علي عبود
في خطوة غير مسبوقة، وقد تكون الأولى من نوعها، أصدرت وزارة الاقتصاد بيانا كان بمثابة “مرافعة” إقتصادية لتبرير دعم مزارع الموز اللبناني!
وبغضّ النظر فيما إذا كانت هذه “المرافعة” رداً غير مباشر على مقالتنا المنشورة في موقع (سيرياهوم نيوز) بعنوان “لامقايضة للموز اللبناني بالحمضيات السورية” أو على الإنتقادات الكثيرة التي هاجمت قرار استيراد كمية 30 ألف طنا من الموز اللبناني، فإن السؤال: ماذا نستنتج من “مرافعة” وزرارة الإقتصاد لتبرير دعم المزارع اللبناني بدلا من المزارع السوري وتحديدا مزارعي الموز والحمضيات؟
على عكس ماجاء في “مرافعة” وزارة الاقتصاد، فإن الزراعات الإستوائية في سورية ليست جديدة، أو “ماتزال في بدايتها”، فقد بدأت في تسعينات القرن الماضي، وكانت نتائجها مبشّرة، وخاصة الموز، لكنها لم تستأثر باهتمام الحكومات المتعاقبة بفعل نفوذ من يستوردها!
نعم، بدأت زراعة الموز في طرطوس في تسعينات القرن الماضي وكانت ولا تزال المصدر الرئيسي لعشرات او مئات العائلات، لكن من لم يدعم المحاصيل الزراعية الغذائية والعلفية التي تؤمن الإحتياجات السلعية بدلا من استيرادها، لم نتوقع منه دعم الزراعات الإستوائية المدرّة للقطع الأجنبي، لأنه يميل دائما للحل الأسهل المستنزف للقطع.
أليس ملفتا أن ينتج لبنان عشرات ألاف الأطنان من الموز وبما يفيض عن حاجة أسواقه في حين لم يتجاوز إنتاج سورية بعد ثلاثة عقود كمية 5 آلاف طن؟ومع ذلك لم تنتظر وزارة الاقتصاد تصريف هذه الكمية الهزيلة ليستفيد الفلاح من مردودها المادي، ولتشجعه على زيادة الانتاج فقررت سريعا ومثلما تفعلها في كل عام استيراد الموز اللبناني ليتمكن المزارع اللبناني من منافسة نظيره السوري في عقر داره .. فلماذا؟.
واستناد “مرافعة” وزارة الاقتصاد على ان (الزراعات الإستوائية لم تُدرج في الخطة الإنتاجية الزراعية) لتبرير دعم مستورديها لم يكن موفقا، فالكثير من الزراعات المهمة والمجدية للمزارع السوري غير مدرجة أساسا في الخطط الزراعية لا سابقا ولا الآن!!
وإذا كان الموز لايؤثر على المواسم الأخرى، من جهة، وإذا كانت وزارة الاقتصاد حريصة على تأمين هذه المادة “الضرورية” للأطفال من جهة أخرى، فلماذا لاتُستورد إلا من المزارع اللبناني، في حين تباع تهريبا جهارا في الأسواق على مدار العام؟
حسنا، نوافق تماما على ماجاء في “مرافعة” وزارة الإقتصاد لتبرير دعم المزارع اللبناني لا السوري “أن إجراء عمليات المقايضة لمحاصيل زراعية أو مواد مختلفة بين الدول يخضع لاعتبارات متعددة وتشكل حاجة كل طرف للمادة موضوع المقايضة الأساس في إبرام عمليات كهذه” .. لكن السؤال: الا توجد أي سلع ومواد يحتاجها لبنان من سورية، كالأدوية مثلا ليتم مقايضتها بالموز أو أيّ مواد أخرى تحتاجها سورية؟
وبما أن “مرافعة” وزارة الاقتصاد لتبرير دعم المزارع اللبناني ترى “أن قرارها الصادر في الشهر الماضي الذي سمح باستيراد المادة من لبنان، أدى إلى توفر المادة في السوق المحلية بأسعار مناسبة ومعقولة مع تحقيق عوائد للخزينة العامة من الرسوم الجمركية، والحيلولة دون دخول مادة الموز بأسعار مرتفعة، ما لذلك من آثار سلبية على سعر الصرف” .. فإننا نسأل مع ملايين السوريين: وماذا عن تصدير الأغنام بدلا من تهريبها مع مايعنيه ذلك من حرمان الخزينة من الرسوم ؟
المنطق حسب “مرافعة” وزارة الاقتصاد يقول بضرورة توفير اللحوم في الأسواق السورية بأسعار مناسبة معقولة مع تحقيق عوائد للخزينة، وهذا الأمر قابل للتحقيق بتفعيل قرار صدر في تسعينات القرن الماضي يقضي باستيراد رأسي غنم مقابل تصدير رأس من العواس المطلوب جدا في الخارج بدلا من تهريبه دون أي فائدة لخزينة الدولة!!
أما إذا كانت “مرافعة” وزارة الاقتصاد لتبرير دعم المزارع اللبناني لا السوري جادة فعلا بقولها “ان الموز مادة هامة لتغذية الأطفال وفق عادات الاستهلاك للمجتمع السوري” .. فهل الأطفال لايحتاجون إلى الموز إلا لشهرين فقط؟
والسؤال الأهم: متى ستصدر وزارة الاقتصاد “مرافعتها” الأهم لتأمين حليب الأطفال بأسعار تناسب دخل آلاف الأسر السورية؟.
والسؤال الأكثر أهمية: أليس لدى العاملين في وزارة الاقتصاد أو لدى أقربائهم ومعارفهم عدد من الأطفال كي يهتموا بتأمين الحليب لهم بأسعار مناسبة؟
نعم، السؤال الذي يطرحه آلاف الآباء والأمهات: أيهما أهمّ لنا الموز أم الحليب؟
أليس غريبا أن لايرفّ جفن مسؤول في وزارة الاقتصاد وهو يرى أن سعر علبة حليب الأطفال قفز خلال أقل من أسبوع إلى أكثر من 100 ألف ليرة، أي ان كلفة الطفل الواحد من الحليب لاتقل عن 700 ألف ليرة شهريا، ومع ذلك فإن وزارة الاقتصاد مهتمة بتقديم “مرافعة” تبرر توفير الموز للأطفال لمدة شهر أو إثتين او ثلاثة بدلا من تأمين الحليب على مدار العام بأسعار مناسبة، بل مدعومة للأسر السورية!!
نعم، لايجوز ان تخضع مادة حليب الأطفال لسعر الصرف، وكنا نتمنى ان تتقدم وزارة الاقتصاد “بمرافعة” تبرّر فيها استيراد حليب الأطفال بكميات نظامية وبيعه بسعر مدعوم.
الخلاصة: نفترض أن وزير الاقتصاد بعد “مرافعته” اللامنطقية لتبرير دعم المزارع اللبناني باستيراد 30 ألف طن من الموز قد اطلع على مطالبات أعضاء مجلس محافظة اللاذقية في اجتماعهم الأخير بتقديم التسهيلات والدعم لمزارعي الحمضيات، ونفترض أنه استخلص التالي من هذه المناقشات: مامن دعم لصادرات الحمضيات، والتسويق غير جيد، والأسعار متدنية، والكلف عالية، والموسم الحالي كالمواسم السابقة خاسر بامتياز، وبالتالي يحتاج إنقاذه إلى مرافعة قوية من معاليه في الأحتماع القادم لمجلس الوزراء!!
(خاص لموقع سيرياهوم نيوز )