في ظل الأوضاع الكارثية التي يعاني منها سكان قطاع غزة، نتيجة الحرب الإسرائيلية الدامية التي دخلت شهرها الخامس على التوالي، وتسببت بأمراض وانتشار الأوبئة والمجاعات، وتهديد حياة أكثر من 2 مليوني فلسطيني في القطاع بالموت البطيء، وجدت بعض الدول العربية “أخيرًا” بعد هذه المدة طريقة لإدخال مساعداتها للسكان الذين يعانون من ويلات الحرب بكل مرارتها.
الغريب ليس في قرار إدخال المساعدات الذي جاء بعد أكثر من 5 أشهر على الحرب، ولكن في الطريقة التي تتم فيها إلقاء تلك المساعدات في عرض بحر غزة، وأكثر من نصفها يتلف ويذهب طعامًا للأسماك، وليس لأهل غزة المحاصرين والذين تركوا وحدهم أمام ما أصبحت تسمى بـ”مذبحة القرن”، سط شح في المواد الغذائية ومعاناة من مجاعة قاسية.
المشاهد التي وثقتها الكثير من وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي، تظهر الطريقة التي اعتمدتها 4 دول العربية (مصر، الأردن، قطر، الإمارات) في إيصال مساعداتها لغزة (في حال وصلت أصلاً)، من خلال عمليات الإنزال الجوي عبر الطائرات الحربية ليس وسط غزة، أو قريب حتى من الشاطئ أو أماكن سهل الوصول إليها، بل داخل عمق البحر، فعليك السباحة في هذا البرد القارس لمسافات طويلة للحصول على “نصيبك”، ومن لا يعرف العوم أو لا يجد مركبًا نحو تلك المساعدات، فعليه أن يشاهد ويتحسر.
وخلال الأيام الماضية أنزلت الدول العربية الأربعة أطنان من المساعدات في عرض البحر قبالة شواطئ غزة، فيما وثقت وسائل الإعلام انتظار عشرات الآلاف من الفلسطينيين على الشاطئ يراقبون عمليات الإنزال التي جرت في عمق البحر، وعدم قردتهم على الحصول على تلك المساعدات.
-
هل هو استعراض؟
هذه الخطوة فتحت باب التساؤل واسعًا، حول الأسباب الخفية التي دفعت الدول العربية في إلقاء تلك المساعدات في عرض البحر؟، والهدف من طريقة “إذلال” الفلسطينيين في الحصول عليها؟ وهل فشلت الدول العربية في إقناع إسرائيل بإدخال المساعدات برًا عبر معابر غزة؟
وعلق بعض المدونين على هذه الأسئلة بالقول: إن “المساعدات التي يتم إنزالها من الجو، كلها استعراضية، “اللي بدو”(من يريد) يساعد، يساعد أهلنا في الشمال! شمال غزة -حتى اللحظة هذه- لم تصل إليهم شربة ماء، طالما تستطيعون الطيران وإنزال المساعدات في أي مكان “بدكم ياه” عليكم إنزالها في شمال غزة” بحسب وصف أحدهم.
وقال آخرون إن الهدف من الإنزال الجوي هو إسكات الإعلام عن المجاعة التي تحدث في شمال القطاع الذي يعاني سكانه من الجوع ونقص المواد الغذائية.
وتساءل آخرون عن الشاحنات التي تقف في رفح والعريش ولماذا لا يتم إدخالها وتكلفتها أقل بكثير من عملية الإنزال الجوي، مشيرين إلى أن من يستطيع أن يلقي المساعدات من الجوي يستطيع إدخالها برا.
وقال معلقون إن توقيت الإنزال جاء مع نهاية المدة الممنوحة للاحتلال من محكمة العدل الدولية، ويخشى أن يتخذها الاحتلال دليلا على أنه لا يمنع المساعدات عن أهالي غزة أمام المحكمة.
وكان الجيش الأردني أعلن عن أكبر عملية إنزال مساعدات لسكان غزة منذ بدء الحرب الإسرائيلية المدمرة على القطاع في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كما أعلنت القاهرة كذلك انها شاركت الإمارات وقطر وفرنسا في عملية إنزال جوي لمساعدات إلى قطاع.
وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، إن عمليات الإنزال الجوي للمساعدات في قطاع غزة ليست كافية لتلبية احتياجات السكان، داعياً إلى تحرك المجتمع الدولي لوضع حد للعدوان الإسرائيلي، لمنع خطر تفجر الوضع الإقليمي، خصوصاً مع قرب شهر رمضان.
-
أسباب أخرى
ويرجع المحلل العسكري والاستراتيجي المقيم بالأردن، العقيد ركن متقاعد إسماعيل أبو أيوب، قيام الدول العربية الأربع بعملية الإنزال الجوي إلى منع وتعطيل إسرائيل وصول المساعدات إلى قطاع غزة عبر البر”.
وإذا دخلت المساعدات إلى غزة برا فهي تمر من خلال “أراضي ومعابر يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي”، ويتم تعطيل وصولها لسكان غزة، ما فاقم الأزمة الإنسانية هناك، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
أما المحلل السياسي القطري، عبدالله الوذين، فيرى أن الدول العربية التي شاركت بعملية الإنزال الجوي كانت “مضطرة بسبب إغلاق المعابر البرية، وكذلك الحصار البحري الإسرائيلي على القطاع”.
وإسرائيل “غير راضية” عن إدخال مساعدات للسكان في قطاع غزة “برا من خلال المعابر الدولية”، وتحاول “تعطيل وصول المساعدات ومنع تدفقها”، وتستخدم إسرائيل “المساعدات كورقة ضغط على حماس”، لتحرير الرهائن، وهو أمر مرتبط بالمفاوضات الجارية حاليا بين الجانبين، حسبما يشير المحلل السياسي القطري.
فيما يصف المحلل السياسي الفلسطيني، عادل الغول، المساعدات التي تصل لسكان غزة جوا بأنها “بلا أي جدوى أو أثر على أرض الواقع”، ويرى أن إسرائيل اتخذت قرار بـ”تعطيل وصول المساعدات عبر معبر رفح، وبالتالي “تراكمت شاحنات تحمل آلاف الأطنان من المساعدات على الجانب المصري”.
والمساعدات التي يتم إنزالها جوا “لا يمكن أن تغطي 1 بالمئة من احتياجات السكان في غزة”، وبالتالي فهي “بلا فائدة”، بينما الجوع يزداد والأزمة الإنسانية تتصاعد بين المدنيين، وفق الغول.
يرى الغول، أن الإسقاط الجوي للمساعدات بمثابة “تمهيد لإقفال المعابر بشكل كامل”.
ووثقت مقاطع فيديو متداولة على منصات التواصل الاجتماعي، ونشرتها شبكة “سي إن إن” الإخبارية، وصحيفة “نيويورك تايمز”، “سقوط بعضا من تلك المساعدات في البحر، وتدافع العشرات عليها.
وأظهرت بعض المقاطع تدافعا كبيرا بين السكان للحصول على أكياس من الغذاء، كما دخل البعض إلى الشاطئ لالتقاط مساعدات ألقاها الجيش الأردني بحضور العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني شخصيا، وذلك من الجو على ساحل القطاع.
وتمت عملية الإنزال الجوي “بدون أجهزة توجيه للمظلات، واضطرار الطائرات للتحليق على ارتفاعات منخفضة”، وفق وكالة “بترا” الأردنية، ووقع قسم كبير من المساعدات في البحر ولم يستفيد منها السكان في غزة، نظرا للرقعة الجغرافية الصغيرة التي يتم إسقاطها بها، وفق حديث الطيار الحربي السابق.
ويشير الخبير السابق ” أبو أيوب” إلى أن “اختلاف سرعة الرياح في المستويات العليا عن مثيلتها على الأرض وكذلك اختلاف الاتجاهات”، ما يؤدي لصعوبة التحكم في اتجاه إسقاط المساعدات.
وهناك أساليب متطورة أكثر لكن الأمر يتطلب تكنولوجيا عالية، لا تمتلكها كل الدول، وذلك من خلال “وجود طيار آلي في المظلة يستطيع توجيهها إلى النقطة المراد إسقاط المساعدات بها”، حسبما يكشف أبو أيوب.
ويرى أن “تلك التكنولوجيا المتطورة لم تكن موجودة في الطائرات المستخدمة لإنزال المساعدات”، وبالتالي سقط قسم كبير منها في البحر.
وأمام هذا المشهد غير المألوف.. يبقى التساؤل الأبرز..
هل هذا أقصى ما تملكه الدول العربية لمساعدة أهل غزة؟ وهل تعد فضحية جديدة؟ أم هناك خبايا أخرى؟
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم