محمد عبد الكريم أحمد
تصاعدت، منذ منتصف الشهر الجاري، حدّة التوتّرات بين الولايات المتحدة والنيجر، وذلك في أعقاب إعلان المجلس العسكري الحاكم في هذا البلد عزمه على إنهاء العلاقات العسكرية مع الأميركيين، فيما كانت نيامي تستضيف وفداً أميركيّاً بقيادة مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية مولي في، ورئيس العمليات العسكرية الأميركية في القارة الجنرال مايكل لانغلي، في زيارة جاءت، وفق مراقبين، في إطار جهود واشنطن الديبلوماسية للعمل مع الحكومات العسكرية في إقليم الساحل. ودان بيان للمجلس العسكري سلوك رئيسة الوفد الأميركي الذي «انتقص» من العلاقة الممتدّة بين البلدَين، لافتاً إلى أن «الوجود الأميركي في أراضي النيجر غير قانوني، وينتهك جميع القواعد الدستورية والديموقراطية». وإذ اكتفى الناطق باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميللر، بإعلان علم وزارته بالبيان، فقد توسّع التصعيد مع تأكيد «العسكري» لاحقاً قطْع كل الصلات العسكرية مع الولايات المتحدة، وتوجيه أوامر مباشرة إلى القوّة الأميركية الموجودة على أراضي النيجر (قوامها نحو 1000 جندي ومتعهّد مدني أميركي)، بمغادرة البلاد، في ما يُعدّ تكراراً لتجربة نيامي مع القوات الفرنسية قبل أشهر.
نهاية الصلف الأميركي في النيجر
كشف بيان أمادو عبد الرحمن (16 آذار) عن نفاد صبر المجلس العسكري إزاء الصلف الأميركي المستمرّ تجاه النيجر، منذ إعلان المجلس وقف العمل بجميع الاتفاقات العسكرية مع فرنسا والاتحاد الأوروبي، ووقف التعاون العسكري مع القوات الأميركية في البلاد منتصف العام الماضي، مروراً باستمرار إدارة مولي لملف العلاقات مع النيجر منذ آب 2023 بعد فشل زيارة نائبة وزير الخارجية الأميركي، فيكتوريا نولاند، لنيامي، واكتفاء إدارة الرئيس جو بايدن بالتعامل مع الأزمة وفق المشروطية التقليدية: تعزيز التعاون الأمني والتنموي، في مقابل اتّخاذ المجلس العسكري خطوات مرضية نحو الديموقراطية. كما لم تُعِر إدارة بايدن التطوّرات في النيجر الاهتمام المفترض، واكتفت – على سبيل المثال – بإحاطة موجزة للكونغرس عبر خطاب أرسله بايدن مطلع الشهر الأخير من العام الماضي، يفيد بوجود «نحو 648» جنديّاً أميركيّاً في هذا البلد، في إشارة إلى عملية إعادة التمركز التي جرت في أيلول 2023، أي قبل أكثر من شهرين كاملين من إرسال الخطاب. ونحت مولي، خلال إدارتها المنفردة تقريباً للملف، في اتجاه فرض إملاءات متكرّرة، شملت مجمل سياسات نيامي الخارجية، ولا سيما دفعها نحو الاستجابة لمطالب «الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا» (إكواس)، والتي رفضتها النيجر جملة وتفصيلاً.
وعسكريّاً، لم يبدِ «البنتاغون» اهتماماً كبيراً بتداعيات قرار نيامي، إذ اكتفى (18 مارس) ببيان مقتضب على لسان نائبة مسؤول الصحافة في وزارة الدفاع، سابرينا سينغ، تضمّن «التطلّع» إلى مزيد من التوضيح لِما يعنيه البيان النيجري، دافعاً المسألة برمّتها نحو مسار آخر، عبّر عنه تخوّف الوفد الأميركي خلال زيارته الأخيرة للنيجر من «علاقة الأخيرة المحتملة مع روسيا وإيران». وهو توجّه كشف عنه أيضاً تحذير لانغلي، أمام «لجنة الخدمات العسكرية» في مجلس النواب، مطلع الشهر الجاري، من أن «روسيا تحاول الاستيلاء على الساحل»، وإرجاعه فشل واشنطن في التعامل مع النيجر (وبقية دول الساحل التي شهدت انقلابات عسكرية) إلى قيود تقديم المساعدات الأميركية.
عبّر الجانب الأميركي عن تخوّفه من تنامي «علاقة النيجر المحتملة مع روسيا وإيران»
روسيا وإيران في النيجر: سيناريو شغل الفراغ الأميركي؟
كان واضحاً تحرُّك روسيا إيجابياً تجاه النيجر، على خطى التقارب الروسي – المالي، منذ وقوع الانقلاب في نيامي في تموز الماضي، قبل أن تجد موسكو موطئ قدم لها في هذا البلد في منتصف كانون الثاني الماضي، بإعلانها الاتفاق على تطوير التعاون العسكري بينهما. وفي مقابل الفتور الأميركي تجاه قادة الانقلاب النيجريين، سُجل استقبال مسؤولين رفيعي المستوى في وزارة الدفاع الروسية لوزير دفاع النيجر، ساليفو مودي، في موسكو، حيث جرى التركيز على تطوير العلاقات الثنائية في قطاع الدفاع، وتكثيف العمل على استقرار الوضع في الإقليم. وأكدت وزارة الدفاع الروسية عملها على مواصلة الحوار حول «زيادة الاستعداد القتالي» للجيش النيجري، في دلالة على وجود تفاهمات محدّدة لدعم الجيش تدريباً وتسليحاً وتعزيز قدراته في مجال مكافحة الإرهاب. ويبدو أن ملف التعاون العسكري بين البلدين بات في حقيبة نائب وزير الدفاع الروسي، يونس – بك يفكوروف، عقب زيارته الاستهلالية للنيجر، في الأسبوع الأول من كانون الأول الماضي، ولقائه رئيس المجلس العسكري، عبد الرحمن تياني (بعد يوم واحد من زيارة مماثلة لمالي)، وتوقيع «وثائق لتقوية التعاون العسكري بين جمهورية النيجر والاتحاد الروسي».
وفي ما يخصّ إيران، التي زارها رئيس وزراء النيجر، علي لامين زين، نهاية كانون الثاني الماضي، حيث التقى الرئيس إبراهيم رئيسي، فإن الميديا الأميركية حذّرت من مساعي الأولى للوصول إلى احتياطيات اليورانيوم في النيجر، ونقلت عن مسؤولين أميركيين وغربيين، قولهم إنهم «حصلوا على معلومات استخبارية تشير إلى سعي المجلس العسكري الحاكم في النيجر للتوصّل إلى اتفاق مع طهران يسمح للأخيرة بالحصول على كميات من احتياطي اليورانيوم في النيجر. وصعّدت صحيفة «وول ستريت جورنال» من هذا التحذير، بتأكيدها قرب توصّل البلدين إلى اتفاق، ثمّ كشفها (18 الجاري) أن قرار نيامي بخصوص القوات الأميركية أو ما وصفته بـ«إنهاء تحالفها المناهض للإرهاب مع واشنطن»، قد جاء مباشرة بعد اتهام مسؤولين أميركيين (مولي في تحديداً) للمجلس العسكري الحاكم في نيامي بـ«مساعيه الجادّة والسرّية للتوصل إلى اتفاق يسمح لإيران بالوصول إلى احتياطيّاتها من اليورانيوم».
خلاصة
جاء قرار نيامي طرد القوات الأميركية من النيجر، فيما تتزايد مشاغل السياسة الأميركية بتطوّرات بحر الصين الجنوبي، حيث حلّ وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، ضيفاً على العاصمة الفيليبينية مانيلا (19 الجاري)، فضلاً عن الحرب في غزة والتي توجّه من أجل إنهائها في جولة شرق أوسطية سادسة منذ السابع من أكتوبر. وردّ بلينكن على سؤال وُجّه إليه حول الأزمة مع النيجر، وعمّا إذا كان قرار نيامي مفاجئاً له، بالقول إن «واشنطن أوضحت أن لديها مخاوف حقيقية للغاية (إزاء روسيا وإيران؟)»، وأنها لا تزال على اتصال مع «المجلس الوطني لسلامة الوطن» الحاكم في نيامي، وأن المسؤولين الأميركيين يناقشون مع المجلس «المسار المستقبلي» (للعلاقات العسكرية والأمنية). ولربّما توحي إجابة بلينكن بتراجع أميركي جزئي عن استخدام لغة إملائية مع نيامي، وإعادة واشنطن طرح مخاوفها واستكشافها سبل استعادة ثقة السلطات في هذا البلد من أجل استئناف أيّ تعاون ثنائي مستقبلاً، أخذاً في الحسبان فروق التوقيت الأميركية مع قرب نهاية ولاية بايدن.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية