بيّن الدكتور جميل ركاب الاستشاري في الطب النفسي أن أرقام الاضطرابات النفسية تتضاعف في البلاد المأزومة وفي الظروف غير النموذجية، مشيراً إلى ارتفاع الأرقام في سورية، إذ أن هناك واحداً على الأقل من بين أربعة أو خمسة أشخاص حالياً يعاني من مرض نفسي في سورية أي 20 إلى 25%، مؤكداً أن الاكتئاب والقلق هما الأكثر شيوعاً حتى قبل الحرب، رغم ارتفاع مجمل الاضطرابات النفسية في الحرب بنسبٍ كبيرة كالاضطرابات المتعلقة بالشدة واضطرابات القلق وتعاطي المواد والمهدئات والمخدرات والاضطرابات الذهانية.
نقطة أخرى أشار إليها ركاب، وهي نقص قدرة المجتمع على التدخل وعلى إدارة كثير من الاضطرابات الأخرى كاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه عند الأطفال الذي لا شكّ أن ازدياد احتمالية ارتفاعه واردة جداً في الظروف الحالية، وخاصةً مع انخفاض اهتمام ومتابعة الأهل وما يرافقها من نوعية سيئة لمدارس فاقدة لمقومات التعلم التشاركي الجاذب مع فقدان أساتذتها دافعية العمل، لتكن النتيجة حتماً بالنسبة لهؤلاء الأطفال أثر أكبر للمرض نفسه بدرجة أعلى مما كانت عليه في السابق سواء على الطفل أو على البيئة المحيطة به.
وبالنسبة للفئات الأكثر تأثراً في الحرب فقد بيّن ركاب أن الشباب هم الأكثر تأثراً وأذية كونهم الفئة المستهدفة بشكلٍّ أساسي في كلّ المجالات، سواء اقتصاد وتجنيد ووضع أمني عام وحريات شخصية وفردية وتفكير في السفر والهجرة، لذا غير مستبعدٍ بأن يكون هذا أحد الأسباب التي تؤدي لإصابتهم بالأزمات القلبية، طبعاً من دون إغفال الأثر السلبي الكبير لعوامل أخرى تسبّب أزمات صحية للشباب، كالتدخين ونمط الحياة والتغذية السيئة وعدم ممارسة الرياضة من جهة، ومن جهة أخرى عدم الحصول على السوائل بشكل حقيقي.
وفي سياقٍ متصل بيّن ركاب أن النقص الكبير في عدد الأطباء النفسيين بات يمثل مشكلة حقيقية، خاصةً وأن هذا النقص تزامن مع ازدياد الحاجة إليهم، لافتاً إلى أن الوضع الراهن بات يُشكِّلُ بيئةً غير جاذبة للعمل بغضّ النظر عن طبيعة الاختصاص أو المهنة، سواء في الطب الذي طال النقص مجمل فروعه وفي مقدمتها الطب النفسي أو غيره، ما يجعل النقص شديداً في اختصاصاتٍ كثيرة، مشيراً إلى أن عدم توفير بيئة جاذبة للعمل والانتباه لجملة العوامل الأخرى كالضرائب وملاحقة الأطباء مالياً بطريقة مؤسفة، جميعها تُشكِّلُ بيئة طاردة للاستثمار الطبي، لافتاً إلى أن آخر إحصائية للأطباء النفسيين أشارت إلى أن عددهم بلغ نحو 73 طبيباً في كل سورية، منهم قرابة 40 إلى 50 في دمشق، مع الإشارة إلى أن قسماً منهم لا يعمل لعدم امتلاكه عيادة خاصة، لاستحالة شراء أو استئجار عيادة في ظل الأرقام الفلكية للعيادات، مع غياب تام لوجود أي طبيب في محافظات بأكملها، لافتاً إلى أن أسعار الأدوية النفسية لا تزال الأرخص في السوق السورية، ولكن حتى هذا الرخص بات يشكل عبئاً على المواطن!.
سيرياهوم نيوز 2_البعث