقة وتعزيزا للانقسام بين القوى الإقليمية والولايات المتحدة.
بالطبع، إيران توسع نفوذها بالمنطقة فيما تقلص الولايات المتحدة وجودها، ليست إيران فقط.. الروس والصينيون في الشرق الأوسط أيضاً يقلقون نوم الأمريكيين، حيث أدت التدخلات الفاشلة في أفغانستان والعراق وليبيا والصومال وسورية إلى النفور من المشاركة بشكل أكبر في شؤون الشرق الأوسط، وقرار إدارة بايدن الانسحاب من أفغانستان هو تأكيد على التراجع المستمر للدور الأمريكي في المنطقة .
مما لا شك فيه، إن الموقف الصيني تجاه العديد من الملفات الدولية المعقدة لجم الإندفاع والتهور الأميركي ، وقد كان الملف النووي الإيراني واحداً منها، حيث سقطت سياسة التهديد العسكري الأميركي ضد إيران، وهو ما دفع بالرئيس الأميركي لتفضيل الخيارات الدبلوماسية، وتركيزه على العمل مع حلفائه سياسياً ودبلوماسياً كبديل عن استخدام القوة، في رؤية لا يستطيع من خلالها تجاهل الدور الروسي وحتى الصيني في معالجة معظم القضايا الدولية.
وبينما تحاول الولايات المتحدة تأمين موطئ قدم في مثلث الليثيوم من خلال الاستثمار في شركات تعدين الليثيوم المحلية وتعزيز الابتكار التكنولوجي لتحسين استخراج ومعالجة الليثيوم، فإنها تواجه منافسة شديدة من الصين، التي تهيمن على سلسلة توريد الليثيوم العالمية، من المؤكد أن واشنطن سوف ترى فيها تهديداً لمصالحها ونفوذها.
وفي المقابل، تبدو أمريكا اليوم نموذجاً لمجتمع منقسم ممزق، حافل بالتناقضات والتوترات والتعصب وتضارب المصالح، ومليء بالعنف والتوحش السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ومن هنا باتت أمريكا مهددة بفقدانها مكانتها كأكبر اقتصاد في العالم، وربما تخسر معه تفوقها التكنولوجي أيضاً.
اليوم تمر أمريكا في مرحلة مفصليّة من إعادة رسم تحالفاتها في المنطقة، بما في ذلك سورية الذي يبدو أنّها لم تعد تملك قدرتها وخبرتها على فهم تطورات الأحداث فيها، بعدما كانت صانعة لأحداث المشهد في سورية، و تعيش في الوقت الراهن أسوأ مراحلها من حيث خسارتها لأكبر شبكة تحالف صنعتها لعقود طويلة تفقد حلفائها هناك والذي شكل ورطة لأمريكا مقابل بروز الحلف الروسي الإيراني.
مجملاً…في ظل تقليل الولايات المتحدة لوجودها العسكري بالمنطقة، والتوسع الصيني من خلال المشاريع التجارية بجميع أنحاء العالم، ومحاولات روسيا إعادة فرض نفسها طرفاً قوياً في المعادلة، من الواضح أن المنطقة ستشهد في المرحلة المقبلة تنافساً قوياً ، وستتأثَّر بهذا الصراع بشدة؛ بجانب تشابك الحضور الأمريكي-الصيني، وشدة تنافُسيته، ناهيك عن كونه يمثل ساحةَ مواجهة خارج المجالات الحيوية لواشنطن وبكين، وحديقةً خلفية للصراع الدولي القادم.
أختم بالقول….. إن السوريين اليوم يتطلعون إلى الدول الحليفة، والمباحثات القادمة، في ضوء تسارع الأحداث التي تحمل في طياتها أملاً لكل شعوب المنطقة التي عانت من دمار وخراب وتدمير، مؤكدين بأن سورية تخوض الحرب ضد الإرهاب دفاعاً عن شعوب العالم، وفي الوقت نفسه للدفاع عن أمنها وسيادتها واستقرارها.
وببساطة شديدة، إن مستقبل سورية يبقى مرهون بنتائج الميدان وتقدم الجيش السوري وقدرته على تغيير معادلات الخارج، وفرض الحل الأنسب لهذه الازمة ، لذلك فإن الإدارة الأميركية تفكر الآن بمجموعة من القضايا الإستراتيجية والدبلوماسية، والتي تشكل حبل النجاة والنجاح، وخاصة فيما يتعلق بالأزمة السورية إذ تشهد الإدارة الامريكية نشاط وعمل مستمر على هذا الصعيد، الأمر الذي يشير على أن واشنطن أمام إستراتيجية جديدة في المنطقة وخاصة سورية.
سيرياهوم نيوز1-رأي اليوم