أحمد العبد
رام الله | تحمل عملية «مخيمات الصيف»، والتي بدأها العدو الإسرائيلي في شمال الضفة الغربية فجر الأربعاء، بعضاً من أهدافه التي فشل في تحقيقها في قطاع غزة، ولعلّ أهمّها تمرير مخطّط «التهجير الطوعي المؤقّت»، الذي من شأنه أن يتحوّل إلى تهجير دائم. ومع استمرار العدوان لليوم الثاني على التوالي، وتركّزه في مدينتَي جنين وطولكرم، بعد انسحاب قوات الاحتلال من مخيم الفارعة في مدينة طوباس، أصبح الحديث عن هذا التهجير يدور علانية على ألسنة وزراء في حكومة بنيامين نتنياهو، وأعضاء في «الكنيست».ولا تتلمّس إسرائيل اعتراضاً حقيقياً على أفعالها في الضفة، إذ إن الضوء الأخضر الأميركي الذي مُنح لها لتنفيذ أوسع عملية إبادة جماعية في قطاع غزة، لا يزال متاحاً لارتكاب ما تراه مناسباً في الضفة، بما يشمل الترحيل والتهجير. وتأكيداً على ما تقدّم، أعربت الولايات المتحدة عن «تفهّمها» لعمليات الإخلاء في الضفة، ولو أنها قالت إنها «ضدّ تهجير إسرائيل للفلسطينيين»، بحسب ما صرّح به ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، لوكالة «الأناضول» وقناة «الجزيرة»، مضيفاً أن بلاده «تدرك احتياجات إسرائيل الأمنية المتضمّنة مكافحة الأنشطة الإرهابية في الضفة الغربية».
وانتهت المهلة التي حدّدها جيش الاحتلال الإسرائيلي لسكان مخيم نور شمس، للخروج طواعية من بيوتهم بعد حصار استمرّ ليلتين، وهو كان أبلغ رسالته تلك عبر الارتباط العسكري الفلسطيني، ومفادها أنه سيسمح لمن يرغب من سكان المخيم بمغادرته بشكل طوعي، من خلال ممرّ محدّد ونقطة تفتيش وضعها على أحد مداخله، لكنّ أهالي المخيم رفضوا الخروج والتزموا منازلهم.
وفي تشابه مع ما يقوم به في غزة، يضغط العدو لإفراغ المخيمات من قاطنيها، من خلال الضغط الكبير على الأهالي، وتحويل حياتهم إلى جحيم، وجعل مناطقهم بيئة غير صالحة للعيش، وهو ما يفسّر تفجيره خط المياه الرئيسي في «نور شمس»، وتجريف كل الشوارع والطرق بشكل يصعّب السير عليها مشياً على الأقدام، إلى جانب فرضه حصاراً وطوقاً شديدَيْن يستحيل معهما الحصول على أيّ من المواد الأساسية، فضلاً عن إقامته نقاطاً عسكرية في المخيم، حوّلها إلى مراكز تحقيق وتعذيب للمواطنين، مانعاً طواقم الإسعاف من دخول المخيم ونقل المصابين، وكل ذلك وسط تحليق متواصل للطيران الحربي والمروحي والمُسيّر. ووسّعت قوات الاحتلال من عدوانها على جنين وطولكرم، محكمةً حصارها على المدينتَين ومخيماتهما وقراهما القريبة، ومغلقةً مداخلهما، بعدما شنّت عملية تخريب وتدمير غير مسبوقة فيهما، في ظلّ اقتحامات واسعة لمناطق متفرقة ومواجهات في عدّة محاور.
ليس ثمّة مَن يعتقد بأن العملية العسكرية في شمال الضفة الغربية ستؤدي إلى القضاء على المقاومة
وشهد مخيّما جنين وطولكرم اشتباكات مسلحة عنيفة، تمكّن خلالها المقاومون من تفجير عشرات الآليات العسكرية. لكنّ التطوّر الأبرز، تمثّل في تمكُّن العدو من اغتيال قائد «كتيبة طولكرم» محمد جابر، «أبو شجاع»، وأربعة من رفاقه في مواجهة في «نور شمس»، مقابل إعلانه عن إصابة أحد جنوده من وحدة «اليمام» الخاصة في تبادل لإطلاق النار في المخيم. ومن جهتها، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن عدد الشهداء في الضفة وصل إلى 16 منذ بدء العملية العسكرية، وهو يشمل الشهداء الذين تبلّغت بهم أو الذين وصلت جثامينهم إلى المستشفيات، علماً أن الرقم أعلى من ذلك، خاصة في ظلّ سرقة الاحتلال جثامين شهداء وعدم قدرة الطواقم الطبية على الوصول إلى الكثير من المناطق التي تتعرّض للقصف.
وتعمّقت مظاهر العملية العسكرية في جنين، لتطاول مناحي الحياة كافة؛ إذ تسبّب الاحتلال بقطع خدمات الاتصال الثابت والإنترنت وخدمة المكالمات الخلوية، جرّاء تضرّر المسارات الرئيسية والاحتياطية للخطوط، في ما يشبه أيضاً ما كان يجري في غزة، كما تعطّلت الخدمات المصرفية في فروع بعض البنوك، بسبب تدمير خطوط الفايبر المزوّدة لخدمات الإنترنت. وفي هذا الوقت، واصلت فصائل المقاومة بكل تشكيلاتها، في جنين وطولكرم، عمليات التصدّي لقوات الاحتلال، ونصْب الكمائن للمشاة والآليات، مؤكدةً نجاحها في تفجير العشرات من العبوات الناسفة، وتحقيق إصابات مباشرة. ولعلّ الكمين الأبرز لـ»كتيبة طولكرم»، هو الذي نفّذته عصر أمس في حارة المنشية، حيث نجح مقاومون في تفجير عبوة ناسفة بقوة مشاة إسرائيلية، ثم تبع ذلك إطلاق صليات من الرصاص على الجنود، الذين أكّدت «الكتيبة» وقوع قتلى وجرحى في صفوفهم. ويُعدّ هذا هو الكمين الثاني الذي نُفّذ أمس، بعد آخر مشابه نصبته «الكتيبة» صباحاً لقوة مشاة في محور المنشية أيضاً، رداً على اغتيال «أبو شجاع»، ورصد عقبه مواطنون عبر هواتفهم دخول سيارة إسعاف إسرائيلية إلى محور الكمين.
وفيما يُقدّر أن تستمرّ العملية العسكرية عدة أيام في شمال الضفة، واصل الإعلام العبري مواكبة تطوراتها؛ إذ قال المحلّل العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، إن «القتال في الضفة، منذ 7 أكتوبر، هو الأكثر شدّة منذ انتهاء الانتفاضة الثانية في عام 2006 تقريباً»، وإن «المزيج الحالي القابل للانفجار يقرّب الضفة إلى نقطة غليان جديدة، والجدل في إسرائيل حول وقف الحرب على غزة ونقلها إلى لبنان يستند إلى فرضية أن الضفة ستبقى حلبة ثانوية. إلّا أن حجم القتال هناك، وعدد العمليات المسلحة، وبعضها موجّه إلى وسط إسرائيل، من شأن ذلك تحويلها إلى حلبة مركزية في الحرب». وليس ثمّة مَن يعتقد أن العملية العسكرية في شمال الضفة ستؤدي إلى القضاء على المقاومة، على الرغم من حجم الدمار والقتل والتخريب والضغط، وقلّة إمكانات المقاومة وبساطتها. ذلك أن وجودها وصمودها في ذاته يُعدّان إنجازاً من شأنه أن يبقي الاحتلال في حالة قلق مزمن.
وفي هذا الإطار، قال المحلّل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، يوسي يهوشع، إن المشكلة في الضفة لن تنتهي بالعملية العسكرية الإسرائيلية، ما لم تُغلق الحدود مع الأردن في وجه تهريب السلاح والمتفجرات إلى الأراضي الفلسطينية، معتبراً أنه يجب السيطرة على «محور فيلادلفيا الشرقي»، في إشارة إلى الحدود مع الأردن. وبحسبه، فإن «الحدود الشرقية بين الأردن والضفة مخترقة بالكامل. وتبذل إيران وحزب الله مجهوداً منسّقاً في السنوات الأخيرة لتهريب عبوات ناسفة ذات مواصفات عسكرية إلى الضفة وكذلك بنادق ومسدسات. ويبدو أنهما يحقّقان نجاحات».
سيرياهوم نيوز١_الأخبار