| محمد نادر العمري
منذ أكثر من أسبوع بأيام معدودة انشغلت وسائل الإعلام الأميركية والعالمية بخبر تسليم الرئيس الأميركي الأسبق والمرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية 2024 دونالد ترامب نفسه للسلطات في ولاية أتلانتا لاستكمال إجراءات محاكمته بتهم جنائية مختلفة، سبق ذلك احتجازه ثلاث مرات في نيويورك وميامي وواشنطن نتيجة اتهامات عدة تراوحت بين الاتهام بدفع أموال لأعمال سرية، أو بسبب اتهامه الاحتفاظ بوثائق سرية وسوء التعامل بها، أو بسبب القضية المتهم بها والمتعلقة بمحاولة إلغاء نتيجة الانتخابات لعام 2020، وهو ما يؤكد أن التاريخ السياسي الأميركي يشهد سابقة من حيث اتهام رئيس سابق ومرشح رئاسي مقبل كل هذه الاتهامات، وتضع المتابع للشأن الأميركي في حيرة من أمره حول مدى أهلية ترامب لخوض الانتخابات المقبلة، ومدى أحقيته في الترشح.
للإجابة عن ذلك لابد من التوقف عند عدة مؤشرات شهدتها الحياة السياسية الأميركية خلال عقد من الزمن، والتي تكرس مفهوم حصول تحول في الحياة السياسية:
أولاً- وصول الرئيس ترامب للسلطة عام 2016، كان تعبيراً واضحاً من المختصين عن غياب دور وتأثير ووجود النخب السياسية الأميركية، لكون ترامب كان يمثل التوجه الشعبوي، البعيد عن مراعاة الدور المؤسساتي السائد في الولايات المتحدة الأميركية، وهذا برز سواء من حيث القرارات التي كان ينفرد باتخاذها والإعلان عنها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أم التصريحات الارتجالية التي كان يطلقها بشكل مخالف لمحددات مؤسسات صنع السياسات الأميركية، أو من التكتيك الابتزازي «التجاري» الذي كان يتعامل به مع حلفائه وخصومه.
ثانياً- الوضع الصحي المتردي للرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن، إن تجاوزنا موضوع وصوله للسلطة في سن هرمي وهو 78 عاماً، ووجود وثائق مؤكدة حول عدم أهليته لإدارة السلطة في الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما يظهر مع كل تصريح يربك به فريق إدارته من خلال عدم تمييزه بين الحلفاء والخصوم، فضلاً عن الأداء الجسدي المتآكل.
هذان المؤشران يمكن الاستناد إليهما للتأكيد على ضعف أداء النخب السياسية في الولايات المتحدة الأميركية، وتؤكد في الوقت ذاته على حصر الانتخابات المقبلة بإحدى هاتين الشخصيتين، وهو ما يضعنا في إشكالية قدرة ترامب على الترشح خلال المرحلة المقبلة.
في حال استطاع فريق ترامب القانوني من تجاوز موضوع «تضارب المواعيد» بين إجراءات التقاضي والحملة الانتخابية وصولاً إلى انتهاء تلك الانتخابات وفرز أصواتها، فيبدو أن العائق الأكبر سيزاح من أمامه، ولاسيما أن ترامب ذاته يعترف بأن تلك الإجراءات القضائية قد تهدد مصير حملته، لذلك سارع فريق محاميه بتقديم طلب إرجاء محاكمته بالتهم الفيدرالية الموجهة إليه حتى نيسان من عام 2026 أي بعد 3 أعوام من الآن، وبعد عامين من معرفة الرئيس الجديد للبيت البيضوي في حال فوزه، أو خسارته.
ولكن اللافت أن توظيف هذه الاحتجازات من الديمقراطيين لم تنجح في تخفيض شعبية خصمهم الشعبوي، على العكس من ذلك فإن القدرة التي أبداها ترامب على تحمل هذه المشاكل والقضايا التي تحيط به من كل جانب زادت من شعبيته التي حظي بها في استطلاعات الرأي الأخيرة ضد منافسيه داخل الجمهوريين على الأقل.
بل ربما أن هذه القضايا والدعاوى دفعت الجمهوريين بالدرجة الأولى لتجاوز انقساماتهم لمواجهة محاولة الديمقراطيين من التشويش عليهم بهدف إبعادهم عن السلطة، وبالدرجة الثانية أيقظت لدى كثير من داعمي ترامب الرغبة في دعم مرشحهم حتى النهاية، حيث أصبحوا مقتنعين بأن الرئيس بايدن يهدف من خلال أمره بمحاكمة ترامب الآن أن يشغل مرشحهم الجمهوري بإضاعة الوقت والمال وإفقار ترامب من إيجاد الوقت اللازم لإدارة حملته الانتخابية.
أما فيما يتعلق بالجانب الآخر، والمتمثل بمدى إمكانية فوز ترامب بالانتخابات في حال سجنه، فإن الدستور الأميركي وبصورة صريحة لا يمانع من ذلك على العكس، فإنه يتيح للمرشح أياً يكن الترشح للانتخابات ولو أدين المرشح وأصبح داخل السجن، ومن أبرز الأمثلة على ذلك ليندون لاروش الذي ترشح عام 1992 للانتخابات وكان مسجوناً بتهم الاحتيال والتهرب الضريبي، إلا أن تهم ترامب على اعتبار كونها اتهامات فيدرالية تحتاج لجلسات مطولة للحكم بها، لذلك غالباً فإن اعتقاله أو توقيفه يستغرق فترة تتجاوز مدة الحملة الانتخابية.
إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أنه مستعد للاعتقال وبكل فخر في سبيل إبقاء الانتخابات الرئاسية نزيهة، وأنه إن اعتقل في جورجيا فسيفتخر بذلك، لا يمكن وضعها إلا في إطار الحرب الانتخابية التي يبدو أن ترامب بدأ بخوضها منذ الآن، بل يظهر وكأنه حسم نتائج الانتخابات الحزبية بأشهر، إذ إن هذه الكلمات من شأنها أن ترتبط بكل تفاصيل الانتخابات الأميركية الرئاسية، التي تعد نتائجها أمراً شديد الأهمية لقادة وشعوب العالم نظراً لمكانة الولايات المتحدة الأميركية من جانب، ومن جانب آخر الكثير من مؤيدي ترامب يؤمنون بكلامه وهو بات بمنزلة المشهد الأساسي في السياسة الأميركية منذ أن اقتحمها قبل 10 سنوات، وفي كل ساعة يتأكد أنه المرشح الجمهوري الأوفر حظاً على الرغم من قضاياه القانونية التي ستبقى الأكثر تغطية من الناحية الإعلامية طوال هذا العام والعام التالي.
سياق الانتخابات الأميركية ومصيرها التي هي على بعد سنة ونصف السنة من حدوثها يبدو أنها باتت أشبه بفيلم هوليودي تتوافر به كل أركان وعناصر عرضه بحرفية، إذ يوجد فيه بطل خارق وقضاة وخصوم ووسائل إعلام… إلخ، وعلى العالم أن يسلم بنهاية الفيلم الذي نسجت تفاصيل روايته، ويصدق كل خيالاته، وإن كانت خارجة عن المألوف وتروج لظواهر غير تقليدية يراد تعميمها في هذا النظام الفوضوي.
سيرياهوم نيوز3 – الوطن