د. عصام نعمان
تنشغل “اسرائيل” حكومةً ومعارضةً بهاجس مقلق بعدما توصّلت السعودية وايران بوساطة الصين الى مصالحةٍ بينهما ، وأخفقت قوات الكيان في إحباط عمليات المقاومة في مختلف مناطق فلسطين المحتلة . الهاجسُ المقلق عبّر عنه مدير معهد القدس للإستراتيجيا والأمن الصهيوني إفرايم عنبار في “ورقة موقف” (2023/4/16) بقوله : “في غياب تحركٍ إسرائيلي حازم وناجع فإن حلفاءنا الذين يتخوّفون من إنسحاب اميركا من المنطقة ويخشون عداء ايران سيعتقدون ان “اسرائيل” هي دعامة من قصب لا يمكن الإعتماد عليها ، وحينها سيتقرّبون من ايران”.
هاجسُ “اسرائيل” هذا بات الشغل الشاغل لأهل الرأي والباحثين والكتّاب السياسيين والخبراء الإستراتيجيين في الصحف والقنوات التلفزيونية ومواقع التواصل الإجتماعي . هؤلاء جميعاً ما كانوا ليخوضوا هذه المناقشة الحامية لولا تحريض من الإئتلاف الحكومي وقيادة الجيش الإسرائيلي . فالحكومة يهمها إطلاق مناقشة واسعة للإيحاء الى الرأي العام الإسرائيلي بأن ما يواجه الكيان من مخاطر وتحديات يستوجب تجميد الخلافات والإنقسامات الداخلية والتوحّد لمواجهة الاعداء. اما الجيش الإسرائيلي فيتوخى إستدراج اوسع نخبة من الخبراء الإستراتيجيين الى إبداء الرأي وإقتراح أفعل الخُطط والسيناريوهات الممكن إعتمادها في الحرب .
دراستان في هذا المجال تستوقفان المراقب الراغب في معرفة كيف يُفسّر الإسرائيليون ما يجري داخل الكيان وما يقتضي عمله لمواجهة العدو . اولى الدراستين وضعها اودي ديكل ، الباحث في معهد الأمن القومي ، ظهرت في “مباط عال” (العدد 1709 ، 2023/4/16). ثانيةُ الدراستين وضعها إفرام عنبار المشار اليه آنفاً .
يرى ديكل في دراسته ان عمليات المقاومة المتعددة الساحات التي شملت القدس ، ومستوطنين على الطرقات في الضفة الغربية ، وإطلاق صواريخ كتف مضادة للطائرات من قطاع غزة ، وصواريخ من جنوب لبنان ومن هضبة الجولان ، تدلّ على وجود إتفاق بين محور “حماس”-الجهاد الإسلامي من جهة ، ومحور ايران- حزب الله من جهة اخرى يهدف الى تحقيق الغايات الآتية :
– توسيع معادلة القوة ضد “اسرائيل” بوضع قواعد اشتباك جديدة على الحدود مع لبنان.
– تدفيع “اسرائيل” ثمناً لهجماتها في إطار “المعركة بين الحروب” التي تشنّها على اهداف في سوريا.
– وقف مسار التطبيع بين “اسرائيل” والعالم العربي.
– الإفادة من حرص اميركا على تفادي نشوب حرب في الشرق الأوسط طالما الحرب مستمرة في اوكرانيا والتوتر سائداً بينها وبين حكومة اليمين المتطرف في “اسرائيل”.
إزاء هذه الواقعات والتطورات ، يرى ديكل وجوب تخفيف حكومة نتنياهو الإستقطاب والتوترات في المجتمع الإسرائيلي ، وتخفيف استفزاز الفلسطينيين في الضفة الغربية ، والتمسك بالوضع القائم في حرم المسجد الإقصى ، ولا سيما منع اليهود من دخول الحرم خلال شهر رمضان ، والإستمرار في تعزيز السلطة الفلسطينية (محمود عباس) والتنسيق الأمني معها.
يتوافق عنبار في دراسته مع ديكل على ان القذائف التي أطلقت مؤخراً على “اسرائيل” من لبنان هي من فعل محور ايران-حزبالله في إطار استراتيجيا تهدف الى إحاطة اسرائيل بـِ “حلقة من نيران الصواريخ” بغية تنغيص حياة مواطنيها لكون الجبهة المدنية هي نقطة ضعفها ، وان الضغط عليها سيؤدي الى إنهيارها. خلافاً لديكل ، يرى عنبار ان احدى العقبات التي تتوجب معالجتها قبل التحدي النووي الإيراني هي صواريخ حزب الله القادرة على إلحاق ضررهائل بـ “اسرائيل” الامر الذي يتطلّب إزالة مخزونه من الصواريخ في جنوب لبنان بعمليةٍ برّية واسعة النطاق .
في هذا المجال يكشف عنبار ان الجيش الإسرائيلي قام بتدريبات في جبال قبرص ما يدلّ على وجود تحضير لسيناريو هجومي ضد لبنان ، وان وزير الدفاع الإسرائيلي السابق بني غانتس أشار اخيراً الى ذلك ، وانه يقتضي ان يركّز الجيش على هذه المهمة. ويرى عنبار ان المحافظة على مكانة “اسرائيل” الإقليمية تفرض استخدام القوة العسكرية ضد حزب الله في لبنان لأن الدول العربية “المعتدلة”، خصوصاً تلك التي وقعت إتفاقات ابراهام ، تتابع بإهتمام السلوك الإسرائيلي ، وانه في غياب تحرك اسرائيلي حازم وناجع فإن هؤلاء جميعاً سيعتقدون ان “اسرائيل” باتت دعامة من قصب لا يمكن الإعتماد عليها ، وحينها سيتقرّبون من ايران .
غير ان الامر اللافت في دراسة عنبار قوله “إن الوقت الذي ستقرر فيه “اسرائيل” العمل وحدها دفاعاً عن أمنها بقواها الذاتية يقترب ، وان السبيل للحؤُول دون قيام ايران نووية ومنع الإنتشار النووي الخطير في المنطقة يمرّ عبر القضاء على تهديد صواريخ حزب الله في لبنان “.
هذه الواقعات والمعلومات تدركها بلا شك قيادات محور المقاومة ، ولا بدّ من ان تكون قد تحسّبت لها بمخططات وعمليات مضادة. مع ذلك ، لا غضاضة في ان ندلي نحن ، المراقبين والمتابعين المحترفين لتطورات المشهد الإقليمي العام ، بما لدينا من افكار وملاحظات وتوصيات :
اولاها ان فصائل المقاومة ، لاسيما “حماس” والجهاد الإسلامي ، فتحت منذ أشهر معركة الضغط على السلطة الفلسطينية بشخص رئيسها محمود عباس لوقف التنسيق الامني مع “اسرائيل” في الضفة الغربية ، وانها أصابت نجاحاً ملحوظاً في هذا المجال ما يجعل توصية مدير معهد القدس للإستراتيجيا والامن الصهيوني إفرام عنبار بـشأن “تعزيز السلطة الفلسطينية والتنسيق الامني معها” ذات مردود محدود في الحاضر والمستقبل.
ثانيتها ان ما تملكه فصائل المقاومة في لبنان وقطاع غزة من صواريخ دقيقة ومضادات للدفاع الجوّي ومسيّرات قتالية وخبرات ميدانية على مدى سنوات عدّة تمكّنها من إلحاق تدمير شديد ببنيات “اسرائيل” التحتية (مصانع وقواعد وموانيء ومطارات ومواصلات ومؤسسات اقتصادية ومدنية ) في منطقة “غوش دان” بين حيفا ويافا على امتداد نحو90 كيلومتراً ما يردع القيادة الإسرائيلية عن المخاطرة بشنّ حربٍ على لبنان او على قطاع غزة ، خصوصاً بعد نجاح فصائل المقاومة في إنجاز مطلب وحدة الساحات الرامي الى تعظيم خسائر “اسرائيل” البشرية والمادية في الحرب.
ثالثتها ان المصالحات السياسية وما يمكن ان ينجم عنها من مشروعات للتعاون الإقتصادي بين الدول العربية والإسلامية كفيلة هي الأخرى بتطوير موازين قوى مغايرة في منطقة غرب آسيا من شأنها لجم الولايات المتحدة وبالتالي “اسرائيل” عن إعتماد خيار الحرب البالغ التكلفة البشرية والإقتصادية.
هل ثمة مبالغة في هذا التقدير الإستشرافي ؟
(سيرياهوم نيوز1-البناء)