خالد الجيوسي:
يبدو أنّ اعتماد الرئيس دونالد ترامب، في حال استمراره لرفض خسارته حتى بعد نهاية ولايته، سيكون مُعتمدًا على “أنصاره” المُتطرّفين البيض، والذين بدأوا بالفعل تصدير مظاهر رفضهم لخسارة رئيسهم الجمهوري، حيث قام بعضهم بالاعتداء على مُشرّع ديمقراطي، بالسّباب والصّراخ، كما هتف آخرون لترامب داخل طائرة في رحلة محليّة، وهو ما دفع بالطيّار إلى التهديد بتركهم في غير مكان وجهتهم.
هؤلاء الأنصار ليسوا فقط عنيفين، بل مُدجّجين بالأسلحة، ومكتب التحقيقات الفيدرالي حذّر أساساً من وقوفهم خلف عمليّات هُجوميّة إرهابيّة تستهدف أماكن حسّاسة في العاصمة واشنطن، واحتلال مباني، على خلفيّة نيّة عزل ومُحاكمة ترامب، وتجريده من صلاحيّاته قبل نهاية ولايته، والرئيس ترامب لا يبدو أنه يكترث بتفعيل تعديل المادة 25 من الدستور لعزله، فهي بنظره لا تُؤثّر، وتُمثّل صفر خُطورة كما قال عليه.
جلسة التصويت لعزل ترامب، ومُحاكمته تجري خلال إعداد هذه السطور، ويبدو أنها ستطول لبعد وصول بايدن إلى البيت الأبيض، ونائب الرئيس ترامب مايك بنس رفض من جهته تفعيل التعديل للمادة 25 لعزل الرئيس، واللافت خلال هذه الجلسات، الصور التي جرى تداولها للحرس الوطني، وهم ينامون حتى داخل أروقة الكونغرس استِنفارًا لتأمين تلك الجلسات بلباسهم العسكري، وحتى يوم تنصيب جو بايدن، ظهر 20 يناير أو ما تردّد عن تبكير في موعد تنصيبه.
ويبدو أنّ الديمقراطيين، هُم من لا يزالوا يسعون لعزل ترامب من منصبه، فالجمهوريّون وإن كان من بينهم من قال إنه سيُصوّت لقرار العزل، يتخوّفون من التداعيات التي يُمكن أن تترتّب على حزبهم لو جرى عزل رئيسهم الجمهوري، كما أن الديمقراطيين باتوا يُسيطرون بعد الانتخابات على كُل من مجلس الشيوخ، والنواب، والرئاسة، وهذا ليس في صالح الجمهوريين عُموماً.
وخلال تواجده على الحدود، وأمام الجدار الذي كان يُريد من المكسيك أن تدفع لاستكماله، ويكون الحاجز أمام المُهاجرين غير الشّرعيين، بدا أنّ ترامب قد هدّد بايدن، حين حذّره والديمقراطيين، من استخدام التعديل 25 لعزله من منصبه، وأن يتحوّل هذا الإجراء إلى خطر يُهدّد بايدن، وإدارته، وخاطب ترامب بايدن مُحذّرًا إيّاه من رغباته، ولم يشرح ترامب شكل هذا الخطر، لكن يبدو أنه يتقاطع مع مخاوف مكتب التحقيقات الفيدرالي من وقوع هجمات إرهابيّة، حال عزل ترامب، وسبق لمُستشار الأمن القومي الأسبق في إدارة ترامب جون بولتون أن حذّر من أنّ خطوات عزل ترامب، قد تُسبّب مشاكل خطيرة للأمّة.
الأعين بطبيعة الحال كانت مُوجّهةً نحو قيادة الجيش الأمريكي، والتي ثار جدل حول موقفها من واقعة اقتحام الكونغرس العنيفة، وصمتها لأكثر من أسبوع، دون تعليق، وهو ما طرح تساؤلات حول موقفها من فوز بايدن، واعتباره رئيساً، وقائدًا للقوّات المسلحة الأمريكيّة بالتالي، أمام صمت على حادثة اقتحام الكونغرس.
هيئة الأركان المُشتركة الأمريكيّة، أصدرت بياناً أمس الثلاثاء، أدانت فيه وبشكلٍ نادر، أعمال الشغب التي وقعت الأسبوع الماضي، ووصفتها بالهُجوم على العمليّة الدستوريّة الأمريكيّة، وانتهاكاً للقانون.
وتُحاول قيادة الجيش الأمريكي، عدم الزّج بنفسها داخل العمليّة السياسيّة، حتى لا يظهر الجيش بأنه يتدخّل بالمشهد الديمقراطي المدني في البلاد، وقد تحدّث مسؤولون أمريكيّون عن عدم تعليق رئيس الأركان المُشتركة مارك ميلي، لأنه أراد أن ينأى بنفسه عن السياسة، وبحسب بيان قادة الجيش، فإنّ الرئيس المُنتخب جو بايدن سيجري تنصيبه يوم 20 يناير، وسيُصبح قائدهم، ويُفهم من هذا هُنا، بأنّ الجيش لن يمتثل لأوامر ترامب نهائيّاً بعد نهاية ولايته، لكن بقي لولاية الأخير ثمانية أيّام، يستطيع فيها توجيه أوامر عسكريّة، مع وجود مُطالبات للجيش من مسؤولين أمريكيين عدم الامتثال لأوامره فيها.
ومع وضوح موقف قيادة الجيش الأمريكي من أحداث واقعة اقتحام الكونغرس الذي شابه بعض الشّكوك، واعتبار بايدن رئيساً، سيأخذ الجيش بطبيعة الحال مكانه إلى جانب الرئيس بايدن، وسيعمل على حماية البلاد من تهديدات سيُقدم عليها أنصار ترامب، لكن وضوح موقف الجيش، لا يمنع من وجود مخاوف من انقسامات داخله، فبحسب وكالة “رويترز” هناك قسم كبير من الجيش بيض وذكور، وقد يكونوا وفق مُعلّقين مُتطرّفين لصالح ترامب، والجيش يعمل أيضاً مع مكتب التحقيقات الفيدرالي على تحديد ما إذا كان يُوجد أفراد في الجيش حاليين، شاركوا في اقتحام الكونغرس، حتى أنّ 10 آلاف عُنصر من الحرس الوطني، الذين سيُؤمّنون يوم تنصيب بايدن، بحاجة إلى تدقيقٍ في ما لو كان ولاءهم لترامب، وهذا كلّه قد يُفَسِّر تهديدات ترامب لبايدن في حال عزله، وتعويله على هؤلاء.
وكان الرئيس ترامب قد غادر البيت الأبيض، وفي أوّل رحلة خارجيّة له خارج البيت الأبيض، وبعد أحداث الكونغرس، مُصطحباً معه “الحقيبة النوويّة”، وغادر ترامب إلى تكساس، وكانت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، قد حذّرت من أن ترامب غير مُؤهّل لامتلاكها.
بكُل الأحوال، يبدو أنّ الترقّب سيبقى سيّد الموقف، حتى نهاية ولاية الرئيس ترامب، وكُل الاحتمالات مفتوحة، في ظل رئيس أعلن أنه لن يحضر حفل تنصيب بايدن، ولم يقر بخسارته بالانتخابات، ويفرض عقوبات على إيران، ويتّهمها بإيواء قادة تنظيم القاعدة، كما لا يُبالي بإجراءت عزله، ويُهدّد نظيره المُنتخب الفائز، ثمانية أيّام فاصلة وقد تكون قاتلة بتاريخ الدولة الأمريكيّة الحديث.
سيرياهوم نيوز 5 – رأي اليوم 14/1/2021