آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » الرئيس الأسد في الصين.. رسائل إلى جبهات عدة

الرئيس الأسد في الصين.. رسائل إلى جبهات عدة

| عبد المنعم علي عيسى

في العام 1956 كانت قد مضت سنوات سبع، فحسب، على وصول «الحزب الشيوعي الصيني» إلى سدة السلطة في بكين، الفعل الذي نتج عنه الإعلان عن تأسيس جمهورية الصين الشعبية تعبيراً عن النهج الذي كان يعبر عنه ذلك الوصول، وفي ذاك العام، هذا الأخير، ستشهد العلاقات بين البلدين، سورية والصين، نمطها الدبلوماسي المعروف بين الدول عبر الإعلان عن قيام السفارات التي ترمز في العادة للكثير من الدلالات التي تبدأ بـ«السياسي» وصولاً إلى «الثقافي» وما بينهما «الاقتصادي» و«الأمني» و«الحزبي»، وما يلوذ بهذا الثالوث الأخير.

في ذلك الحين كان أكثر ما تختزنه الذاكرة الجمعية للسوريين عن الصين هو «سورها العظيم» الذي كان يرمز لانكفاء الذات الصينية وراء حدودها خشية غزوات الخارج من جهة، ويشير لسعيها في الحفاظ على الخصوصية التي لطالما امتازت بها التجربة الصينية عبر آلاف السنين من جهة ثانية، وهو السور نفسه الذي كان كارل ماركس، مؤسس النظرية التي حملت اسمه والتي استنارت بها الطبعة الصينية التي باتت تعرف بـ«الماوية» فيما بعد، قد بشر بانهدامه عبر «مقلاع السلعة» الذي قال إنه «سيدك لبناته واحدة تلو الأخرى»، وإذا ما كانت نبوءة ماركس قد تحققت فإن «أحفاد ماو» نجحوا في قلبها رأساً على عقب، فالسلعة التي دكت حصونهم فارضة عليهم الانفتاح، وفتح كل الأبواب على مصاريعها، باتت اليوم «مقلاعهم» الذي يدكّون به حصون العالم من أقصاه إلى أقصاه، لكن ما راحت ترسمه تلك الذاكرة السورية حديثاً كان يحوي بين دفتيه صوراً لتجربة فريدة تريد لشعبها النهوض، وفي السياق تمد ذراعيها لكل الساعين نحو فعل مماثل.

بشكل ما يمكن القول إن العلاقة الصينية السورية كانت تسير منذ قيامها على رتم واحد، هو السير ببطء لكن بثبات، إذ لطالما كان رتم «البطء» الذي اتخذته «ثورة ماو»، وسار أحفاده عليه من بعده، هو المعلم الأبرز في منهجية راحت تختط مساراتها بعيداً عن الانفعالية والشعبوية، في سياق إدراكها المبكر للحقائق والمعطيات الناظمة لها، كما لأي علاقة تنشأ بين كيانين يشتركان بالكثير من دون أن يعني ذلك أن تلك «المشتركات» هي من النوع الكافي لاستنساخ النماذج أو انصهار الرؤى، باختصار كان تسويق «النموذج العقائدي» بعيداً عن «الهم» الصيني الأمر الذي حرر السياسة من القيود التي عانت منها نظيرتها السوفياتية زمن الشيوعية.

مع التدويل الذي دخلته الأزمة السورية يوم 4 تشرين الأول 2011، الذي شهد تصويت مجلس الأمن على مشروع قرار يهدف إلى تكرار «السيناريو الليبي» الطازج آنذاك، كان «الفيتو» الصيني حاضراً إلى جانب نظيره الروسي، في مؤشر عاد وتكرر مراراً سنوات 2012، 2014، 2017 ثم 2020، والمحطات كلها كانت تشير إلى معطيات عدة سيبرز من خلالها موقف صيني ثابت يرى أن «الانهيار السوري» سيكون مقدمة لانهيارات سوف تشهدها المنطقة على طريقة «الدومينو»، والفعل، فيما لو حدث، سيمثل النقيض لما تريده بكين الساعية إلى عموم الاستقرار سبيلاً وحيداً لتسويق مشروعها، «الحزام والطريق»، الذي تزامنت انطلاقته مع اضطرام النار السورية بدرجة كادت توحي أن الغرب يراهن من خلالها لقلب معادلات وإرساء توازنات ليست بعيدة عن مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذي سبق أن تنبأت به وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندليزا رايس، مع الرشقات الأولى لعدوان تموز 2006.

بشكل ما يمكن القول: إن إعلان قمة «G20» بنيودلهي عن إطلاق مشروع «الممر الاقتصادي» الذي من المقدر له أن يربط الهند بأوروبا مروراً بالشرق الأوسط، يهدف في مراميه البعيدة إلى تكرار «السيناريو السوفييتي» بالطريقة نفسها، الأمر الذي لا ترى بكين بديلاً عن مواجهته بسبل ووسائل شتى، وما نريد قوله من السردية السابقة هو أن هذه المناخات شكلت أرضية لا غنى عنها لفهم الظروف التي أحاطت بزيارة الرئيس بشار الأسد للصين حتى إن تلك الأرضية، كفيلة بوضع تصورات توحي بما يأمله الطرفان منها.

في البعد السياسي، يمكن القول: إن الزيارة تهدف إلى تثبيت شرعية الدولة السورية على المستوى الدولي، ولإرسال رسالة قوية للغرب مفادها القول إن ما يسعى إليه هذا الأخير يعترضه الكثير لكي تصبح الآمال بنسب نجاحه معقولة، وفي السياق أيضاً ثمة رسالة هنا مفادها أن الهدف الأبعد لمسار التسوية السياسية للأزمة السورية يجب أن يكون ببسط سيادتها على أراضيها واستقلالها بعيداً عما يجري الشد باتجاهه على الرغم من أن بعضه يحظى بوجاهة تجعل من الخوض فيه أمراً إيجابياً.

في البعد الاقتصادي تأتي الزيارة في ظل الأوضاع الاقتصادية الخانقة التي تعانيها البلاد بمفاعيل عدة أبرزها الحصار الغربي الذي لم يصل بعد، كما يبدو، إلى مستوياته العليا، وفي ذاك يمكن القول: إن بكين قد تذهب مدفوعة بـ«حافز» جديد يمثله «الممر الاقتصادي» نحو تفعيل «الحزام والطريق» حيث تقع الجغرافيا السورية على إحدى ممرات هذا الأخير، مع الإشارة إلى وجود مؤشرات تصب في هذا الاتجاه، أو هي ترجحه، من نوع الإعلان عن عقد مؤتمر ستشهده بكين شهر تشرين الأول المقبل، وهو يندرج في هذا السياق عينه، وذاك، فيما لو حدث، سيمثل فرصة اقتصادية كبرى لسورية يمكن تلمس نتائجها على المدى المتوسط، فالمشروع، أي «الحزام والطريق»، ليس طريق «ترانزيت» فحسب، بل هو يتضمن إنشاء بنى دعم لوجستي متكاملة تكون كفيلة بقيام «محطات» تقدم شتى أنواع الخدمات بدءاً من المواد الأولية وصولاً إلى الطاقة ثم مروراً بالعديد من عمليات التبادل ذات المنافع المشتركة.

زيارة الرئيس الأسد للصين تمثل نقلة نوعية في العلاقات الثنائية بين البلدين من النوع الذي يمكن الرهان عليه في مسعانا للتخفيف من آثار الحصار الغربي الذي من المتوقع أن يشهد «طبعة منقحة» جديدة عما قريب، ويمثل في الآن ذاته محطة فارقة في صياغة توازنات القوى الدولية في المنطقة التي تبدو بكين بوضعية من يريد «اقتحامها» طالما أن الغرب ارتأى فتح كل الجبهات بما فيها «الجوارية» الموجعة.

 

سيرياهوم نيوز3 – الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الديناصور الإسرائيلي الثقيل وحزب الله الرشيق ٠ مالم يتوقعه الديناصور ٠

نارام سرجون         صار من الواضح ان قبعة الساحر نتنياهو لم يعد فيها أي قدرة على ادهاش الحضور والجمهور .. فاذا نظرنا ...