آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » هل تنجحُ محاولاتُ الاحتلال في تدمير الهويَّةِ والثقافةِ والتراثِ الفلسطينيّ؟

هل تنجحُ محاولاتُ الاحتلال في تدمير الهويَّةِ والثقافةِ والتراثِ الفلسطينيّ؟

 

د. محمد الحوراني*

 

في كتابه “الهُويَّةُ، الثقافةُ، السّياسةُ قراءةٌ في الحالةِ الفلسطينيَّة” يرى الناقدُ والأكاديميُّ الفلسطينيُّ فيصل درَّاج أنَّ معنى الهويةِ الفلسطينيَّةِ يصدرُ عن قدرتِها على هزيمةِ المشروعِ الصّهيونيِّ، أو إجبارهِ على تغيير أهدافِهِ. وتأسيساً عليه فهي هويَّةٌ تتكوَّنُ وتتطوَّرُ وتتقدَّمُ، وقد تتراجعُ، وتظلُّ مرهونةً، في الحالات جميعاً بأشكال الصّراعِ الفلسطينيِّ الصهيوني وتحوّلاته.

ولمّا كانَتِ الهويَّةُ الفلسطينيَّةُ ناجحةً في التجذُّرِ عميقاً في ذاكرةِ الشعبِ الفلسطينيِّ من خلال ابتكاراته في محاربةِ المشروعِ الصّهيونيّ والتّصدّي له، الأمر الذي جعلَ الصّهيونيَّ يلجأُ إلى أساليبَ جديدةٍ، وربَّما غيرِ مسبوقةٍ، في قَتْلِ الشعبِ الفلسطينيِّ وتدميرِ ممتلكاتِهِ وإجبارِهِ على الهجرةِ خارجَ وطنِهِ وأرضِهِ، بعد أنْ تجاوزَ المحتلُّ كلَّ التَّوقُّعاتِ بشرعَنَتِهِ العنفَ، وممارستِهِ بحقِّ أبناءِ الشَّعبِ الفلسطينيَّ في محاولةٍ منه لضربِ هويَّتِهِ وتشويهِ ثقافتِهِ، والقضاء على مؤسّساتِهِ التربويَّةِ والتعليميَّةِ وإبادتها، الأمر الذي أدّى إلى استنفار عددٍ من المثقّفين والكتّابِ الغربيين، فقد ظهرَتِ الأكاديميَّةُ الأمريكيَّةُ “آني أندريا” في مقطعٍ مُصوَّر، تناقلَتْهُ عدّةُ حساباتٍ على مواقعِ التّواصلِ الاجتماعيِّ، وهي تستنكرُ تدميرَ جيشِ الاحتلالِ الصّهيونيِّ للجامعاتِ في غزَّةَ، وقتلَهُ أكثرَ من مئةِ أكاديميٍّ فلسطينيٍّ منذ بدايةِ العدوانِ على غزَّةِ، مستنكرةً الصَّمتَ الأكاديميَّ الغربيَّ عن هذا الدّمارِ الخسيسِ للتعليمِ والثقافةِ، متسائلة في الوقتِ نفسِهِ؛ كيفَ يمكنُكَ أن تدّعيَ حُبَّكَ للقراءةِ عندما ترى المكتباتِ والجامعاتِ في غزَّة تُمْحَى عن الخريطةِ؟

ماذا لو كانت “أكسفورد” ماذا لو كانت ” هارفرد” وكم سيكونُ حجمُ الغضبِ والإدانةِ والتغطيةِ الكبيرةِ في وسائلِ الإعلام فيما لو تمَّ تفجيرُ أيٍّ من تلكِ الجامعاتِ؟ بينما لم يحرِّك تدميرُ تسعين بالمئة من المدارسِ والجامعاتِ، وقتلِ مئاتِ الأكاديميين والصحفيين والكتَّاب والمبدعين، أيَّاً من وسائلِ الإعلامِ الغربيَّة، كما أنَّ تدميرَ أكثرِ من مئتَي موقعٍ أثريٍّ وتراثيٍّ، وقصفِ مئاتِ المساجدِ والكنائسِ والمشافي، وسرقةِ مئاتِ الجثامين للشهداء والموتى، في مقابرِ قطاعِ غزَّةَ، وسرقةِ أعضاءَ حيويَّةٍ منها، لم يستنفرِ المؤسّسات والمنظماتِ الدّوليَّةِ التي تدّعي الدفاعَ عن حقوقِ الإنسان، وحماية حَقّهِ في التربيةِ والتَّعليم، ما يعني التواطُؤَ العالميَّ في مسحِ التّاريخ والجغرافيا، وإبادةِ الذَّاكرةِ والهويّةِ الفلسطينيَّةِ، وهو التوصيفُ الذي ذهبت إليه مجلةُ “ذا نايشن” الأمريكية في توصيفها لممارسات الاحتلال الصّهيونيّ المستمرّ منذ ستةٍ وسبعين عاماً، من حرب “الإبادة الثقافية” التي يكرّسها المحتلُّ بتدميرِهِ ذاكرةَ غزَّةَ؛ التي غدت مهدَّدةً أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى، لاسيما بعد محاولاتِ الصّهاينة تدميرَ الأملِ والذّاكرةِ والتراثِ الفلسطينيّ من خلال قصفِ المتاحفِ والمراكز الثقافية، مثل مركز “رشاد الشوا” الثقافي، وحرق المكتبات، واستهداف المثقّفين والأدباء والفنانين والإعلاميين الفلسطينيين، وتدمير الآثار وحرقِ المخطوطاتِ في محاولةٍ لنسفِ التّراثِ الحضاريِّ الذي يحمي الهويَّةَ الفلسطينيَّة، ويصونُ وجودَها.

لم تقتصرِ الاعتداءاتُ الصهيونيَّةُ على المعالم التاريخيَّة والآثارية على حقبة دون سواها، بل إنها أصابت مواقعَ تعودُ جذورُها التاريخيَّة إلى القرن الأول قبل الميلاد كما هو حال الجامع العمري الكبير. كما استهدف العدوانُ موقع كنيسة جباليا البيزنطية، وكنيسة برفيريوس، وكذلك المواقع الشاهدة على عمارة العصر المملوكي؛ كالمساجد والقصور والأسواق التاريخية، ذات القيمة الاجتماعية والاقتصادية، والتي تمثّل الذاكرة البعيدة والمتجذّرة للهويَّةِ الفلسطينيَّة، فضلا عن نسف المراكز والمتاحف الحيوية العاملة في مجال الحفاظ على التراث الثقافي الفلسطيني، وورشات الحرف اليدوية، التي تعدُّ الحاملَ الرئيسَ للمعارف والمهارات التراثية، والتي هي جزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية والذاكرة اللامادية للشعب الفلسطيني، وهو ما يفسِّرُ إقدامَ قوَّاتِ الاحتلال على حرق آلاف الوثائق والمستندات، التي توثّق مبانيَ المدنِ الفلسطينيَّة في قطاع غزَّةَ ومراحلِ تطوُّرها العمراني.

لقد أثبتت الحرب التي يشنّها الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في غزَّةَ أنها ليست حرباً للقضاء على البنيان والإنسان فحسب، وإنما هي حرب لتدمير الثقافة ومحو الهويّة، ونسف الذاكرة التاريخية والحضارية للشعب الفلسطيني، كما أنَّها حربٌ للقضاء على المؤسسات الثقافية والتعليمية والتربوية، والقضاء على الرموز الثقافية والكوادر الفلسطينية؛ التي كان لها الدور الأسمى في ترسيخ الثقافة الوطنيّة الفلسطينيّة، وتعزيز حضورها داخلياً وخارجياً، وهي الثقافة القائمة على التسامح والتواصل الحضاري عبر التاريخ.

أمام هذا الواقع المأساوي؛ الذي خلّفه العدوان الصهيوني على أهلنا في فلسطينَ، ثمة الكثيرُ من الأسئلة التي تطلّ برأسها أمام ما يجبُ فعلُهُ من قبل المثقّفين والأدباء العرب ومؤسساتهم الثقافية، وهو ما يستوجب موقف استنكار، وصرخة احتجاج، وتحركاً واسعاً بالتنسيق مع المتضامنين والأكاديميين الغربيين الرافضين؛ لممارسات الاحتلال الصهيوني ومحاولاته في تدمير الهوية والثقافة والتراث الفلسطينيِّ، ذلك أن الفناءَ الذي يُهدِّدُ الشعبَ الفلسطينيَّ يهدِّدُنا جميعاً، وبالتالي فمن الواجب علينا فعل كل ما في طاقتنا لحمايته والدفاع عنه، وفضح ما يقوم به المحتلُّ الصّهيونيّ من حربٍ تُهدِّد الثقافة والقيم الإنسانيَّة جمعاء.

——————————————————————

نص للأكاديمي الفلسطيني الدكتور رفعت العرعير، كتبه قبل استشهاده بالقصف الصهيوني على قطاع غزة، وحظي باهتمام واسع من قبل متضامنين ومثقفين عالميين بعد استشهاده. إذا كان لا بدّ أن أموت ‏فلا بدّ أن تعيش أنت ‏لتروي حكايتي ‏لتبيع أشيائي ‏وتشتري قطعة قماش ‏وخيوطاً ‏(فلتكن بيضاء وبذيلٍ طويل) ‏كي يُبصر طفلٌ في مكان ما من غزّة ‏وهو يحدّق في السماء ‏منتظراً أباه الذي رحل فجأة ‏دون أن يودّع أحداً ‏ولا حتى لحمه ‏أو ذاته ‏يبصر الطائرة الورقية ‏طائرتي الورقية التي صنعتَها أنت ‏تحلّق في الأعالي ‏ويظنّ للحظة أن هناك ملاكاً ‏يعيد الحب ‏إذا كان لا بد أن أموت ‏فليأتِ موتي بالأمل ‏فليصبح حكاية”

الكاتب: د. محمّد الحوراني كاتب واستاذ جامعي ورئيس اتحاد الكتاب العرب في سورية

 

 

(سيرياهوم نيوز ٢-لعبة الأمم)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أنباء سحب الجنسية من نوال الكويتية تثير الجدل.. وحقيقة اعتزالها تكشف!

تصدر اسم الفنانة نوال الكويتية محركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي بعد تداول أنباء عن سحب جنسيتها الكويتية، وهو ما أثار الجدل بين المتابعين والمستخدمين. وتأتي ...